Sharh Talwih
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
Genre-genre
قوله: "ويجب أن يعلم أن الجواب الذي أوردته في المتن إنما هو على تقدير تسليم زعم علماء البيان" قد تقرر في علم البيان نحو رأيت أسدا يرمي من باب الاستعارة بخلاف زيد أسد فإن المحققين على أنه تشبيه بليغ لا استعارة، وأن نحو الحال ناطقة بكذا من باب الاستعارة بالاتفاق ففهم المصنف من ذلك أن الاستعارة لا تجري في خبر المبتدأ إلا إذا كان مشتقا، وبين الفرق بين نحو زيد أسد، ونحو رأيت أسدا يرمي بأن الأول يشتمل على دعوى أمر مستحيل قصدا إذ التصديق والتكذيب إنما يتوجهان إلى الخبر الذي قصد المتكلم إثباته أو نفيه لأن التصديق هو الحكم بمطابقة الخبر للواقع والتكذيب بخلافه فيتصف الخبر بكونه محالا أو مستقيما فيفتقر نحو زيد أسد إلى تقدير أداة التشبيه ليخرج عن الاستحالة إلى الاستقامة بخلاف نحو رأيت أسدا يرمي فإنه، وإن اشتمل على إثبات الأسدية لزيد لكنه لم يقع قصدا بل القصد إنما هو إلى إثبات الرؤية فلا يفتقر إلى تقدير أداة التشبيه للتصحيح بين الفرق وبين ما إذا كان الخبر جامدا وبين ما إذا كان مشتقا بأن الأول يشتمل على قلب الحقائق، وهو جعل حقيقة الإنسان حقيقة الأسد بخلاف الثاني فإنه لا يشتمل إلا على إثبات وصف للحقيقة التي ليس بثابت لها ثم اعترض بأن الفرق الأول ضعيف لأن الكلام المشتمل على المحال باطل سواء قصد أو لم يقصد فلا بد من التأويل، ولأن الاستعارة ربما تشتمل على دعوى أمر مستحيل قصدا مثل رمى أسد، وتكلم بدر، ولأن المحال ربما يجوز ادعاؤه لأغراض واعتبارات لطيفة مع نصب القرينة المانعة على عدم إرادة ثبوته في الواقع، وبأن الفرق بين الجامد والمشتق أضعف من الفرق الأول لأنه ربما يفرق بين ما يثبت ضمنا وبين ما يثبت قصدا لكن إثبات المحال باطل قطعا من غير فرق بين الجامد والمشتق، وما ذكر من لزوم قلب الحقائق في الأول دون الثاني في غاية الضعف لظهور أن استحالة نطق الحال ليست أدنى من استحالة أسدية الإنسان سواء سمى قلب الحقائق أو لم يسم على أن انقلاب الحقائق معناه عند وهو في كلام الله تعالى كثير كقوله تعالى: {يريد أن ينقض فأقامه} [الكهف:77] وقوله تعالى: {لما طغا الماء} [الحاقة:11] والله متعال عن العجز والضرورات نظيره قوله عليه السلام: "لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين" وقد أريد به الطعام إجماعا فلا يشمل غيره عنده" ذكر الصاع وأراد به ما فيه من الطعام بطريق إطلاق اسم المحل على الحال.
...................................................................... ..........................
المحققين انقلاب واحد من الواجب والممكن والممتنع إلى الآخر ولا شك أن نطق الحال ممتنع فإثباته يكون جعل الممتنع ممكنا هذا تقرير كلام المصنف، وأنا أطلعك على حقيقة الحال بأن أحكي لك كلام علماء البيان في هذا المقام.
اعلم أن الاستعارة عندهم إنما تطلق حيث يستعمل المشبه به في المشبه به، ويجعل الكلام خلوا عن المشبه صالحا لأن يراد به المشبه به لولا القرينة حتى لو كان المشبه مذكورا لفظا كما في زيد أسد، ولقيني منه أسد، ولقيت به أسدا. أو تقديرا مثل أسد في مقام الإخبار عن زيد لم يسم استعارة، ولا اعتبار بكونه خبر مبتدأ أو غير ذلك حتى ذهبوا إلى أن قوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة:187] بواسطة قوله من الفجر خرج من باب الاستعارة إلى باب التشبيه ففي مثل "زيد أسد" يجب أن يحمل على حذف أداة التشبيه لامتناع حمل الأسد على زيد، وأما نحو قولهم الحال ناطقة، ونطقت الحال بكذا فاستعارة قطعا لأن المشبه متروك بالكلية، وهو الدلالة التي شبهت بنطق الناطق فلا تعلق له بمثل "زيد أسد" ثم لا يخفى أن هذا ابني من قبيل زيد أسد لا من قبيل الحال ناطقة لأنه لا حاجة إلى تأويل الابن بالمشتق، ولأن مبناه على تشبيه العبد بالابن في ثبوت العتق له لا على تشبيه العتق بالبنوة لتكون استعارة تبعية إلا أن علماء الأصول يسمون مثله مجازا كما هو مصطلح بعض أهل البيان، ونحن نقول هو استعارة بتفسير الجمهور أيضا لكونه مستعملا في المشبه المتروك، وهو الرجل الشجاع لا في معناه الحقيقي ليفتقر إلى تقدير أداة التشبيه بدليل قولهم زيد أسد على أي مجترئ صائل، والطير أغربة عليه أي باكية، ونحن قد لخصنا ذلك في شرح التلخيص فهذا ابني معناه هو معتق من حين ملكته كالابن فترك المشبه، وأطلق عليه اسم المشبه به
Halaman 160