Syarh al-Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Penerbit
دار المعارف النعمانية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
1401هـ - 1981م
Lokasi Penerbit
باكستان
Genre-genre
( 2 ) صفة توجب تمييزا في المعاني لا يحتمل النقيض أي صفة تستعقب لخلق الله تعالى لمن قامت به تمييزا في الأمور العقلية كلية كانت أو جزئية فيخرج مثل القدرة والإرادة وهو ظاهر وإدراك الحواس لأن تمييزه في الأعيان ومن جعله علما بالمحسوسات لم يذكر هذا القيد وخرج سائر الإدراكات لأن احتمال النقيض في الظن والشك والوهم ظاهر وفي الجهل المركب أظهر وكذا اعتقاد المقلد لأنه يزول بتشكيك المشكك بل ربما يتعلق بالنقيض جزما وقد يقال إن الجهل المركب ليس بتمييز وكذا التصور الغير المطابق كما إذا ارتسم في النفس من الفرس صورة حيوان ناطق وأما المطابق فداخل لأنه لا نقيض له بناء على أن في أخذ النقيض شائبة الحكم والتركيب ولا يخفى ما فيه ومنهم من قيد المعاني بالكلية ميلا إلى تخصيص العلم بالكليات والمعرفة بالجزئيات فلا يرد ما ذكر في المواقف أن هذه الزيادة مع الغنى عنها محل نظر بطرد التعريف أي جريانه في جميع أفراد المعرف على ما ذكر ابن الحاجب أن اسم الفاعل يورد على طرد تعريف الاسم والفعل المضارع على عكسه قالوا وهذا مصطلح النحاة ثم الظاهر من قولنا تمييزا لا يحتمل النقيض أن يراد نقيض التمييز ولما لم يكن له كثير معنى ذهب بعضهم إلى أن المراد أنه صفة توجب التمييز إيجابا لا يحتمل النقيض وليس بشيء والحق اعتبار ذلك في متعلق التمييز على ما قالوا أن اعتقاد الشيء كذا مع أنه لا يكون إلا كذا علم ومع احتمال أن لا يكون كذا احتمالا مرجوحا ظن فالمعنى أنه صفة توجب للنفس تمييز المعنى عندها بحيث لا يحتمل النقيض في متعلقه ويدل على ذلك تقرير للنفس تمييز المعنى عندها بحيث لا يحتمل النقيض في متعلقه ويدل على ذلك تقرير اعتراضهم بالعلوم العادية مثل العلم بكون الجبل حجرا فإنه يحتمل النقيض بأن لا يكون حجرا بل قد انقلب ذهبا بأن يخلق الله تعالى مكان الحجر الذهب على ما هو رأي المحققين أو بأن يسلب عن أجزاء الحجر الوصف الذي به صارت حجرا ويخلق فيه الوصف الذي به يصير ذهبا على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر في جميع الأجسام والجواب أن المراد بعدم احتمال النقيض في العلم هو عدم تجويز العالم إياه لا حقيقة ولا حكما أما في التصور فلعدم النقيض أو لأنه لا معنى لاحتمال النقيض بدون شائبة الحكم وأما في التصديق فلاستناد جزمه بالحكم إلى موجب بحيث لا يحتمل الزوال أصلا والعاديات كذلك لأن الجزم بها مستند إلى موجب هو العادة وإنما يحتمل النقيض بمعنى أنه لو فرض وقوعه لم يلزمه منه محال لذاته لكونه في نفسه من الممكنات التي يجوز وقوعها أولا وقوعها وذلك كما يحكم ببياض الجسم المشاهد قطعا مع أنه في نفسه ممكن أن يكون وأن لا يكون والحاصل أن معنى احتمال النقيض تجويز الحاكم إياه حقيقة وحالا كما في الظن لعدم الجزم بمتعلقه أو حكما ومآلا كما في اعتقاد المقلد لعدم استناد الجزم به إلى موجب من حس أو عقل أو عادة فيجوز أن يزول بل يحصل اعتقاد النقيض جزما وبهذا يظهر الجواب عن بعض تفسير العلم باعتقاد المقلد سيما المطابق فإنه لا يحتمل النقيض في الواقع ولا عند الحاكم وهو ظاهر ولا عبرة بالإمكان العقلي كما في العاديات قال المبحث الثاني أقول قد اشتهر تقسيم العلم إلى التصور والتصديق واستبعده بعضهم لما بينهما من اللزوم إذ لا تصديق بدون التصور بل ذكروا أنه لا تصور بحسب الحقيقة بدون التصديق بالتحقيق وإنما الكلام في التصور بحسب الاسم فعدلوا إلى التقسيم إلى التصور الساذج أي المشروط بعدم الحكم وإلى التصديق وأجاب آخرون بأن اللزوم بحسب الوجود لا ينافي التقابل بحسب الصدق كما بين الزوج والفرد والحصر في التصور المقيد بعدم الحكم وفي التصديق ليس بتام لخروج تصور الطرفين وبالجملة فكلام القوم صريح في أن التصور المعتبر في التصديق هو التصور المقابل له وهو التصور لا بشرط الحكم أعني الذي لم يعتبر فيه الحكم لا الذي اعتبر فيه عدم الحكم وصرح الإمام والكاتبي بأن هذا هو المراد بالتصور الساذج والتصور فقط وحاصل التقسيم أن العلم إما أن يعتبر فيه الحكم وهو التصديق أولا وهوالتصور ومعناه أن التصديق هو الحكم مع ما يتعلق به من التصورات على ما هو صريح كلام الإمام لا الإدراك المقيد بالحكم على ما سبق إلى الفهم من عبارته حيث يقول أنه الإدراك المقارن للحكم أو الإدراك الذي يلحقه الحكم كيف وأنه يذكر ذلك في معرض الاستدلال على كون التصور جزأ منه ثم أنه كثيرا ما يصرح بأنه عبارة عن نفس الحكم ويجعل الحكم تارة من قبيل الأفعال وتارة ماهية مسماة بالكلام النفسي ليست من جنس الإعتقاد ولا الإرادة والجمهور على أنه نفس الحكم وأنه نوع من العلم متميز عن التصور بحقيقته لا يتعلق إلا بالنسبة بخلاف التصور حيث يتعلق بها وبغيرها ألا ترى أنك إذا شككت في حدوث العالم فقد تصورت العالم والحادث والنسبة بينهما من غير حكم وتصديق ثم إذا أقيم البرهان فقد علمت النسبة نوعا آخر من العلم وهو المسمى بالحكم والتصديق وحقيقته إذعان النفس وقبولها لوقوع النسبة أولا وقوعها ويعبر عنه بالفارسية بكر ويدن على ما صرح به ابن سينا وهذا ما قال في الشفاء التصور في قولك البياض عرض هو أن يحدث في الذهن صورة هذا التأليف وما يؤلف منه كالبياض والعرض والتصديق هو أن يحصل في الذهن نسبة هذه الصورة إلى الأشياء أنفسها أنها مطابقة لها والتكذيب يخالف ذلك وفي هذا الكلام إشارة إلى أن مدلول الخبر والقضية هو الصدق وإنما الكذب احتمال عقلي وليس فيه انحصار التصديق في المطابق كما توهم إذلا يلزم من حصول الشيء كالمطابقة مثلا في النفس تحققه في الواقع قوله والضرورة قاضية يعني أن كلا من التصور والتصديق ينقسم إلى النظري والضروري لأنا نجد في أنفسنا احتياج بعض التصورات والتصديقات إلى النظر كتصور الملك والجن والتصديق بحدوث العالم واستغناء بعضها عنه كتصور الوجود والعدم والتصديق