فقال هانئ: «إنك تحاولين محالا هل أكون حاضرا وتساقين أنت أسيرة؟ لا يكون ذلك أبدا والله لأعملن السيف في الإفرنج ولو كانوا ألوفا.»
فقطعت سالمة كلامه قائلة: «إذا فعلت غير ما أقوله فإنك تكدرني وأنا أعلم إنك لا تريد ذلك إن الدوق أود يعرف عني أكثر مما تعرف أنت أو تعرفه ابنتي هذه وهو لا يطلبني إليه ليسوءني، ولو كان غرضه ذلك لفعله وأنا سجينة عنده إلى الأمس ، دعنا الآن من هذا البحث، وأرغب إليك بشرف العرب وعز الإسلام أن تطيعني في ذلك، وقد آن لي الأوان أن أطلعكما على شيء جديد حفظته سرا منذ أعوام.» ثم التفتت إلى الراهب وقالت: «قل لحضرة الرئيس إني أتأهب للخروج حسب أمره بعد ساعة أو ساعتين لغرض لي مع ابنتي هذه قبل سفري.»
فحنى الراهب رأسه وخرج.
الفصل الثاني والسبعون
سر جديد
وبعد خروجه نهضت سالمة وأصلحت رداءها كأنها تستعد للخروج، وجعلت تخطر في أرض الغرفة ذهابا وإيابا ثم وقفت إلى النافذة وأطلت على النهر، ولبثت صامتة ومريم وهانئ ينتظران ما تقول ويعجبان لتلك الحركة وذلك السكوت، ثم تحولت عن النافذة، وأقبلت إليهما وقد تغيرت ملامحها وتقطبت أساريرها، وظهر الاهتمام في عينيها، وذهب ما كان يبدو على محياها من الابتسام وقد تحول إلى هيبة وغضب فلما رآها هانئ على تلك الحال تهيب والتفت إلى مريم فرآها أكثر اهتماما منه، ولكنهما ألجما عن الكلام وأصابهما ذهول، وأما سالمة فنظرت إلى مريم وخاطبتها قائلة: «أتعرفين من هو والدك يا مريم؟»
قالت: «لا يا أماه.» وتوردت وجنتاها من الخجل، وبغتت لذلك السؤال على غير انتظار، ولم يكن هانئ أقل استغرابا منها، ولكنه ظل صامتا ليرى ما يكون.
قالت سالمة: «أتعرفين من هي والدتك؟»
ثم التفتت سالمة إلى هانئ وقالت: «اعلم يا بني أني اؤتمنت على هذا السر منذ نحو عشرين سنة، على ألا أبوح به إلا لقائد جند العرب بعد عبور هذا النهر، ولكن قضت الأحوال أن أبوح ببعضه قبل ذلك الحين لأمير هو على ما أعلم يتلو القائد الأكبر، وللضرورة أحكام لقد ضاق صدري عن كتمان هذا السر بعد هذا الزمن الطويل وقد استخرت روح ذلك العزيز صاحب هذا السر أن أكشفه في هذه الساعة لابنتي ولك يا هانئ، على شرط أن تحتفظا به حتى تبلغاه إلى الأمير عبد الرحمن بعد هذه الوقعة، وليس قبلها فأصغيا إلي.»
وكانت تتكلم وهانئ شاخص ببصره، ومريم يكاد الدم يجمد في عروقها لفرط تأثرها من منظر أمها ، وما شاهدته في وجهها من المعاني التي لم تلمسها من قبل.
Halaman tidak diketahui