163

شرح سنن أبي داود للعباد

شرح سنن أبي داود للعباد

Genre-genre

شرح حديث: (ومن أتى الغائط فليستتر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاستتار في الخلاء.
حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس عن ثور عن الحصين الحبراني عن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أكل فما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره؛ فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج).
قال أبو داود: رواه أبو عاصم عن ثور قال: حصين الحميري، ورواه عبد الملك بن الصباح عن ثور فقال: أبو سعيد الخير.
قال أبو داود: أبو سعيد الخير هو من أصحاب النبي ﷺ].
أورد أبو داود ﵀ هذه الترجمة (باب الاستتار في الخلاء)، يعني: أنه إذا ذهب الإنسان يقضي حاجته في فضاء وفي خلاء فإنه يبحث عن شيء يستتر به يجعله أمامه؛ بحيث إنه لو مر أحد فإنه لا يرى عورته، فالاستتار مطلوب، والنبي ﷺ بال في أصل جدار، يعني: جعله سترًا له، وكذلك جاء في حديث ابن عمر: (أنه أناخ راحلته واستقبلها وجعلها أمامه)، يعني: جعلها سترًا له، فالاستتار مطلوب عند قضاء الحاجة.
فإذا لم يكن في الأماكن المخصصة كالتي في البيوت وغيرها وإنما كان في العراء أو في الخلاء أو في الأماكن البارزة التي يمكن أن يرى الناس فيها الإنسان إذا قضى حاجته فإنه يستتر بأن يجعل أمامه شيئًا إما حجرة أو شجرة لا يستظل بها؛ لأنه ورد النهي عن التخلي في ظل الناس، وأن ذلك لا يجوز، لكن يجوز تحت الشجرة الصغيرة التي يجعلها الإنسان سترة له أو فيها ظل لا يحتاج الناس إليه؛ لأنه ظل ليس بواسع وإنما هو قليل، فمثل ذلك لا بأس بجعله سترة، والاستتار مطلوب.
وقد أورد فيه أبو داود ﵀ حديثًا لا يصح؛ لأن في إسناده مجهولًا أو مجهولين؛ فهو غير ثابت، ولكن الاستتار ثابت ومطلوب، وفائدته معروفة ومحققة.
والحديث الذي أورده أبو داود في هذه الترجمة هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال: (من اكتحل فليوتر)، أي: فليكتحل وترًا، والوتر هو واحد ثلاثة خمسة، هذا هو الوتر، فهناك أوتار وأشفاع، ولكن ليكن انتهاؤه بوتر أو ختامه بوتر.
قوله: [(من فعل فقد أحسن)]، يعني: من أوتر عند اكتحاله فقد أحسن.
قوله: [(ومن لا فلا حرج عليه)]، يعني: ومن لم يوتر بمعنى أنه جعله شفعًا ولم يجعله وترًا فلا بأس.
قوله: [(ومن استجمر فليوتر)] أي: قطع الخارج أو أثر الخارج بالجمار، وهي: الحجارة، ويقال له: استجمار لأنه مأخوذ من استعمال الحجارة في إزالة آثار الخارج من بول أو غائط، وقيل له: استجمار لأنه فعل للجمار وهي الحجارة.
ولهذا يقال للحصى الذي يرمى به الجمار في منى: جمار، فقوله: (من استجمر) يعني: من استعمل الحجارة في قضاء الحاجة (فليوتر)، يعني: فليكن استجماره وترًا.
وقد سبق أن مر بنا أنه لا يستنجي الإنسان بأقل من ثلاثة أحجار.
قوله: [(ومن أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبلع)]، يعني: إذا خلل أسنانه وأخرج شيئًا من أسنانه فإنه يلفظه، وما كان كان في لسانه فإنه يبلعه.
قوله: [(ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره)].
هذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث للترجمة، فقوله: (فمن أتى الخلاء فليستتر)، يعني: من ذهب إلى قضاء الحاجة في مكان خالٍ وفي مكان في فضاء فليجعل أمامه شيئًا يستره.
قوله: [(فإن لم يجد إلا يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره)].
يعني: فإن لم يجد شيئًا يستره فليجمع كثيبًا من رمل وذلك بأن يلم التراب حتى يبرز أمامه ويقضي حاجته وراءه، ثم قال: (من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه) لكن الاستتار كما هو معلوم قد جاء في غير هذا الحديث كما أشرت إلى ذلك آنفًا.
قوله: [(فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم)] وهذا كما هو معلوم أن الشياطين تحضر في أماكن قضاء الحاجة، ولهذا سبق أن مر أن هذه الحشوش محتضرة، يعني: تحضرها الشياطين، ولأن الحالة التي يكون الإنسان عليها لا يذكر فيها الله ﷿، وهم يأتون إلى الأماكن التي لا ذكر لله ﷿ فيها وإلى الأماكن القذرة.
ولهذا شرع أن يقال عند دخول الخلاء: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).

10 / 12