بامتناع اجتماع النقيضين والمراد الاحتياج والاستغناء بالذات حتى يكون الحكم المستغنى في نفسه عن النظر ضروريا وإن كان طرفاه بالكسب على ما تقرر عند الجمهور من أن التصديق الضروري مالا يتوقف بعد تصور الطرفين على نظر وكسب وعبارة المواقف وهو أن البعض ضروري بالوجدان والبعض نظري بالضرورة ربما يوهم أن الثاني ليس بالوجدان لكن المراد ما ذكرنا وفسر القاضي أبو بكر العلم الضروري بما يلزم نفس المخلوق لزوما لا يجد إلى الانفكاك عنه سبيلا وقيد بالمخلوق لأن الضروري والنظري من أقسام العلم الحادث واعترض عليه بأن النفس قد تنفك عن العلم الضروري بأن يزول بعد الحصول لطريان شيء من أضداد العلم كالنوم والغفلة أو بأن لا يحصل أصلا لانتفاء شرط من شرائطه مثل التوجه وتصور الطرفين واستعداد النفس والإحساس والتجربة ونحو ذلك مما يتوقف عليه بعض الضروريات وأجيب بأن المراد أنه لا يقتدر على الانفكاك والانفكاك فيما ذكرتم من الصور ليس بقدرة المخلوق وهذا ما قال في المواقف أن عبارته مشعرة بالقدرة يعني يفهم من قولنا يجد فلان سبيلا إلى كذا أو لا يجد أنه يقتدر عليه أو لا يقتدر والحاصل إن إطلاق الضروري على العلم مأخوذ من الضرورة بمعنى عدم القدرة على الفعل والترك كحركة المرتعش ولذا قد يفسر بما لا يكون تحصيله مقدورا للمخلوق إلا أن قيد الحصول مراد ههنا بقرينة جعل الضروري من أقسام العلم الحادث ومصرح في عبارة القاضي ليخرج العلم بمثل تفاصيل الأعداد والأشكال مما لا قدرة للعبد على تحصيله ولا على الانفكاك عنه فإن قيل يرد على طرد العبارتين العلم الحاصل بالنظر إذ لا قدرة حينئذ على تحصيله ولا على الانفكاك عنه أجيب عنه بأن المعتبر في الضروري نفي القدرة دائما وفي النظري إنما تنتفى القدرة بعد الحصول إذ قبله يقتدر على التحصيل بأن يكتسب وعلى الانفكاك بأن لا يكتسب فإن قيل سلمنا أن مراد القاضي نفي الاقتدار على الانفكاك إلا أن السؤال باق بعد لأن الانفكاك سواء كان مقدورا أو غير مقدور ينافي اللزوم قلنا أراد باللزوم الثبوت أو امتناع الانفكاك بالقدرة على أن يكون آخر الكلام تفسيرا لأوله وفسر النظري بما يتضمنه النظر الصحيح بمعنى أنه لا ينفك عنه بطريق جرى العادة عند حصول الشرائط ولم يقل ما يوجبه لما سيجيء من أن حصول النتيجة عقيب النظر ليس بطريق الوجوب ولم يقل ما يحصل عقيب النظر الصحيح لأن من الضروريات ما هو كذلك كالعلم بما يحدث حينئذ من اللذة أو الألم ولو قال ما يفيده النظر الصحيح وأراد الاستعقاب العادي لكان أظهر والكسبي يقابل الضروري ويرادف النظري فيمن يجعل طريق الاكتساب هو النظر لا غير وأما فيمن يجوز الكسب بمثل التصفية والإلهام ولا يجعله مشتملا على النظر فالكسبي أعم من النظري ولا تلازم بينهما عادة على ما في المواقف إلا أن يجعل مثل التصفية والإلهام من خوارق العادات وقد يقال الكسبي لما يحصل بمباشرة الأسباب اختيارا كصرف العقل أو الحس والضروري لما يقابله ويخص الكسبي النظري باسم الاستدلالي قال واختار الإمام أقول اختار الإمام الرازي أن كل ما يحصل من التصورات فهو ضروري لأن الاكتساب ممتنع من جهة المكتسب أعني المط والكاسب أعني طريق اكتسابه أما الأول فلان المط إما أن يكون معلوما فلا يمكن طلبه واكتسابه لامتناع تحصيل الحاصل أو يكون مجهولا فلا يمكن التوجه إليه ثم اعترض بوجهين أحدهما أنه لم لا يجوز أن يكون معلوما من وجه فيتوجه إليه مجهولا من وجه فيطلب وثانيهما النقض باكتساب التصديق مع جريان الدليل فيه فأجاب عن الأول بأنه إما أن يطلب من وجهه المعلوم وهو محال لامتناع تحصيله أو من وجهه المجهول وهو مح لامتناع التوجه إليه وعن الثاني بأن ما يتعلق به التصديق كالقضية أو النسبة معلوم بحسب التصور فلا يمتنع التوجه إليه ومجهول بحسب التصديق فلا يمتنع طلب حصوله وهذا بخلاف التصور فإن ما يكون مجهولا بحسب التصور يكون مجهولا مطلقا إذ لا علم قبل التصور وحاصله أن متعلق التصديق يجوز أن يتعلق به قبل التصديق علم هو التصور بخلاف متعلق التصور وأجيب بأنا نختار أنه معلوم من وجه ولا تم امتناع التوجه حينئذ إلى وجهه المجهول وإنما يمتنع لو لم يكن الوجه المعلوم من وجوهه واعتباراته بحيث يخرجه عن كونه مجهولا مطلقا وذلك كما إذا علمنا أن لنا شيئا به الحيوة والإدراكات فنطلبه بحقيقته أو بعوارضه المميزة عن جميع ما عداه على ما هو المستفاد من الحد أو الرسم فالمجهول المط لا ينحصر في الحقيقة ولا في العارض وما ذكر في المواقف من أن المجهول هو الذات والمعلوم بعض الاعتبارات تحقيق لما هو الأهم أعني إمكان اكتساب التصور بحسب الحقيقة وتنبيه على أن مجهولية الذات لازمة فيما يطلب تصوره حتى لو علم الشيء بحقيقته وقصد اكتساب بعض العوارض له كان ذلك بالدليل لا التعريف ولو قصد اكتساب العارض نفسه كان هو مجهولا بحقيقته وما ذكر في تلخيص المحصل من أن كلا من الوجه المجهول والمعلوم حاصل لأمر ثالث هو المط إلزام للإمام بما اعترف به من أن المعلوم إجمالا معلوم من وجه مجهول من وجه والوجهان متغايران أحدهما معلوم لا إجمال فيه والآخر ليس بمعلوم البتة لكن لما اجتمعا في شيء ظن أن هناك علما إجماليا وإلا فقد ذكر هو في نقد تنزيل الأفكار أن المط المجهول هو حقيقة الماهية المعلومة من جهة بعض عوارضها وأما الثاني فلأن الكاسب أعني المعرف للماهية يمتنع أن يكون نفسها لامتناع كون الشيء أجلى وأسبق معرفة من نفسه بل يكون إما جميع أجزائها وهو نفسها فيعود المحذور وإما بعضها أو خارجا عنها ويندرج فيه المركب من الداخل والخارج ومن أفرده بالذكر أراد بالداخل والخارج المحض من ذلك ثم البعض إنما يعرف الماهية إذا عرف شيئا من أجزائها إذ لو كانت الأجزاء بأسرها معلومة أو بقيت مجهولة لم يكن المعرف معرفا أي سببا لمعرفة الماهية وموصلا إلى تصورها فالجزء المعرف إن كان نفسه عاد المحذور وإن كان غيره لزم التعريف بالخارج ضرورة كون كل جزء خارجا عن الآخر ولو فرض تداخلها بنقل الكلام إلى تعريفه الجزء المركب منه ومن غيره فيعود المحذور أو التعريف بالخارج وهو أيضا