179

Sharh Talwih

شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه

Genre-genre

قوله: "فلهذا لا يجب الترتيب في الوضوء" يحتمل أن يكون لسلب التعليل أي لا يجب الترتيب في غسل أعضاء الوضوء بناء على تعاطفها بالواو، ولما بينا من أنها لا توجب الترتيب، وأن يكون لتعليل السلب أي لما ثبت أن الواو لمطلق العطف من غير ترتيب لا يجب الترتيب في الوضوء لئلا يلزم الزيادة على الكتاب من غير دليل لا يقال قوله: {فاغسلوا وجوهكم} دليل عليه لأن الفاء للوصل والتعقيب فيجب أن يكون غسل الوجه عقيب إرادة القيام إلى الصلاة مقدما على غسل سائر الأعضاء، وحينئذ يجب الترتيب لعدم القائل بالفصل، وهو أنه يجب تقديم غسل الوجه من غير ترتيب في البواقي، لأنا نقول المذكور بعد الفاء هو غسل الأعضاء فلا يقتضي إلا كونه عقيب القيام إلى الصلاة، وذلك حاصل على تقدير عدم رعاية الترتيب فيما بينها لا يقال لكل عضو غسل على حدة فيجب أن يقدر فاغسلوا وجوهكم، واغسلوا أيديكم، وحينئذ يلزم أن يعقب القيام إلى الصلاة بغسل الوجه خاصة لأنا نقول تعدد الأفعال بحسب المحال لا يوجب أن يقدر في الكلام أفعال متعددة بدليل قولنا غسلت الأعضاء، وضربت القوم، وبدليل إجماعهم على أن قوله: {وأيديكم} من عطف المفرد دون الجملة، ولهذا لو قال للعبد إذا دخلت السوق فاشتر لحما وخبزا لا يفهم منه تقديم اشتراء اللحم، ولا يعد بتقديم الخبز عاصيا، لا يقال فيلزم تقديم الغسل على المسح عملا بموجب الفاء ويجب الترتيب في الكل لعدم القائل بالفصل لأنا نقول الوظيفة في الرأس الغسل والمسح رخصة إسقاط فكأنه هو هو فلا يلزم عقيب إرادة القيام إلى الصلاة إلا الغسل على أنه معارض بأنه لا يجب الترتيب في غسل الأعضاء لما ذكرنا فلا يجب فيما بين الغسل والمسح لعدم القائل بالفصل، ولا يخفى ضعف هذين الوجهين، والجواب القاطع لأصل السؤال منع دلالة الفاء الجزائية على لزوم تعقيب مضمون الجزاء لمضمون الشرط من غير تراخ على وجوب تقديم ما بعدها على ما عطف عليه بالواو للقطع بأنه لا دلالة في قوله تعالى: {إذا نودي الثلاث كذا هنا وإن قدم الأجزية يقع الثلاث لأنه إذا قال إن دخلت الدار تعلق به الأجزية المتوقفة دفعة فإن قيل إذا تزوج أمتين بغير إذن مولاهما ثم أعتقهما المولى معا صح نكاحهما وبكلامين منفصلين أو بحرف العطف بطل نكاح الثانية فجعلتموه

وأما في السعي بين الصفا والمروة فوجب الترتيب بقوله عليه السلام: "ابدءوا بما بدأ الله تعالى" لا بالقرآن فإن كونهما من الشعائر لا يحتمله" أي الترتيب وقوله عليه السلام: "ابدءوا بما بدأ الله تعالى" لا يدل على أن بداءته تعالى موجبة لبداءتكم لكن تقديمه في القرآن لا يخلو عن مصلحة كالتعظيم أو الأهمية أو غيرهما ولا شك أن هذا يقتضي الأولوية لا الوجوب وإنما الوجوب في الحقيقة بما لاح له عليه السلام من وحي غير متلو وبالنسبة إلى علمنا بقوله: "ابدءوا" وزعم البعض أنه للترتيب عند أبي حنيفة رحمه الله وللمقارنة عندهما استدلالا بوقوع الواحدة عنده والثلاث عندهما في إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق لغير المدخول بها وهذا" أي زعم ذلك البعض "باطل بل الخلاف راجع إلى أن عنده

...................................................................... ..........................

للصلاة} الآية على أنه يجب السعي عقيب النداء بلا تراخ، وأنه لا يجوز تقديم ترك البيع على السعي.

قوله: "وأما في السعي" استدل على كون الواو للترتيب بقوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة:158]، وقال الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأيهما نبدأ فقال صلى الله عليه وسلم: "ابدءوا بما بدأ الله تعالى به" فهم النبي صلى الله عليه وسلم منه الترتيب فأمرهم به، والجواب إنا لا نسلم ثبوت وجوب الترتيب بالآية وفهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك منها بل ثبت ذلك لنا بالحديث المذكور، وللنبي صلى الله عليه وسلم بما لاح له من وحي غير متلو، وذلك لأن الحكم في الآية هو كونهما من شعائر الله، وهذا لا يحتمل الترتيب إذ لا معنى لتقدم أحدهما على الآخر في ذلك. فإن قلت من أين ثبت أصل وجوب السعي؟ قلت من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "اسعوا فإن الله تعالى كتب عليكم السعي"، وقد يقال إن قوله تعالى: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة:158] في معنى فعليه أن يطوف بهما إلا أنه ذكر بطريق نفي الجناح لأن الناس كانوا يتحرجون عن الطواف بهما لما كان عليهما في الجاهلية من صنمين كانوا يعبدونهما.

Halaman 183