202

Sharah Mishkat

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)

Penyiasat

د. عبد الحميد هنداوي

Penerbit

مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

Lokasi Penerbit

الرياض

Genre-genre

تقحمون فيها». هذه رواية البخاري، ولمسلم نحوها، وقال في آخرها: قال: «فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار: هلم عن النار، هلم عن النار! فتغلبوني. تقحمون فيها». متفق عليه.
ــ
قوله: «هلم عن النار» قال الخليل: أصله لم، أي لم أنفسكم إلينا بالقرب مناه، و«هاء» للتنبيه، وإنما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعل اسمًا واحدًا يستوي فيه الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث في لغة أهل الحجاز، قال الله تعالى: ﴿والْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إلَيْنَا﴾. وقيل: أصله هل أم، أي هل لك في كذا، أمه – أي قصد؟ فركب [الكلمتان]، فقيل: هلم ومعناه هلم إلى، أعزب عن النار. ومحل «هلم» نصب على الحال من فاعل «آخذ» أي آخذ بحجزكم قائلا هلم.
قوله: «فتغلبوني» النون مشددة منه؛ لأن أصله فتغلبونني، فأدغم أحد النونين في الأخرى، والفاء فيه سببية على التعكيس، كالكلام في قوله: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًا وحَزَنًا﴾ وتقديره: أنا آخذ بحجزكم لأخلصكم عن النار، فعكستم وجعلتم الغلبة مسببة عن الأخذ. وقد ضرب رسول الله ﷺ المثل بوقوع الفراش إلى النار لجهله بما يعقبه التقحم فيها من الاحتراق والهلاك.
أقول: ولتحقير شأنها قال: «وهذه الدواب»، كقوله تعالى: ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾، وقول عائشة ﵂ في حق عبد الله بن عمرو ﵁: «عجبت لابن عمرو هذا». وتخصيص ذكر الدواب والفراش لا يسمى دابة عرفًا لبيان جهلها، كقوله تعالى: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ﴾ كل ذلك تعريض لطالب الدنيا المتهالك فيها، والتأنيث في «هذه» باعتبار الخبر لأنه جمع، ويجوز أن يراد بالفراش الجنس فيؤنث كما في قوله تعالى: ﴿وأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا﴾. وفي جعل رسول الله ﷺ المهلكات نفس النار في قوله: «فأنا آخذ بحجزكم عن النار» وضع للمسبب موضع السبب، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾.
واعلم أن تحقيق هذا التشبيه موقوف على معرفة معنى قوله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وذلك أن حدود الله هي محارمه ونواهيه، كما ورد: «ألا! إن حمى الله محارمه، ورأس المحارم حب الدنيا وزينتها، واستيفاء لذاتها وشهواتها» شبه إظهار تلك الحدود ببياناته الشافيه الكافية من الكتاب والسنة باستيقاد الرجل

2 / 614