بطلان الخارج إنما يفيد معرفة الماهية إذا علم اختصاصه بها بمعنى ثبوته لها ونفيه عن جميع ما عداها وهذا تصديق يتوقف على تصور الماهية وهو دور وتصور ما عداها من الأمور الغير المتناهية على التفصيل وهو محال وفي عبارة الموقف هنا تسامح حيث قال والبعض أن عرف الماهية عرف نفسه وقد أبطل والخارج وسنبطله لأن الذي سيبطل هو التعريف بالخارج لا للخارج وكأنه على حذف الباء أي عرف بالخارج أو عرف الأمر الذي شأنه أن يكون خارجا عن سائر الأجزاء فيكون البعض المعرف خارجا عنه ويلزم التعريف بالخارج لا للخارج وإنما ادعى لزوم المحالين على ما هو تقرير المحصل بناء على أن معرف الماهية معرف لكل جزء منها ولظهور المنع عليه اقتصرنا على أحدهما كما هو تقرير المطالب العالية ثم لا يخفى أن القدح في بعض مقدمات هذا الاستدلال كاف في دفعه إلا أنهم لما جوزوا التعريف بجميع الأجزاء وبالبعض وبالخارج احتجنا إلى التقصي عن الإشكالات الثلاث أما عن الأول فبان جميع الأجزاء وإن كانت نفس الماهية بالذات لكن إنما يمتنع التعريف بها لو لم تغايرها بالاعتبار وتحقيقه أن الأجزاء قد تتعلق بها تصورات متعددة بأن تلاحظ واحدا واحدا على التفصيل والترتيب فيكون كاسبا أي حدا وقد يتعلق بها تصور واحد بأن يلاحظ المجموع من حيث المجموع فيكون مكتسبا أي محدودا وهذا معنى قولهم في المحدود إجمال وفي الحد تفصيل ولا امتناع في أن يكون تصور المجموع مترتبا على مجموع التصورات ومسببا عنها فإن قيل إذا كان مجموع التصورات مفضيا إلى تصورات المجموع فإن كانت حاصلة كان هو أيضا حاصلا من غير أثر للنظر والاكتساب وإن لم تكن حاصلة لم يصلح معرفا بل تكون مطلوبة وينقل الكلام إلى ما يحصلها وكذا الكلام في التعريف ببعض الأجزاء أو بالخارج بل في اكتساب التصديقات قلنا يجوز أن تكون الأجزاء معلومة منتشرة في سائر المعلومات فيفتقر إلى النظر لاستحضارها مجموعة مترتبة بحيث تفضي إلى تصور الماهية وهذا معنى الاكتساب وحاصله عائد إلى تحصيل الجزء الصوري وعلى هذا فقس وقال في المواقف قدحا في قولهم لمجموع التصورات يحصل تصورالمجموع والحق ان الأجزاء إذا استحضرت مترتبة حتى حصلت فهي الماهية لا أن ثمة حصول مجموع يوجب حصول شيء آخر هو الماهية وهذا كالأجزاء الخارجية إذا حصلت كانت نفس المركب الخارجي لا أمرا يترتب عليه المركب وظاهره غير قادح لأنهم لا يدعون أن مجموع الأجزاء أمر يوجب حصوله حصول أمر آخر هو الماهية بل إنه يجوز أن يكون تصورات الأجزاء أمرا يوجب حصول أمر آخر هو تصور المجموع أعني تصور الماهية فإن أراد نفي ذلك فباطل لا يشهد له ضرورة ولا برهان بل يكذبه الوجدان ولا عبرة بالقياس على الوجود الخارجي لأنه لا حجر في تصرفات العقل فله أن يلاحظ الموجود الواحد تارة جملة وتارة شيئا فشيئا ولم يزد في حل الإشكال على أن قال الحد مجموع الأمور التي كل واحد منها مقدم ولا يجدي نفعا لأن المحدود أيضا كذلك فلا بد في بيان المغايرة والسببية من أن يقال تلك الأمور من حيث الملاحظة تفصيلا حد وإجمالا محدود وهو معنى كلامهم وأما عن الثاني فبإنا لا نسلم أن معرف الماهية يجب أن يعرف شيئا من أجزائها لجواز أن تكون الأجزاء معلومة وتفتقر إلى حضورها مجموعة مترتبة ممتازة عما عداها ويكون ذلك بالمعرف وحاصله أن الماهية وإن كانت نفس الأجزاء بحسب الذات لكن لا يلزم أن يكون العلم بها هو العلم بالأجزاء بمعنى التصورات المتعلقة بها بل لا بد من ملاحظتها مجتمعة متميزة عن الأغيار ويجوز أن تبقى الأجزاء مجهولة ويفيد المعرف تصورالماهية بوجه يمتاز عما عداها من غير إحاطة بحقيقة شيء من الأجزاء ولو سلم فيجوز أن يكون الجزء المعرف نفس المعرف بالذات ويعود التغاير إلى الإجمال والتفصيل كما في تعريف الماهية بأجزائها أو غيره ويصح التعريف بالخارج على ما سيجيء وبما ذكرنا يندفع ما يقال أن جميع أجزاء الماهية نفسها فكيف لا يكون العلم بها علما بها وأن معرف الشيء سبب لمعرفته أي حصوله في الذهن فكيف لا يحصل شيئامن أجزائه وإن علة حصول الشيء لو لم تكن علة لشيء من أجزائه لجاز حصول كل جزء بدونه فجاز حصول الكل بدونه فلم يكن علة ولنعتبر بالهيئة الاجتماعية فإنها علة لحصول المركب وليست علة لحصول شيء من أجزائه وأما عن الثالث فبأنا لا نسلم أن التعريف بالخارج يتوقف على العلم باختصاصه بل على الاختصاص نفسه فإن الذهن ينتقل من تصور الملزوم إلى تصور لازمه الذهني وإن لم يتقدم العلم باللزوم ولو سلم فيكفي في ذلك تصور الشيء بوجه ما وتصور ما عداه إجمالا كما في اختصاص الجسم بهذا الحيز وإن كان مبنيا على امتناع كونه في حيزين واشتغال حيز بمتحيزين وإلى هذا التسليم نظر من قال الوصف الصالح لتعريف الشيء يجب أن يكون لازما بين الثبوت لأفراده بين الانتفاء عن جميع ما عداه وينبغي أن يعلم أنه وإن كان لازما بحسب الصدق لكن لا بد أن يكون ملزوما بحسب التصور وأجاب بعض المحققين عن الأول بمنع كون جميع أجزاء الماهية نفسها بل جزم بأنه باطل تمسكا بأن الأشياء التي كل واحد منها متقدم على الشيء يمتنع أن يكون نفس المتأخر ثم قال ويجوز أن يصير عند الاجتماع ماهية هي المتأخرة فتحصل معرفتها بها كما أن العلم بالجنس والفصل وبالتركيب التقييدي متقدم على العلم بالجنس المقيد بالفصل وهي أجزاؤه وبها يحصل العلم به ورد المنع تارة بدعوى الضرورة وتارة بالاستدلال بأن جميع أجزاء الشيء إن لم تكن نفسه فإما أن تكون خارجة عنه وهو ظاهر البطلان أو داخلة فيه فتركب الشيء منها ومن غيرها فلا تكون هي جميع الأجزاء بل بعضها وأيضا لو كان الشيء غير جميع الأجزاء فتمام حقيقته أما ذلك الغير وحده فلا يكون المفروض أجزاء أو مع الأجزاء فلا يكون جميعا وأما التمسك فضعيف لأن تقدم كل جزء على الشيء لا يستلزم تقدم الكل عليه ليمتنع كونه نفس المتأخر ولو كان هذا لازما لكان الكل متقدما على نفسه ضرورة تقدم كل جزء عليه والذي يلوح من كلامه أنه يريد بجميع أجزاء الشيء جميع الأمور الداخلة فيه من غير اعتبار التأليف والاجتماع وبالمركب تلك الأمور مع الاجتماع على ما قال