Sharh Thalathat al-Usul by Khalid al-Muslih
شرح ثلاثة الأصول لخالد المصلح
Genre-genre
الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَلَمْ يَتْرُكْنَا هملًا
قال ﵀: [الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا، وَلَمْ يَتْرُكْنَا هَمَلا، بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولًا، فَمَنْ أَطَاعَهُ دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار] .
ثم ذكر الدليل على ذلك.
أما: أن الله خلقنا فلا يرتاب في ذلك مؤمن، بل هذا مما فطر الله عليه الناس، وهو من مستلزمات وأفراد توحيد الربوبية، فالواجب الإقرار بأن الله هو الخالق، ولا يوجد أحد يعارض في هذا؛ فإن الجميع مقرون بأن الله ﷾ خالق كل شيء، وكذلك الرزق، فهذا مما يجب الإقرار به في توحيد الربوبية؛ فإن توحيد الربوبية هو إفراد الله جل وعلا بالخلق والرزق والملك والتدبير، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [يونس:٣١]، فهذه الآية هي الدليل على أن توحيد الربوبية لا يثبت ولا يقر إلا بالإقرار بأن الله ﷾ هو الخالق والرازق والمدبر، وهذا مما فطر الخلق عليه، وبدأ الشيخ ﵀ به تمهيدًا لما بعده، وإلا فلا معارضة ولا خلاف بين الناس في الإقرار بأن الله ﷾ هو خالقهم ورازقهم ومالكهم ومدبرهم.
ثم قال: [ولم يتركنا هملًا] ثم بين وجه ذلك فقال: [بل أرسل إلينا رسلًا] .
فإرسال الرسل دليل على عناية الله جل وعلا بخلقه، وأنه ﷾ لم يتركهم هملًا لا يُقصَدُون بشيءٍ من العبادة، ولا يُطلب منهم شيء.
ثم بين ما الواجب تجاه من أرسلهم الله ﷿ فقال: [فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النار]، والطاعة هنا المراد بها: الطاعة في الجملة، أي: في أصل ما جاءوا به، وأما في أفراد ما جاءوا به فمن أطاعهم دخل الجنة واستحقها، ومن عصاهم استحق النار، لكن قد يدخلها وقد لا يدخلها، أما في أصل ما جاءوا به من التوحيد فإنه من أطاعهم فيه دخل الجنة، ومن عصاهم فيه دخل النار كما دلت على ذلك الأدلة.
قال: [والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا﴾ [المزمل:١٥]، وهذا دليل على أن الله لم يتركنا هملًا، بل أرسل إلينا رسولًا، فقال: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا﴾ [المزمل: ١٥]، والخطاب هنا لمشركي مكة الذين بعث فيهم النبي ﷺ وكذبوه وعاندوه، فخاطبهم الله بهذا الخطاب قائلًا: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا﴾ [المزمل:١٥]، فهذا أمر ليس بجديد ولا محدث، ولستم ببدعٍ ممن سبق، بل جرت على هذا سنة الله أن يبعث إلى الناس من يدعوهم ويبصرهم بما يجب عليهم، وإنما نظَّر بفرعون لمشابهة مشركي مكة كفر فرعون؛ فإن فرعون كان كفره من جهتين: من جهة عبادة غير الله، ومن جهة الإباء والاستكبار، وكذلك الذين بُعث فيهم النبي ﷺ من مشركي مكة؛ فإنهم كانوا يعبدون غير الله، وكانوا يأنفون ويستكبرون عن اتباع النبي ﷺ، حتى قال الله عنهم: ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف:٣١]، وذلك احتقارًا للنبي ﷺ؛ إذ لم يكن من أعلى أشرافهم فيما زعموا، ثمّ قال تعالى: ﴿فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا﴾ [المزمل:١٦] أي: أخذًا شديدًا ثقيلًا وهذا فيه التهديد لهم، وأنهم لن يتركوا هملًا، ولو كانوا متروكين هملًا لما أرسل إليهم رسولًا، ولما هددهم بهذا التهديد، وهو تهديد لكل من خالف الرسل فيما جاءوا به.
1 / 15