أما الاستدلال بالأمر العدمي، فإما أن يكون عدمه طبيعيًا أو لا يكون كذلك. والأول كما يستدل بعدم نبات الشعر في باطن الكف على أن فائدة ذلك أن يكون إحساس الكف قويًا، لأن الشعر لا بد وأن يحول بين الحس والمحسوس فيضعف إدراكه له، وكما يستدل بعدم اللحمي المائي لموضع الأخمص على فائدة ذلك، أن تكون للقدم إحاطة بالموطئ، فيكون المشي على المحدبات متأنيًا.
والثاني: كما يستدل على فائدة العرق الآتي من الطحال إلى فم المعدة هي أن السوداء تنصب منه إلى هناك منبهة على شهوة الطعام بأن ذلك الانصباب إذا فقد بطلت الشهوة.
وأما الاستدلال بالأمر الوجودي. فإما أن يكون ذلك الأمر جوهرًا أو عرضًا أو مجتمعًا منهما. وكل واحدة من هذه إما أن تكون عضويًا أو لا يكون كذلك.
فهذه ستة أقسام: الأول: أن يكون المستدل به جوهرًا عضويًا. وذلك كما يستدل بخلقة الكلى لحمية على أن ذلك ليشتد جذبها للمائية، لأن الجوهر اللحمي أشد سخونة من غيره. والجذب يشتد بالحرارة.
الثاني: أن يكون جوهرًا غير عضوي، وذلك كما يستدل بالرطوبات اللزجة التي على السطح الداخل من الأمعاء على ن فائدتها أن يكون جرم الأمعاء قويًا على ملاقاة الثفل.
الثالث: أن يكون عرضًا عضويًا، أي قائمًا بعضو وأقسامه تسعة أحدها: كميات الأعضاء، أما الكمية المتصلة، وهي المقدار، فكما يستدل بكبر عظم الفخذ على أن فائدة ذلك أن يكون قويًا على حمل ما فوقه ونقل ما تحته.
وأما المنفصلة: أعني العدد. فكما يستدل بكثرة عدد الأصابع والأنامل وعظام المشط والرسغ، على أن فائدة ذلك أن يكون الاشتمال على المقبوض جيدًا.
وثانيها: كيفيات الأعضاء، أما الكيفيات الملموسة، فكما يستدل بشدة حرارة القلب على أن منافعه إحالة الدم إلى الجوهر الروحي، وببرودة الدماغ على أن فائدته تعديل الروح الآتي إليه من القلب حتى يصلح لأن يصدر عنها أفعال الحس والحركة الإرادية.
وأما الألوان، فكما يستدل بلون طبقة العنبية على أن فائدتها جمع الروح الذي في العين وتقويته.
وأما الصلابة واللي، فكما يستدل بشدة صلابة العظم الوتدي على أن فائدته أن يكون حشوًا بين الفرج التي للأعضاء ووطأً للبدن.
وأما الأشكال فكما يستدل باستدارة الرأس على أن فائدة ذلك أن يقل قبوله للآفات، وأن يكون تجويفه أوسع. وتفرطح مؤخرة المعدة، على أن فائدة ذلك تبعيدها عن الصلب لئلا يتضرر بملاقاته.
وثالثها: إضافات الأعضاء كما يستدل بمجاورة الثرب والكبد للمعدة على أنهما نافعان في إسخانها ليكون هضمها أتم.
ورابعها: وضع الأعضاء كما يستدل بميل رأس القلب إلى الجانب الأيسر على أن ذلك ليكون الجانبان متعادلين فن الجانب الأيمن يشتد تسخنه بحرارة الكبد.
وخامسها: كون العضو في مكان ما، كما يستدل بخلقه الحجاب بين آلات الغذاء، وآلات التنفس على أن ذلك ليمنع نفوذ قذارات هضم الغذاء في المعدة إلى القلب ونواحيه. وبخلقة الأضلاع في الصدر على أن ذلك ليكون وقاية للقلب من كل جانب.
وسادسها: كون العضو في زمان، كما يستدل بنبات النواجذ في وسط سن النمو على أن فائدة ذلك الاستظهار في تكثير آلات الغذاء.
وسابعها: كون العضو في محيط يلزمه. كما يستدل بكون الكبد والطحال في غشاء على أن فائدة ذلك إفادتهما حسًا بالعرض.
وثامنها: كون العضو مؤثرًا. كما يستدل بتصغير الأسنان للمأكولات على أن فائدتها إعانة المعدة على فعلها، وهو هضم الغذاء.
وتاسعها: كون العضو منفعلًا كما يستدل بتأثير الأمعاء عن لذع المرار على أن فائدة ذلك تنبيه القوة الدافعة على دفع الثفل.
الرابع: أن يكون المستدل به عرضًا غير عضوي. كما يستدل بلون الرطوبة الزجاجية على أن فائدتها أن تكون غذاء الجليدية. لدلالة لونها على أنها استحال إلى مشابهة الجليدية بعض الاستحالة.
الخامس: أن يكون المستدل به مركبًا من جوهر وعرض، وهو عضو وذلك كما يستدل بالشحم الكثير الذي على القلب أن فائدته ترطيب القلب بالدهنية فلا تجف لقوة حرارته مع دوام حركته.
السادس: أن يكون المستدل به مركبًا من جوهر وعرض، وهو غير عضوي، وذلك كما يستدل بالروح المحوى في باطن العينين على أن فائدته تأدية ما يصل إلى العينين من أشباح المرئيات إلى أمام القوة الباصرة.
والله ولي التوفيق
1 / 4