الكشي أن مجرد جميع أجزاء الشيء ليس نفسه وإنما نفسه تلك الأجزاء مع هيئة مخصوصة اجتماعية وحدانية بها هي هي لكن لا يخفى أن هذا رجع إلى ما ذكره البعض من أن الحد التام تعريف بجميع الأجزاء المادية إذ بحصولها في الذهن يحصل صورة مطابقة لما في الأعيان وقد رده هذا المحقق بأنه كما يعتبر في الحد التام الأجزاء المادية أعني الجنس والفصل يعتبر الجزء الصوري أعني الترتيب لأن التعريف بالجنس والفصل لا على الترتيب لا يكون حدا تاما ثم أصر على أن جميع الأجزاء المادية والصورية ليست نفس المركب لأنها علل وهو معلول لها ومن المعلوم بالبديهة أن محصل الاثنين بتحصيل واحد وبتحصيل واحد آخر وبضم أحدهما إلى الآخر ألا يكون محصلا للإثنين بنفسه بل يكون محصلا له بجميع أجزائه المادية والصورية قال المبحث الثالث أقول لما كانت العلوم النظرية تنتهي إلى الضروريات جعلوا إثباتها والرد على منكريها من مبادىء الكلام ليعلم أن ما يجعل منتهى مقدمات القياس ويدعي كونه ضروريا هل هو منها ولم يشتغلوا بضبط التصورات الضرورية وكأنها ترجع إلى البديهيات والمشاهدات وحصروا التصديقات الضرورية في ست البديهيات والمشاهدات والفطريات والمجريات والمتواترات والحدسيات لأن القضايا إما أن تكون تصور أطرافها بعد شرائط الإدراك من الالتفات وسلامة الآلات كافيا في حكم العقل أولا فإن كان كافيا فهي البديهيات وإن لم يكن كافيا فلا محالة يحتاج إلى أمر ينضم إلى العقل ويعينه على الحكم أو إلى القضية أو إليهما جميعا فالأول المشاهدات لاحتياجها إلى الإحساس والثاني لا يخلو من أن يكون ذلك الأمر لازما وهي الفطريات أو غير لازم وحينئذ إن كان حصوله بسهولة فهي الحدسيات وإلا فليست من الضروريات بل من النظريات والثالث إن كان حصوله بالأخبار فالمتواترات وإلا فالمجريات أما البديهيات وتسمى أوليات فهي قضايا بحكم العقل بها بمجرد تصور طرفيها كالحكم بأن الواحد نصف الاثنين والجسم الواحد لا يكون في آن واحد في مكانين وقد يتوقف فيه العقل لعدم تصور الطرفين كما في قولنا الأشياء المتساوية لشيء واحد متساوية أو لنقصان الغريزة كما في الصبيان والبله أو لتدنيس الفطرة بالعقائد المضادة كما في بعض الجهال أو لأن الله لا يخلقه على ما هو المذهب وأما المشاهدات فهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة الحواس الظاهرة وتسمى حسيات كالحكم بأن الشمس نيرة والنار حارة أو الباطنة وتسمى وجدانيات كالحكم بأن لنا خوفا وغضبا ومنها ما نجده بنفوسنا لا بالآلات البدنية كشعورنا بذواتنا وأحوالها وجميع أحكام الحس جزئية لأنه لا يفيد إلا أن هذه النار حارة وأما الحكم بأن كل نار حارة فحكم عقلي حصل بمعونة الإحساس بجزئيات ذلك الحكم والوقوف على علله وأما الفطريات فقضايا يحكم بها العقل بواسطة لا يعزب عنه عند تصور الطرفين وهو المعنى بأمر لازم منضم إلى القضية ولهذا تسمى قضايا قياساتها معها كالحكم بأن الأربعة زوج لانقسامها بمتساويين وأما المجربات فهي قضايا يحكم بها العقل بانضمام تكرر المشاهدة إليه والقياس الخفي المنتج لليقين إليها وهوان الوقوع المتكرر على نهج واحد لا بدله من سبب وإن لم يعرف ماهيته فكلما علم وجود السبب علم وجود المسبب قطعا وذلك كالحكم بأن السقمونيا مسهل للصفراء وأما المتواترات فهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة كثرة شهادة المخبرين بأمر ممكن مستند إلى المشاهدة كثرة يمتنع تواطؤهم على الكذب فينضم إلى العقل سماع الأخبار وإلى القضية قياس خفي هو أنه لو لم يكن هذا الحكم حقا لما أخبر به هذا الجمع وأما الحدسيات فهي قضايا يحكم بها العقل بحدس قوي من النفس يزول معه الشك ويحصل اليقين بمشاهدة القرائن كالحكم بأن نور القمر مستفاد من الشمس لما نرى من اختلاف تشكلات نوره بحسب اختلاف أوضاعه من الشمس وذلك أنه يضيء دائما جانبه الذي يلي الشمس وينتقل ضوءه إلى مقابلة الشمس فيحدس العقل بأنه لو لم يكن نوره من الشمس لما كان كذلك فهي كالمجربات في تكرر المشاهدة ومقارنة القياس الخفي إلا أن السبب في المجربات معلوم السببية غير معلوم الماهية وفي الحدسيات معلوم بالوجهين إلا أن الوقوف عليه يكون بالحدس دون الفكر وإلا لكان من العلوم الكسبية وستعرف معنى الحدس في بحث النفس قال وقد تنحصر في البديهيات والمشاهدات ذكر في المحصل أن الضروريات هي الوجدانيات وأنها قليلة النفع في العلوم لكونها غير مشتركة والحسيات والبديهيات وتبعه صاحب المواقف إلا أنه ذكر في موضع آخر أن الضروريات هي الست المذكورة والوهميات في المحسوسات كالحكم بأن كل جسم في جهة واعتذر لما في المحصل بوجهين أحدهما أن البديهيات تشمل الفطريات نظرا إلى أن الوسط لما كان لازما لتصور الطرفين فكان العقل لم يفتقر إلا إلى تصورهما والحدسيات تشمل المجربات والمتواترات نظرا إلى استناد حكم العقل فيهما إلى الحس لكن مع التكرر وكذا الحدسيات وثانيهما أن كون المجربات والمتواترات والحدسيات من قبيل الضروريات موضع بحث على ما فصله الإمام في الملخص لاشتمال كل منها على ملاحظة قياس خفي وكذا القضايا التي قياساتها معها ونازع بعضهم في كون المجربات والحدسيات من قبيل اليقينيات فضلا عن كونها ضرورية بل جعل كثير من العلماء الحدسيات من قبيل الظنيات ثم المحققون من القائلين بأن هذه الأربعة ليست من الضروريات على أنها ليست من النظريات أيضا بل واسطة لعدم افتقارها إلى الاكتساب الفكري وبهذا يشعر كلام الإمام حجة الإسلام حيث قال العلم الحاصل بالتواتر ضروري بمعنى أنه لا يحتاج إلى الشعور بتوسط واسطة مفضية إليه مع أن الواسطة حاضرة في الذهن وليس ضروريا بمعنى الحاصل من غير واسطة كما في قولنا الموجود ليس بمعدوم فإنه لا بد فيه من حصول مقدمتين إحداهما أن هؤلاء مع كثرتهم واختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع الثانية إنهم قد اتفقوا على الإخبار عن الواقعة لكنه لا يفتقر إلى ترتيب المقدمتين ولا إلى الشعور بتوسطهما وبإفضائهما إليه وبهذا يظهر أن النزاع لفظي مبني على تفسير الضروري أنه