والعكس ، حتى وجب في كل أسود أن يكون أسود بسواد ، كذلك في مسألتنا.
وهكذا قالوا في الجسم والفاعل على ما تقدم.
والأصل في الجواب عن ذلك وهو أن يقال لهم : ما الدليل على أن أحدنا عالم بعلم حتى تقيموا عليه الغائب؟
فإن قالوا : لا خلاف بيننا وبينكم في ذلك فما وجه المنازعة؟ قلنا : لنا في هذه المنازعة غرض صحيح فدلوا عليه.
فإن قالوا : الدليل على ذلك هو أن أحدنا حصل عالما مع جواز أن لا يحصل عالما ، والحال واحدة والشرط واحد ، ولا بد من أمر ومخصص له ولمكانه حصل عالما وإلا لم يكن بأن يحصل عالما على هذا الوجه أولى من خلافه ، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى هو العلم.
قلنا : هذه طريقة مرضية. إلا أن هذا غير ثابت في حق القديم تعالى ، لأنه تعالى حصل عالما مع الوجوب لا مع الجواز ، فلا يمكن قياس الغائب على الشاهد والحال هذه.
فإن قالوا : الدليل على ذلك هو أن العالم حقيقة من له العلم ، قلنا : هذه شبهة مستقلة بنفسها في إثبات العلم لله تعالى ، فلو لا فساد الشبهة الأولى وإلا لما وقعت الحاجة إلى الانتقال إليها.
فإن قالوا : إن العالم مشتق من العلم ، وهذا يدل على أنه تعالى عالم بعلم.
قلنا : هذه أيضا شبهة مغررة يمكن أن تذكر في إثبات العلم لله تعالى والانتقال عن شبهة ذكرتموها إليها يؤذن بفساد تلك الشبهة.
** الرد على الشبه
ثم نعود إلى الكلام على ما أوردوه من الشبه ، فنقول :
قولكم إنا لم نر في الشاهد عالما إلا بعلم فكذلك في الغائب ، هو اعتماد على مجرد الوجود وذلك مما لا يصح في مثل هذه المواضع. يبين ذلك أنكم كما لم تجدوا في الشاهد عالما إلا بعلم ، فكذلك لم تجدوه إلا جسما ذا قلب ، فاحكموا بمثله في الغائب. وأما قياسهم ذلك على المتحرك فلا يصح ، لأن الفرق بينهما هو أنه ما من
Halaman 134