164

الرؤية ، لأن أحدهما يستعمل حيث لا يستعمل الآخر ، بل يثبت بأحدهما وينتفى بالآخر ، ولا يتناقض الكلام ، وقال : لو كان اللقاء بمعنى الرؤية لم يختلف الحال فيه بالمؤمنين . وقد قال الله تعالى : ( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه ) فيجب أن يدل على أن المنافقين يرونه. فقال له القاضي : من أين لك هذا؟ فقال له : من رجل بالبصرة يقال له أبو علي بن عبد الوهاب الجبائي ، فقال : لعن الله ذلك الرجل. لقد بث الاعتزال في الدنيا حتى سلط الملاحين على القضاة.

ومما يتعلقون به ، قوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (15)) قالوا : بين الله تعالى أن الكفار يوم القيامة محجوبون عن رؤية الله ، وهذا يدل على أن المؤمنين لا يحجبون ، وفي ذلك ما نقوله.

والأصل في جوابه ، أن هذا استدلال بدليل الخطاب ، وذلك لا يعتمد في فروع الفقه فكيف في أصول الدين. وبعد ، فليس في ظاهر الآية ما يدل على أن الكفار يوم القيامة محجوبون عن رؤية الله ، لأنه تعالى قال : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (15)) [المطففين : 15] ولم يقل عن رؤية ربهم. ومتى قالوا : المراد بقوله عن ربهم ، عن رؤية ربهم ، قلنا : ليس كذلك ، بل المراد عن ثواب ربهم ، لأنكم إذا عدلتم عن الظاهر فلستم بالتأويل أولى منا ، فنحمله على وجه يوافق دلالة العقل.

ومما يتعلقون به ، إجماع الصحابة على أنه تعالى يرى ، وإجماعهم حجة ، فيجب القضاء بأنه تعالى يرى.

قلنا : لا يمكن ادعاء إجماع الصحابة على ذلك ، فقد روي عن عائشة أنها قالت لما سمعت قائلا يقول إن محمدا رأى ربه ، فقالت : لقد قف شعري مما قلت ، ثلاثا من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله تعالى ، ثم تلت قوله تعالى ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ) [الشورى : 51].

وبعد ، فمعلوم من حال أمير المؤمنين علي عليه السلام وكبار الصحابة ، أنهم كانوا ينفون الرؤية عن الله تعالى. وأنت إذا نظرت في خطب أمير المؤمنين ، وجدتها مشحونة بنفي الرؤية عن الله تعالى ، فيبطل ما قالوا.

Halaman 179