الذي لا يفتقر إلى واسطة أصلا أو الذي نجد أنفسنا مضطرين إليه فإن قيل المتواترات من قبيل المحسوسات بحس السمع فيجب أن يكون ضروريا بلا نزاع كالعلم بأن النار حارة قلنا الكلام في العلم بمضمون الخبر المسموع تواترا كوجود مكة مثلا وهو معقول آلته يتكرر السماع حتى إذا كان المسموع المتواتر خبرا عن نسبة خبر إلى صادق كان العلم بمضمون ذلك الخبر اكتسابيا وفاقا مثلا إذا توتر الإخبار بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال البينة على المدعي واليمين على من أنكر فالعلم بأن هذا صوت المخبرين ضروري مأخوذ من الحس والعلم بأن الخبر المنقول كلام النبي صلى الله عليه وسلم هو المستفاد من القضية التي من قبيل المتواترات المتنازع في أنه ضروري أو غير ضروري والعلم بأن البينة تجب على المدعي كسبي مستفاد من ترتيب المقدمتين أعني أن هذا خبر النبي عليه السلام وكل ما هو خبر النبي عليه السلام فمضمونه حق لما ثبت من صدقه بدلالة المعجزات وما يقال أن هذا الحديث متواتر فمعناه أن الخبر بكونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم متواتر سواء كان هو في نفسه خبرا أو إنشاء ( قال وأما المنكرون ) قد ثبت اتفاق أهل الحق على أن الحسيات والبديهيات مبادىء أول لما يقوم حجة على الغير وأنكر ذلك جماعة فمنهم من قدح ذلك في الحسيات وحصرالمبادىء الأول في البديهيات ومنهم من عكس ومنهم من قدح فيهما جميعا ولكل من الفرق شبه وقد أطنب الإمام فيها بتكثير الأمثلة ونسب القول بعدم كون الحسيات من اليقينيات إلى أكابر الفلاسفة ورد بأن أكثر علومهم اليقينية مبنية عليها والمبادىء أول الضرورية مستندة إليها على ما صرحوا بأن مبادىء المجربات والمتواترات والحدسيات هي الإحساس بالجزئيات وأن الأوليات يكتسبها الصبيان باستعداد يحصل لعقولهم من الإحساس بالجزئيات فكيف ينسب إليهم القول بأنها ليست يقينية واعتذر بأن المراد أن جزم العقل بالأحكام المأخوذة من الحس قد تتوقف على شرائط ربما لا يعلم ما هي ومتى حصلت وكيف حصلت فلذلك جعلوا لبيان مواضع الغلط في المحسوسات وإن أي أحكامها تكون يقينية وأيها تكون غير يقينية صناعة المناظر كما جعلوا لبيان ذلك في المعقولات صناعة سوفسطيقا وما ذكر في تلخيص المحصل من أنه لا حكم للحس لأنه ليس من شأنه التأليف الحكمي بل الإدراك فقط وإنما الحكم للعقل ليس رد الكلام الإمام بالمناقشة في أن الحاكم هو الحس أو العقل بواسطته بل لما رتب عليه من المقصود حيث قال فالمحسوس من حيث أنه محسوس لا يوصف بكونه يقينيا أو غير يقيني وإنما يوصف به من حيث مقارنته لحكم العقل وحينئذ يصير المعنى أن أحكام العقل في المحسوسات ليست بيقينية لما قد يقع فيها من الغلط وهذا لا يختص بالمحسوسات لأن المعقولات الصرفة أيضا قد يقع فيها الغلط ولا تصح نسبته إلى الحكماء لتصريحهم بخلاف ذلك نعم لما ذكر الإمام أنه ثبت بما ذكر من الشبه أن حكم الحس قد يكون غلطا فلا بد من حاكم آخر فوقه يميز صوابه عن خطأه فلا يكون الحس هو الحاكم الأول رده بأن الحس ليس بحاكم أصلا بل الحاكم في الكل هو العقل وأما اشتغاله ببيان أسباب الغلط فيما أورده الإمام من الصور فقد اعترف بأنه تنبيه لمن يثق أو يعترف بالوثوق على الأوليات والمحسوسات ببيان التقصي عن مضايق مواضع الغلط ثم إحالة تصويب الصواب وتخطئة الخطاء إلى صريح العقل من غير افتقار إلى دليل في الوثوق بالمحسوسات ولا جواب عن شيء من الشكوك ولا تأمل في الأسباب وحصرها وانتفائها ونحو ذلك وحاصل الشكوك أنه لا وثوق على حكم الحس أما في الكليات فلأنه لا يحيط بها كيف وهي لا تقتصر على الأفراد المحققة وأما في الجزئيات فلأنه كثيرا ما يكون حكمه فيها غلطا بأن يقع الحكم في المحسوسات على خلاف ما هو عليه فإنا نرى الصغير كبيرا وبالعكس والواحد كثيرا وبالعكس والساكن متحركا إلى غير ذلك كما نرى العنبة في الماء كالإجاصة والجرة من بعيد كالكوز والقمر في الماء قمرين والألوان المختلفة في الخطوط المخرجة من مركز الرحى إلى محيطها عند إدارتها لونا واحدا ممتزجا من الكل ويرى من في السفينة السفينة ساكنة وهي متحركة والشط متحركا وهو ساكن إلى غير ذلك والجواب أن غلطه في بعض الصور لا ينافي الجزم المطابق في كثير من الصور كما في الحكم بأن الشمس مضيئة والنار حارة إذا لعقل قاطع بأنه لا غلط هناك من غير افتقار إلى نظر وإن كان ذلك بمعونة أمور لا تعلم على التفصيل وهذا ما قال في المواقف إن مقتضى ما ذكر من الشبه أن لا يجزم العقل بأحكام المحسوسات لمجرد الحس إلا أن لا يوثق بجزمه بما جزم به وكونه محتملا أي ولا أن يكون كل ما جزم به العقل من أحكام المحسوسات محتملا أي بصدد الاحتمال بناء على عدم الوثوق بما وقع فيه من الجزم فقوله وكونه محتملا مرفوع معطوف على أن لا يوثق لا مجرور معطوف على جزمه كما يتوهم إذ ليس فيه كثير معنى قال ومنهم من قدح في البديهيات قالوا أنها فرع الحسيات لأن الإنسان إنما يتنبه للبديهيات بعد الإحساس بالجزئيات والتنبه لما بينهما من المشاركات والمباينات ولا يلزم من القدح في الفرع القدح في الأصل وإنما يلزم لو كان الفرع لازما له نظرا إلى ذاته ووجه القدح أن أجلى التصديقات البديهية وإعلاها قولنا النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان بمعنى أن الشيء إما أن يكون وإما أن لا يكون وهذا غير موثوق به أما كونه أجلى فجلي وأما كونه أعلى أي أسبق فلتوقف الكل عليه واستنادها إليه مثلا يلاحظ في قولنا الكل أعظم من الجزء أنه لو لم يكن كذلك لكان الجزء الآخر كائنا وليس بكائن وفي قولنا الجسم الواحد لا يكون في آن واحد في مكانين أنه لو وجد فيها لكان الواحد اثنين فيكون أحد المثلين كأئنا وليس بكائن وعلى هذا القياس وأما عدم الوثوق فلأن العلم بحقيقة هذه القضية وقطعيتها يتوقف على تصور الوجود والعدم أعني الكون واللاكون وعلى تحقيق معنى كون الشيء موضوعا وكونه محمولا وعلى دفع الشبهات التي تورد على الأمرين وهذه الأمور الثلاثة إنما نتبين بأنظار دقيقة فإن تمت الأنظار وحصلت المطالب