التنصيص، بخلاف المضارع فإنه لا يفي ببيان ما قصد به على سبيل التنصيص إلا بقرينة، فكان أضعف منهما فأخر. وأيضا فإن كل حادث مسبوق بأراد، ثم بكُنْ، ثم يعبر عنه بيكون لقوله تعالى "إنما أمرُه إذا أراد شيئا أن يقولَ له كن فيكونُ"، فاستحق الماضي لشبهه بأراد التقدم، والأمر لشبهه بكُنْ التوسط، والمضارع لشبهه بيكون التأخر.
ص: فيُمَيِّزُ الماضي التاءُ المذكورة، والأمرَ معناه ونون التوكيد، والمضارعَ افتتاحُه بهمزة المتكلم مجردًا، وبنون له معظّما أو مُشارَكا، وبتاء المخاطب مطلقا وللغائبة والغائبتين، وبياء المذكر الغائب مطلقا والغائبات
ش: التاء المذكورة هي تاء التأنيث الساكنة، وقد تقدم الإعلام بأنها علامة تميز الفعل الموضوع للمضي متصرفا كان كضرب، أو غير متصرف كنعم. ولم تلحق فعل الأمر للاستغناء عنها بياء المخاطبة نحو: افعلي، ولا المضارع للاستغناء عنها بتاء المضارعة نحو: هي تفعل، ولأنها ساكنة والمضارع يسكن للجزم فلو لحقته التقى فيه ساكنان، ولأن لحاقها للاسم أصل إذ مدلولها فيه بخلاف مدلولها إذا لحقت الفعل فإنه في الفاعل، وفتح ما قبلها في الاسم لازم، فوجب ذلك في الفعل المفتوح الآخر وضعا وهو الماضي، وبهذه التاء يتميز ما يدل على حدث ماض وهو فعل كافترق، مما يدل على حدث ماض وهو اسم كشتان.
ولما كانت الدلالة على الأمر تستفاد من فعل كانزل، ومن اسم كنزال، دعت الحاجة إلى ما يميز الفعل ونو نون التوكيد، فأي كلمة دلت على الأمر وصلحت لها فهي فعل، وإلا فهي اسم، فلذلك حكم باسمية نزال ودراك مع مساواتهما لانزل وأدرك في المعنى، وشارك فعل الأمر في لحاق نون التوكيد الفعلُ المضارع، لكن فعل الأمر يؤكد لهما لمجرد كونه على صيغة الأمر، ولا يؤكد بهما المضارع إلا بسبب عارض يسوغ له ذلك كوقوعه جواب قسم، واقترانه بحرف طلبي.
1 / 16