وأراد الهندي أن يعبر عن هذه الوحدانية التي تشتمل الكائنات الحية كلها في كائن واحد، فصور الأمر تصويرا فنيا بارعا في هذه العبارة المشهورة التي وردت في سفر من أسفار «يوبانشاد»:
حقا إنه لم يكن مسرورا، فواحد وحده لا يشعر بالسرور، فتطلب ثانيا، لقد كان حقا كبير الحجم حتى ليعدل جسمه رجلا وامرأة تعانقا، ثم شاء لهذه الذات الواحدة أن تنشق نصفين، فنشأ من ثم زوج وزوجة؛ وعلى ذلك تكون النفس الواحدة كقطعة مبتورة ... وهذا الفراغ تملؤه الزوجة، وضاجع زوجته فأنسل البشر، وسألت الزوجة نفسها قائلة: كيف استطاع مضاجعتي بعد أن أخرجني من نفسه؟ فلأختف، واختفت الزوجة في صورة البقرة، فانقلب هو ثورا وزاوجها، وكان بازدواجهما أن تولدت الماشية، واتخذت الزوجة لنفسها هيئة الفرس، فاتخذ هو لنفسه هيئة الجواد، وأصبحت هي أتانة فأصبح هو حمارا، وزاوجها، وولدت لهما ذوات الحافر، وانقلبت عنزة فانقلب لها تيسا، وانقلبت نعجة فانقلب لها كبشا، وزاوجها، فولدت لهما المعز والخراف، وهكذا كان الخالق حقا خالق كل شيء، مهما تنوعت الذكور والإناث، حتى تبلغ في درجات التدرج أسفلها حيث النمال، وقد أدرك هو حقيقة الأمر قائلا: «حقا إني أنا هذا الخلق نفسه؛ لأني أخرجته من نفسي» ... وهكذا نشأت الخلائق.
في هذه الفقرة الرائعة نلمس بذرة مذهب وحدة الوجود وتناسخ الأرواح، فالخالق وخلقه شيء واحد، وكل الأشياء وكل الأحياء كائن واحد، فاختر ما شئت من صور الكائنات، تجدها كانت ذات يوم صورة أخرى، ولا يميز هذه الصورة من تلك ويجعلهما حقيقتين منفصلتين إلا الحس المخدوع ... وليس يهمنا من هذا كله الآن إلا إلقاء الضوء على الفكرة الرئيسية التي نريد توضيحها في هذه الرسالة الصغيرة، وهي أن طابع الشرق الأول الأصيل هو أن ينظر إلى الوجود نظرة الفنان التي تجاوز السطوح الظاهرة إلى الكوامن الخافية، فلئن كانت ظواهر الأشياء تدل على تعددها، فحقيقتها الخبيئة هي أنها كائن واحد، وهي وحدانية يدركها الإنسان ببصيرته النافذة إن لم يدركها ببصره.
وما تنفك هذه الفكرة تتكرر عند الهندي في أسفار «يوبانشاد»، تكرارا يتخذ صورا شتى، لكنها صور تجتمع كلها على رأي واحد، وهو أن حقائق الأشياء تدرك بلمح الحدس ولا ترى بالأعين الظاهرة، فاستمع مثلا إلى هذا الحوار بين معلم وتلميذه:
المعلم :
هات لي تينة من ذلك التين.
التلميذ :
هذه هي يا مولاي.
المعلم :
اقسمها نصفين.
Halaman tidak diketahui