Sharh Talwih
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
Genre-genre
قوله: "فإن قيل" لو قال لله علي أن أعتكف رمضان أو أعتكف هذا الشهر مشيرا إلى رمضان فصامه، ولم يعتكف لزمه قضاء الاعتكاف شهرا متتابعا بصوم مبتدأ، ولا يجوز أن يقضيه في رمضان آخر مكتفيا بصومه خلافا لزفر رحمه الله فلو كان القضاء بالسبب الأول، وهو النذر لجاز ذلك؛ لأن رمضان الآخر مثل الأول في كون الصوم مشروعا فيه مستحقا عليه، وكون الاعتكاف فيه صحيحا، ولما لم يجز علم أنه بسبب جديد هو التفويت، وهو سبب مطلق يوجب الاعتكاف بصوم مقصود مخصوص به بمنزلة ما إذا نذر ابتداء أن يصوم شهرا فظاهر هذا التقرير مشعر بأن المراد بالسبب الجديد أو السبب الأول هو سبب الحكم لا النص الدال على ثبوت الحكم، وإلا لكان المناسب أن يقال: السبب الموجب للأداء هو النص الدال على وجوب الوفاء بالنذر، والسبب الجديد هو قياس المنذور على الصوم، والصلاة بل النص الوارد في وجوب قضائهما، ويمكن أن يقال: كون سبب القضاء هو النذر كناية عن وجوبه بالنص الدال على وجوب المنذور، وكونه هو التفويت كناية عن وجوبه بالقياس على الصوم، والصلاة تعبيرا باللازم عن الملزوم، وفي لفظ أحوط الوجهين، والإشارة ترجع إلى السقوط في قوله فسقط ما ثبت بشرف الوقت من الزيادة.
فالحاصل أن، وجوب القضاء مع سقوط زيادة تثبت بشرف الوقت أحوط من الوجه الآخر، وهو أن يجب القضاء مع وجوب رعاية شرف الوقت كما أن الأداء وجب معه فكأنه يرد عليه أن في سقوط شرف الوقت ترك الاحتياط فنجيب بأن هذا أحوط من وجوب رعاية شرف الوقت، والدليل على الأحوطية ما قال فخر الإسلام رحمه الله تعالى؛ لأن ما ثبت بشرف الوقت إلخ فمعناه أن شرف الوقت أوجب زيادة، وأوجب نقصانا فالزيادة هي أفضلية صوم رمضان على صيام سائر الأيام، والنقصان هو عدم وجوب الصوم المقصود فلما مضى رمضان سقط وجوب رعاية تلك الزيادة لما ذكرنا من إمكان الموت قبل رمضان آخر فينبغي أن يسقط ذلك النقصان المنجبر بتلك الزيادة أيضا، وهو عدم وجوب الصوم المقصود بالطريقة الأولى. ووجه الأولوية أن العبادة مما يحتاط في إثباته فسقوط النقصان أولى من سقوط الزيادة، وأيضا سقوط الزيادة بشرف الوقت إنما يثبت بخوف الموت، وسقوط النقصان، وهو عبارة عن وجوب صوم مقصود يثبت بخوف الموت، والنذر بالاعتكاف أيضا فإذا سقطت الزيادة المذكورة سقط النقصان المذكور أيضا بالطريق الأولى. وسقوط النقصان عبارة عن وجوب صوم مقصود فعلم أن سقوط شرف الوقت يوجب وجوب صوم مقصود، ولا شك أن وجوب القضاء مع فضيلة الصوم المقصود أحوط من وجوب القضاء مع فضيلة شرف الوقت إذ فضيلة شرف الوقت فضيلة يغلب فوتها بخلاف فضيلة الصوم
...................................................................... ..........................
فخر الإسلام رحمه الله تعالى إشارة خفية إلى هذا المعنى. أو يقال: هذا تمثيل لإيجاب الشارع الفعل على المكلف بإيجاب المكلف إياه على نفسه، والمسألة تدل على أن وجوب القضاء فيما أوجبه المكلف على نفسه يكون بموجب جديد لا بالموجب الأول فكذا في إيجاب الشارع، وتقرير الجواب ظاهر من الكتاب، وعبارة فخر الإسلام رحمه الله تعالى: إن الاعتكاف الواجب بالنذر مطلقا يقتضي صوما، وللاعتكاف أثر في إيجابه، وإنما جاء هذا النقصان في مسألة شهر رمضان بعارض شرف الوقت، وما ثبت بشرف الوقت فقد فات بحيث لا يتمكن من اكتساب مثله إلا بالحياة إلى رمضان آخر، وهو وقت مديد يستوي فيه الحياة، والممات فلم تثبت القدرة فسقط ما ثبت بشرف الوقت من الزيادة فبقي مضمونا بإطلاقه، وكان هذا أحوط الوجهين؛ لأن ما ثبت بشرف الوقت من الزيادة لما احتمل السقوط، فالنقصان، والرخصة الواقعة بالشرف لأن يحتمل السقوط، والعود إلى الاعتكاف أولى فإذا عاد لم يتأد في رمضان الثاني فقوله يقتضي صوما مبني على اشتراط الصوم في الاعتكاف الواجب لقوله عليه السلام: "لا اعتكاف إلا بالصوم" 1، وإيجاب الشيء إيجاب لتوابعه، وشرائطه التي لا يتوسل إليه إلا بها، ويكون مما يلتزم بالنذر بخلاف الوضوء في الصلاة فإنه مما يلتزم بالنذر حتى لو نذر صلاة، وهو متوضئ جاز أداؤها به، ولم يحتج إلى وضوء لأجلها.
Halaman 307