166

على عادتهم في الاختصار ، وعلى هذا قال الشاعر :

فو الله ما أدري وإن كنت داريا

بسبع رميت الجمر أم بثمان

وعن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : لن يرى الله أحد في الدنيا ولا في الآخرة. وقد قيل لعلي عليه السلام : هل رأيت ربك؟ فقال : ما كنت لأعبد شيئا لم أره. فقيل : كيف رأيت؟ فقال ، لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، موصوف بالدلالات ، معروف بالآيات ، هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم.

ثم نتأوله نحن على وجه يوافق دلالة العقل ، فنقول : المراد به سترون ربكم يوم القيامة ، أي ستعلمون ربكم يوم القيامة كما تعلمون القمر ليلة البدر. وعلى هذا قال : لا تضامون في رؤيته ، أي لا تشكون في رؤيته فعقبه بالشك ، ولو كان بمعنى رؤية البصر لم يجز ذلك. والرؤية بمعنى العلم مما نطق به القرآن ، وورد به الشعر. فقال الله تعالى : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) [الفرقان : 45] وقال : ( ألم تر كيف فعل ربك )

( بأصحاب الفيل (1)) وقال : ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون (30)) [الأنبياء : 30] وفي الشعر :

رأيت الله إذ سمى نزارا

وأسكنهم بمكة قاطنينا

أي علمت الله تعالى.

وقال حاتم بن طي :

أماوي إن يصبح صداي بقفرة

من الأرض لا ماء لدي ولا خمر

فإن قالوا : النبي صلى الله عليه وآله إنما أورد هذا الخبر مورد البشارة لأصحابه ، وأي بشارة في أن يعلموا الله تعالى في دار الآخرة ، ومعلوم أنهم يعلمونه في دار الدنيا؟ قلنا : إنما بشرنا بالعلم الضروري ، والعلم الضروري لا يثبت إلا في دار الآخرة. فإن قالوا : أي بشارة في أن يعلم الله تعالى ضرورة؟ قلنا : لأن لا يلزم مئونة النظر وتعب الفكر. فإن قال : فيجب على هذا أن يكون المنافقون والمؤمنون سواء ، لأنهم يعلمون الله ضرورة كالمؤمنين. قلنا : إن المنافقين والكفار وإن علموا الله تعالى

Halaman 181