ويتوقف لا محالة على حقية هذه القضية لكونها أول الأوائل لزم الدور وكون الشيء نظريا على تقدير كونه ضروريا وهو محال وإن بقي شيء منها في حيز الإبهام لم يحصل الجزم بالقضية وهو المرام والجواب أن بديهة العقل جازمة بها وبحقيتها من غير نظر واستدلال في تحقيق النسبة ولا في دفع الشبهة وما يورد من الشكوك لا يورث قدحا في ذلك الجزم ولا يمكن دفعه بالنسبة إلى من لا يعترف بالبديهيات فإن شئنا أعرضنا عنه وإن شئنا نبهناه عسى أن يعترف أو يحصل له استعداد النظر واستحقاق المباحثة فمن الشبه أن هذا التصديق يتوقف على تصور الوجود والعدم وغيرهما وهذا يقتضي الثبوت ولو في الذهن وثبوت العدم المطلق مناقض ثم لا بد من إمكان سلب العدم المطلق ليتحقق الوجود في الجملة فيكون هذاالسلب قسما من العدم المطلق لكونه عدما مضافا وقسيما له لكونه رفعا له وسلبا والجواب أنه لااستحالة في كون المعنى لا ثابتا من حيث الذات والمفهوم وثابتا من حيث الحصول في العقل ولا في كونه قسما من العدم من حيث كونه عدما مضافا وقسيما له من حيث المفهوم وسيجيء لهذا زيادة تحقيق في بحث العدم ومنها أن الوجود إن أخذ في هذه القضية المنفصلة محمولا بمعنى أن الجسم إما كائن أو ليس بكائن فإما أن يكون وجود الشيء نفس ماهيته فيلزم كون الجزء الإيجابي لغوا مع أنه مفيد قطعا وكون الجزء السلبي مناقضا لأن إطلاق السلب يناقض دوام الإيجاب وإما أن يكون غيرها فيلزم في الإيجاب قيام الوجود بما ليس بموجود إن أخذ الموضوع خاليا عن الوجود وتسلسل الموجودات إن أخذ موجودا وسيجيء بيانه وجوابه في بحث الوجود وأيضا يلزم كون الشيء غيره وفيه اتحاد الاثنين ويلزم في السلب تعقل النفي المستلزم لثبوته وخلو الماهية عن الوجود المستلزم لقيام الوجود بالمعدوم عند ثبوته لها والجواب أنه لا امتناع في كون الشيئين متغايرين باعتبار متحدين باعتبار على ما تقرر من أن بين الموضوع والمحمول تغايرا بحسب المفهوم واتحادا بحسب الهوية والمعنى أن ما يقال له الجسم هو بعينه يقال له الموجود وكذا لا امتناع في كون النفي المطلق ثابتا من حيث الحصول في العقل ولا في قيام الوجود بما لم يكن موجودا على ما سيجيء إن شاء الله تعالى هذا كله إذا أخذ الوجود محمولا وأما إذا أخذ رابطة بأن يقال الجسم إما أن يكون أسود أو لا يكون أسود فيلزم في الجزء الإيجابي اتحاد الاثنين وقد سبق بجوابه وأيضا لما كان المحمول هنا وصفا كان للموضوع موصوفية وهي وجودية لأن نقيضها اللاموصوفية وهي عدمية ويتصف بها الجسم ضرورة فيتسلسل الموصوفيات ولا تندفع بكونها من الاعتبارات العقلية لأن الموصوفية نسبة فتقوم بالمنتسبين لا بالعقل ولأن حكم العقل إن لم يطابق الخارج كان جهلا فإذا بطل الإيجاب تعين أن يكون الصادق دائما هو الجزء السلبي وأنتم لا تقولون بذلك بل تجوزون صدق الإيجاب في الجملة والجواب ما سيجيء من أن صورة السلب كاللا موصوفية لا يلزم أن تكون عدمية ولو سلم فنقيض العدمي لا يلزم أن يكون وجوديا وإن الأحكام الذهنية لا يكون صدقها باعتبار المطابقة لما في الخارج وحصول النسب والإضافات في العقل فقط لا ينافي انتسابها إلى الأمور الخارجية لأن معناه أن تلك الأمور بحيث إذا عقلها عاقل حصلت في عقله تلك النسب والإضافات ومنها أنا لا نسلم عدم الواسطة بين الوجود والعدم وسيجيء بجوابه على أنها لا تعقل بين الكون واللاكون وما ذكر في المواقف من أن القائلين بها بلغوا في الكثرة حدا يقوم الحجة بقولهم معناه أنه قد يكون حجة وذلك عند الإخبار عن محسوس ففي المعقول يكون شبهة لا أقل قال ومنهم من قدح فيهما أي في الحسيات والبديهيات جميعا وهم السوفسطائية قال في تلخيص المحصل أن قوما من الناس يظنون أن السوفسطائية قوم لهم نحلة ومذهب ويتشعبون إلى ثلث طوائف اللاأدرية وهم الذين قالوا نحن شاكون وشاكون في أنا شاكون وهلم جرا والعنادية وهم الذين يقولون ما من قضية بديهية أو نظرية إلا ولها معارضة ومقاومة مثلها في القبول والعندية وهم الذين يقولون مذهب كل قوم حق بالقياس إليهم وباطل بالقياس إلى خصومهم وقد يكون طرفا النقيض حقا بالقياس إلى شخصين وليس في نفس الأمر شيء بحق والمحققون على أن السفسطة مشتقة من سوفا أسطا ومعناه علم الغلط والحكمة المموهة لأن سوفا اسم للعلم وأسطا للغلط ولا يمكن أن يكون في العالم قوم ينتحلون هذا المذهب بل كل غالط سوفسطائي في موضع غلطه ثم لا يخفى ما في كلام العنادية والعندية من التناقض حيث اعترفوا بحقية إثبات أو نفي سيما إذا تمسكوا فيما ادعوا بشبهة بخلاف اللاأدرية فإنهم أصروا على التردد والشك في كل ما يلتفت إليه حتى في كونهم شاكين وتمسكوا بأنه لا وثوق على حكم الحس والعقل لما مر من شبه الفريقين ولا على الاستدلال لكونه فرعهما فلم يبق إلا طريق التوقف وغرضهم من هذا التمسك حصول الشك والتهمة لا إثبات أمرا ونفيه فلهذا كانوا مثل طريقة من العنادية والعندية والمحققون على أنه لا سبيل إلى البحث والمناظرة معهم لأنها لإفادة المجهول بالمعلوم وهم لا يعترفون بمعلوم أصلا بل يصرون على إنكار الضروريات أيضا حتى الحسيات والبديهيات وفي الإشتغال بإثباتهما التزام لمذهبهم وتحصيل لغرضهم من كون الحسيات والبديهيات غير حاصلة بالضرورة بل مفتقرة إلى الاكتساب إذ عندنا لا يتصور كون الضروري مجهولا يستفاد بالمعلوم فالطريق معهم التعذيب ولو بالنار فإما أن يعترفوا بالألم وهو من الحسيات وبالفرق بينه وبين اللذة وهو من العقليات وفيه بطلان لمذهبهم وانتفاء لملتهم وإما أن يصروا على الإنكار فيحترقوا وفيه اضمحلال لثائرة فتنهم وانطفاء لنائر شعلتهم قال الفصل الثالث في النظر أورد فيه ستة مباحث أولها في بيان حقيقته ولا خفاء في أن كل مطلوب لا يحصل من أي مبدأ يتفق بل لا بد من مباد مناسبة له والمبادي لا توصل إليه كيف اتفقت بل لا بد من هيئة مخصوصة فإذا حاولنا تحصيل مطلوب تصوري أو تصديقي ولا محالة يكون مشعورا به من وجه تحركت الناس منه في الصور المخزونة عندها منتقلا من صورة إلى صورة إلى أن يظفر بمباديه من الذاتيات والعرضيات والحدود