آلائه التي من جملتها التوفيق لتأليف هذا الكتاب الثاني أن نعمة الله تعالى على كثرتها ترجع إلى إيجاد وإبقاء أولا وإيجاد وإبقاء ثانيا فيحمده على القسمين تأسيا بالسور المفتتحة بالتحميد حيث أشير في الفاتحة إلى الجميع وفي الأنعام إلى الإيجاد وفي الكهف إلى الإبقاء أولا وفي السبأ إلى الإيجاد وفي الملائكة إلى الإبقاء. ثانيا الثالث الملاحظة لقوله تعالى: {له الحمد في الأولى والآخرة} [القصص:70] وفي حلبة الصلوات مجليا ومصليا. وبعد: فإن العبد المتوسل إلى الله تعالى بأقوى الذريعة
...................................................................... ..........................
على معنى أنه يستحق الحمد في الدنيا على ما يعرف بالحجة من كماله ويصل إلى العباد من نواله وفي الآخرة على ما يشاهد من كبريائه ويعاين من نعمائه التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس:10] فإن قلت فقد وقع التعرض للحمد على الكبرياء والآلاء في داري الفناء والبقاء فما معنى قوله ولعنان الثناء ثانيا أي: صارفا عطفا على "حامدا" قلت: معناه قصد تعظيمه ونية التقرب إليه في كل ما يصلح لذلك من الأقوال والأفعال وصرف الأموال إشارة إلى أنواع العبادات فإن نعم الله تعالى تستوجب الشكر بالقلب واللسان والجوارح والحمد لا يكون إلا باللسان، وفيه إشارة إلى أن الأخذ في العلوم الإسلامية ينبغي أن يعرض عن جانب الخلق ويصرف أعنة الثناء من جميع الجهات إلى جناب الحق تعالى وتقدس عالما بأنه المستحق للثناء وحده، فإن قلت: من شرط الحال المقارنة للعامل والأحوال المذكورة أعني حامدا وغيره لا تقارن الابتداء بالتسمية قلت: ليس الباء صلة ل "أبتدئ" بل الظرف حال والمعنى متبركا بسم الله أبتدئ الكتاب، والابتداء أمر عرفي يعتبر ممتدا من حين الأخذ في التصنيف إلى الشرع في البحث ويقارنه التبرك بالتسمية والحمد والصلاة، فإن قلت: فعلى الوجه الثالث يكون حامدا ثانيا بمعنى ناويا للحمد وعازما عليه ليكون مقارنا للعامل وحينئذ يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز قلت: يجعل من قبيل المحذوف أي وحامدا ثانيا بمعنى عازما عليه فلا يلزم الجمع.
قوله: "وعلى أفضل رسله مصليا" لما كان أجل النعم الواصلة إلى العبد هو دين الإسلام، وبه التوصل إلى النعم الدائمة في دار السلام، وذلك بتوسط النبي عليه الصلاة والسلام صار الدعاء له تلو الثناء على الله تعالى فأردف الحمد بالصلاة، وفي ترك التصريح باسم النبي عليه السلام على ما في النسخة المقررة تنويه بشأنه وتنبيه على أن كونه أفضل الرسل عليه السلام أمر جلي لا يخفى على أحد. والحلبة بالسكون خيل تجمع للسباق من كل أوب استعيرت للمضمار. والمجلي هو السابق من أفراس السباق والمصلي هو الذي يتلوه؛ لأن رأسه عند صلويه، ومعنى ذلك تكثير الصلاة وتكريرها أو أشار بالمجلي إلى الصلاة على النبي وبالمصلي إلى الصلاة على الآل؛ لأنها إنما تكون ضمنا وتبعا، ثم لا يخفى حسن ما في قرائن الحمد والصلاة من التجنيس وما في القرينة الثانية من الاستعارة بالكناية والتخييل والترشيح وما في الرابعة من التمثيل، وإن تقديم المعمولات في القرائن الثلاث الأخيرة لرعاية السجع والاهتمام، إذ الحصر لا يناسب المقام، وإن انتصاب أولا وثانيا على الظرفية. وأما التنوين في أولا مع أنه أفعل التفضيل بدليل الأولى والأوائل كالفضل والأفاضل فلأنه هاهنا ظرف بمعنى قبل، وهو حينئذ منصرف لا وصفية له أصلا، وهذا معنى ما قال في الصحاح إذا جعلته صفة لم تصرفه تقول لقيته عاما أول وإذا لم تجعله صفة صرفته تقول لقيته عاما أولا ومعناه في الأول أول من هذا العام، وفي الثاني قبل هذا العام.
قوله: "سعد جده" فيه إيهام، إذ الجد البخت وأب الأب.
Halaman 7