Sharh Talwih
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
Genre-genre
قوله: "قالوا، وكنايات الطلاق" مثل: أنت بائن أنت بائنة أو بتلة، أنت حرام يطلق عليها لفظ الكناية بطريق المجاز دون الحقيقة؛ لأن حقيقة الكناية ما استتر المراد به، وهذه الألفاظ معانيها غير مستترة بل ظاهرة على كل واحد من أهل اللسان لكنها شابهت الكناية من جهة الإبهام فيما يتصل به هذه الألفاظ، وتعمل فيه مثل البائن المعلوم المراد إلا أن محل البينونة هي الوصلة، وهي متنوعة أنواعا مختلفة كوصلة النكاح وغيره فاستتر المراد في نفسه بل باعتبار إبهام المحل الذي يظهر أثر البينونة فيه فاستعيرت لها لفظة الكناية واحتاجت إلى النية ليزول إبهام المحل، وتتعين البينونة عن وصلة النكاح، ويقع الطلاق البائن بموجب الكلام نفسه من غير أن يجعل أنت بائن كناية عن أنت طالق حتى يلزم كون الواقع به رجعيا، ولا يخفى أن فيه ضرب تكلف إذ لقائل أن يقول: إن أريد أن مفهوماتها اللغوية ظاهرة غير مستترة فهذا لا ينافي الكناية، واستتار مراد المتكلم بها ظاهر كما في جميع الكنايات، وإن أريد أن ما أراد المتكلم بها ظاهر لا استتار فيه فممنوع كيف ولا يمكن التوصل إليه إلا ببيان من جهة المتكلم؟ وهم مصرحون بأنها من جهة المحل مبهمة مستترة، ولم يفسروا الكناية إلا بما استتر منه المراد سواء كان ذلك باعتبار المحل أو غيره، ولم يشترطوا إرادة اللازم ثم الانتقال منه إلى الملزوم بدليل أنهم جعلوا الحقيقة المهجورة والمجاز فيراد بالبائن معناه ثم ينتقل منه بنيته إلى الطلاق فتطلق على صفة البينونة لا أنه أريد به الطلاق إلا في اعتدى لأنه يحتمل ما يعد من الأقراء فإذا نواه اقتضى الطلاق إن كان بعد الدخول، وإن كان قبله يثبت بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب، ويرد عليه أن المسبب إنما يطلق على السبب إذا كان المسبب مقصودا منه، وهاهنا ليس كذلك، وكذا استبرئي رحمك بعين هذا الدليل وكذا أنت واحدة.
"وبتفسير علماء البيان لا يحتاجون إلى هذا التكلف؛ لأنها عندهم أن يذكر لفظ ويقصد بمعناه معنى ثان ملزوم له، فيراد بالبائن معناه ثم ينتقل منه بنيته إلى الطلاق فتطلق على صفة البينونة لا أنه أريد به الطلاق" يتصل هذا بقوله فيراد بالبائن معناه. "إلا في اعتدي" فإنه يقع به الرجعي، وهو استثناء من قوله فتطلق على صفة البينونة "لأنه يحتمل ما يعد من الأقراء فإذا
...................................................................... ..........................
الغير المتعارف كناية لمجرد استتار المراد فلهذا قال المصنف رحمه الله تعالى إنهم لو فسروا الكناية كما فسرها به علماء البيان لما احتاجوا إلى هذا التكلف.
وتقريره أن الكناية عند علماء البيان أن يذكر لفظ ويراد معناه لكن لا لذاته بل لينتقل منه إلى معنى ثان هو ملزوم للمعنى الأول كما يراد بطول النجاد معناه الحقيقي لينتقل منه إلى ما يلزمه من طول القامة فيراد بالبائن معناه الحقيقي، ثم ينتقل منه بواسطة نية المتكلم إلى ملزومه الذي هو الطلاق فتطلق المرأة على صفة البينونة، ولا يكون أنت بائن بمنزلة أنت طالق على ما هو شأن المجاز ليلزم كونه رجعيا، وهذا مبني على أن المراد في الكناية هو اللازم بالعرض والملزوم بالذات على ما سبق تحقيقه، وأما على قول من يكتفي في الكناية بمجرد جواز إرادة المعنى الحقيقي فلا يتأتى ذلك لا يقال: اللازم من حيث إنه لازم يجوز أن يكون أعم فلا ينتقل منه إلى الملزوم ما لم يصر مختصا به حتى يكون الانتقال من الملزوم إلى اللازم، والبائن ليس بلازم للطلاق لجواز أن يكون الطلاق رجعيا، ولا ملزوم له لأن البينونة قد تكون من غير وصلة النكاح؛ لأنا نقول: المراد باللازم هاهنا ما هو بمنزلة تابع الشيء ورديفه، وقد يحصل الانتقال عنه بواسطة قرينة من عرف أو دلالة حال أو نحو ذلك، وهاهنا بحث، وهو أنه لو سلم إرادة الموضوع له في الكناية فلا خفاء في أنه لا يكون مقصودا، ولا يرجع إليه الصدق والكذب، ولا يلزم ثبوته في الواقع حتى إن قولنا: طويل النجاد كناية عن طول القامة أو كثير الرماد كناية عن كونه مضيافا لا يوجب ثبوت طول النجاد له أو كثرة الرماد فمن أين يلزم الطلاق بصفة البينونة، ولهذا جعل صاحب الكشف تفسير علماء البيان دليلا على أن هذه الألفاظ ليست بكنايات إذ ليس فيها انتقال من لازم إلى ملزوم بل لم ينتقل من معانيها إلى شيء آخر فإن المراد بها البينونة والحرمة والقطع لكن على وجه مخصوص وفي محل خاص فيه الاستتار.
Halaman 230