الوسطى فيستحضرها متعينة متميزة ثم يتحرك فيها لترتيبها ترتيبا خاصا يؤدي إلى تصور المطلوب بحقيقته أو بوجه يمتاز عما عداه أو إلى التصديق به يقينا أو غير يقين فههنا حركتان يحصل بأوليهما المادة وبالثانية الصورة والمبادي من حيث الوصول إليها منتهى الحركة الأولى ومن حيث الرجوع عنها مبدأ الحركة الثانية ومن حيث التصرف فيها لترتب الترتيب المخصوص مادة الثانية وحقيقة النظر مجموع الحركتين وهما من جنس الحركة في الكيف بتوارد الصور والكيفيات على النفس ولا محالة يكون هناك توجه نحو المطلوب وإزالة لما يمنعه من الغفلة والصور المضادة والمنافية وملاحظة للمعقولات ليؤخذ البعض ويحذف البعض وترتيب للمأخوذ وغاية يقصد حصولها وكثيرا ما يقتصر في تفسير النظر على بعض أجزائه أو لوازمه اكتفاء بما يفيد امتيازه أو اصطلاحا على ذلك فيقال هو حركة الذهن إلى مبادي المطلوب أو حركته عن المبادي إلى المطالب أو ترتيب المعلومات للتأدي إلى المجهول ويراد بالعلم الحضور عند العقل ليعم الظن والجهل المركب أيضا ويدخل التعريف بالفصل وحده أو بالخاصة وحدها بناء على أنه يكون بالمشتق كالناطق والضاحك وفيه شائبة التركيب والترتيب بين الموصوف والصفة أو يخص التفسير بالنظر المشتمل على التأليف والترتيب لندرة التعريف بالمفرد فلا يضر خروجه وهذا ما قال ابن سينا أن التعريف بالمفرد . . . خداج والإمام ذكر مكان المعلومات التصديقات بناء على ما ذهب إليه من امتناع اكتساب التصورات وكثيرا ما يجعله عبارة عن نفس العلوم المرتبة ومن قال ترتيب أمور معلومة أو مظنونة للتأدي إلى مجهول أراد بالعلم التصور والتصديق الجازم المطابق الثابت على ما هو معنى اليقين وبالظن ما يقابل اليقين فيتناول الظن الصرف والجهل المركب والاعتقاد على ما صرح به في شرح الإشارات وحينئذ لا يرد ما ذكر في المواقف من أن هذا ليس تفسيرا للنظر الصحيح والألزم أن يقيد الظن بالمطابقة ليخرج الفاسد من جهة المادة المظنونة الكاذبة وأن يقال بدل للتأدي بحيث يؤدي ليخرج الفاسد من جهة الصورة بل لمطلق النظر ومقدماته قد لا تكون معلومة ولا مظنونة بل مجهولة جهلا مركبا ولا يتناوله التفسير فلا يكون جامعا وقد يفسر بملاحظة المعقول لتحصيل المجهول ويراد بالمعقول الحاصل عند العقل واحدا كان أو أكثر تصورا كان أو تصديقا علما كان أو ظنا أو جهلا مركبا فلا يفتقر إلى شيء من التكلفات السابقة وفي كلام الإمام أن نظر البصيرة أشبه شيء بنظر البصر فكما أن من يريد إدراك شيء ببصره يقطع نظره عن سائر الأشياء ويحرك حدقته من جانب إلى جانب إلى أن يقع في مقابلة ذلك الشيء فيبصره كذلك من يريد إدراك شيء ببصيرته يقطع نظره عن سائر الأشياء ويحرك حدقة عقله من شيء إلى شيء إلى أن يحصل له العلوم المرتبة المؤدية إلى ذلك المطلوب فمن ههنا يقال النظر تجريد الذهن عن الغفلات بمعنى إخلائه عن الصوارف والشواغل العائقة عن إشراق النور الإلهي الموجب لفيضان المطلوب أو تحديق العقل نحو المعقولات طلبا لما يعده لفيضان المطلوب عليه ولما كان امتياز النظر عن سائر حركات النفس بالغاية في غاية الظهور حتى إن شيئا من تفاسيره لا يخلو عن إشارة إليها ذهب المتكلمون إلى أنه الفكر الذي يطلب به علم أو ظن والمراد بالفكر حركة النفس في المعاني واحترز بقيد المعاني عن التخيل على ما قال في شرح الإشارات أن الفكر قد يطلق على حركة النفس بالقوة التي آلتها مقدم البطن الأوسط في الدماغ أي حركة كانت إذا كانت تلك الحركة في المعقولات وأما إذا كانت في المحسوسات فقد تسمى تخيلا فما وقع في المواقف أن المراد به الحركات التخييلية ليس كما ينبغي والصواب ما ذكر في شرح الأصول أنه انتقال النفس في المعاني انتقالا بالقصد وكأنه احترز بالقصد عن الحدس وعن سائر حركاتها لا عن قصد وبالجملة هو بمنزلة الجنس للنظر على ما قال إمام الحرمين أن الفكر قد يكون لطلب علم أو ظن فيسمى نظرا وقد لا يكون كأكثر حديث النفس فسقط اعتراض الآمدي بأن لفظ الفكر زائد لأن باقي الحد مغن عنه واعتذاره بأنه لم يجعله جزأ من الحد بل كأنه قال النظر الفكر وهو الذي يطلب به علم أو ظن وإن كان صحيحا من جهة أن الفكر في الاصطلاح المشهور كالمرادف للنظر لا أعم منه ليمتنع تفسيره بما يطلب به علم أو ظن لكنه بعيد من جهة أن العبارة لا تدل عليه أصلا ولم يعهد في التعريفات أن يقال الإنسان البشر الذي هو حيوان ناطق مثلا على أن مجرد قولنا الذي يطلب به علم أو ظن لا يصلح تفسيرا للنظر والفكر إلا بتكلف وأما اعتراضه بأن الظن قد لا يكون مطابقا وهو جهل يمتنع أن يكون مطلوبا فمدفوع بأن المطلوب هو الظن من حيث أنه ظن وهو لا يستلزم طلب الأخص أعني غير المطابق ليلزم طلب الجهل وفي عبارة القاضي أبي بكر علم أو غلبة ظن واعترض بأنه لا يتناول ما يطلب به أصل الظن وأجاب الآمدي بأن كلا من طلب العلم وطلب الظن وطلب غلبته خاصة للنظر ولا خلل في الاقتصار على بعض الخواص ورده في المواقف بأن هذا إنما يكون في الخاصة الشاملة وظاهر أن شيئا من الثلاثة ليست كذلك ولهذا لم يجز الاقتصار على قولنا يطلب به علم لخروج ما يطلب به ظن بل وجب في تعريف الشيء بالخواص التي لا يشمل كل منها إلا بعض اقسامه أن يذكر الجميع بطريق التقسيم تحصيلا لخاصة شاملة لكل فرد هي كونه على أحد الأوصاف وتقع كلمة أو لبيان أقسام المحدود لا للإبهام والترديد لينافي التحديد فأجاب بأن الظن هو المعبر عنه بغلبة الظن لأن الرجحان مأخوذ في حقيقته إذ هي الإعتقاد الراجح وهذا عذر غير واضح لأن اعتبار رجحان الحكم في حقيقته لا يصلح مصححا أو باعثا على التعبير عنه برجحان الظن اللهم إلا أن يريد أن إضافة الغلبة إليه للاختصاص أي الرجحان المعتبر في الظن وليست من إضافة المصدر إلى الفاعل بمعنى كون الظن غالبا راجحا وقد يقال أن كلا من الثلث خاصة شاملة إذ ليس المراد طلب العلم أو الظن بالفعل بل أن يكون الفكر بهذه الحيثية وذلك بأن يكون حركة في المعقولات لتحصيل مبادي المطلوب فالفكر الذي يطلب به العلم هو الذي يطلب به الظن أو غلبته فلا يمتنع الاقتصار قوله المبحث الثاني النظر سواء جعلناه نفس الترتيب أو الحركة المفضية إليه يستدعي علوما مرتبة على هيئة مخصوصة يسمى الموصل منها إلى التصور معرفا وإلى التصديق دليلا وتكون العلوم أي الأمور الحاضرة مادة لذلك الموصل والهيئة المحصلة صورة له وقديضا فإن إلى النظر لهذه الملابسة أو إطلاقا للفكر والنظر على العلوم المرتبة كما في عبارة الإمام وهذا معنى كلام المواقف أن لكل ترتيب مادة وصورة ثم الشايع في عبارة البعض أن الصورة هي ذلك الترتيب إلا أن المحققين على أن الترتيب هو أن يكون لبعض أجزاء ذلك المجموع عند البعض وضع ما أو جعلها بهذه الحيثية والصورة هي الهيئة العارضة للأجزاء بعد الترتيب بسببها يقال لها أنها واحدة واتفقوا على أنه إن صحت المادة والصورة فالنظر صحيح يؤدي إلى المطلوب وإلا ففاسد لا يؤدي إليه وصحة المادة في المعرف أن يكون المذكور في معرض الجنس جنسا للماهية وفي معرض الفصل فصلا لها وفي معرض الخاصة خاصة شاملة لازمة وأن يكون المذكور في الحد التام الجنس والفصل القريبين إلى غير ذلك من الشرائط وفي الدليل أن تكون المقدمات مناسبة للمطلوب صادقة قطعا أو ظنا أو فرضا بحسب المطالب على ما بين في الصناعات الخمس وصحة الصورة في المعرف أن يقدم الأعم فيقيد بالفصل أو الخاصة بحيث تحصل صورة وحدانية موازية أو مميزة لصورة المطلوب وفي الدليل أن يكون على الشرائط المعتبرة في الإنتاج على ما فصل في أبواب القياس والاستقراء والتمثيل من المنطق فظهر أن في تقسيم النظر إلى الصحيح والفاسد باعتبار المادة والصورة تجوزا فلا يبعد تقسيمه إلى الجلي والخفي بهذا الاعتبار أيضا فإن أجزاء كل من المعرف والدليل قد تكون ضرورية تتفاوت في الجلاء والخفاء وقد تكون نظرية تنتهي إلى الضروري بوسايط أقل أو أكثر وكذا الصورة القياسية للأشكال وعبارة المواقف ربما توهم اختصاص التجوز بانقسام النظر إلى الجلي والخفي واختصاصه بالدليل دون المعرف وابتناء انقسام النظر إلى الصحيح والفاسد باعتبار المادة والصورة على تفسيره بالترتيب قال والصحيح المقرون بشرائطه قال الإمام لا نزاع في أن النظر يفيد الظن وإنما النزاع في إفادته اليقين فأنكره السمنية مطلقا وجمع من الفلاسفة في الآلهيات والطبيعيات حتى نقل عن أرسطو أنه قال لا يمكن تحصيل اليقين في المباحث الإلهية إنما الغاية القصوى فيها الأخذ بالأولى والأخلق وهذا أقرب بأن يكون محل النزاع إذ لا يتصور تردد في أن الحاصل من ضرب الاثنين في الاثنين أربعة وبالجملة لما كان مقصود الإمام الرد على المنكرين اقتصر على أن النظر المفيد للعلم مطلقا أو في الإلهيات موجود في الجملة ولما قصد الآمدي إثبات قاعدة تنطبق على الأنظار الجزئية الصحيحة الصادرة عنا في اكتساب العلوم افتقر إلى إثبات الموجبة الكلية فقيد النظر بكونه في القطعيات إذ النظر في الظني لا يفيد العلم وفاقا وبأن لا يعقبه شيء من أضداد الإدراك كالنوم والغفلة والموت فإنه لا علم ح بل لا ظن أيضا وجعل كلا من الأمور المذكورة ضد اللاإدراك على ما هو رأي المتكلمين وإن لم يوافق اصطلاح الفلاسفة وتركنا لتقييد بالقطعي استغناء عنه بذكر الصحيح إذ النظر في الظني لطلب العلم يكون فاسدا من جهة المادة حيث لم يناسب المط وليتناول النظر المط به التصور هذا وظاهر كلام المتكلمين أنهم يريدون بالعلم والنظر عند الإطلاق ما يخص التصديقات وأن ما ذكرنا في قولهم العلم صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض والنظر فكر يطلب به علم أو ظن أنه يعم التصور والتصديق تكلف منا قال بمعنى حصوله عقيبه يشير إلى كيفية إفادة النظر للعلم فعندنا هي بخلق الله تعالى العلم عقيب تمام النظر بطريق إجراء العادة أي تكرر ذلك دائما من غير وجوب بل مع جواز أن لا يخلقه على طريق خرق العادة وذلك لما سيجيء من استناد جميع الممكنات إلى قدرة الله تعالى واختياره ابتداء وأثر المختار لا يكون واجبا ثم القائلون بهذا المذهب فرقتان منهم من جعله بمحض القدرة القديمة من غير أن يتعلق به قدرة العبد وإنما قدرته على إحضار المقدمتين وملاحظة وجود النتيجة فيهما بالقوة ومنهم من جعله كسبيا مقدورا وعند المعتزلة بطريق التوليد ومعناه أن يوجب فعل لفاعله فعلا آخر كحركة اليد لحركة المفتاح فالنظر على أي تفسير فسر فعل للناظر يوجب فعلا آخر له هو العلم إذ معنى الفعل ههنا الأثر الحاصل بالفاعل لا نفس التأثير ليرد الاعتراض بأن العلم ليس بفعل وكذا النظر على أكثر التفاسير ألا ترى أن الحركة أيضا ليست كذلك وقد اتفقوا على أن حركة اليد وحركة المفتاح فعلان لفاعل واحد واحتج بعض أصحابنا بعد إبطال التوليد مطلقا على بطلانه ههنا بأن تذكر النظر لا يولد العلم اتفاقا فكذا النظر ابتداء لاشتراكهما في النظرية واعترض بأن هذا لا يفيد اليقين لكونه عائدا إلى القياس الشرعي وإن أدى بصورة قياس منطقي بأن يقال لو كان النظر مولدا لكان تذكره مولدا لعدم الفرق واللازم باطل وفاقا ولا لإلزام لأنهم إنما قالوا بالحكم أعني عدم التوليد في الأصل أعني في التذكر لعلة لا توجد في الفرع أعني ابتداء النظر وهي كونه حاصلا بغير قدرة العبد واختياره حتى لو كان التذكر بقصد العبد لكان مولدا فيصير الحاصل أن هذا قياس مركب وهو أن يكون حكم الأصل متفقا عليه بين المستدل والخصم لكن يعلل عند كل منهما بعلة أخرى والخصم بين منع وجود الجامع بين الأصل والفرع إذ ابتداء النظر لا يشارك تذكره في عدم المقدورية وبين منع وجود الحكم في الأصل ساى لانم أن التذكر لا يولد العلم عند كونه بقدرة العبد وإنما ذلك عند كونه سانحا للذهن من غير قصد العبد فإنه يكون فعل الله تعالى فلو قلنا بتولد العلم عنه لكان أيضا فعل الله تعالى فلا يصح تكليف العبد به وفي نهاية العقول ما يشعر بأن علة عدم التوليد في التذكر هو لزوم اجتماع الموجبين على أثر واحد لأنه قال التذكر عبارة عن وجود علمين أحدهما العلم بالمقدمات التي سبقت والآخر العلم بأنه كان قد أتى بتلك العلوم ثم ليس أحد العلمين أولى بالتوليد من الآخر فيلزم أن يكون كل منهما مولدا للعلم بالنتيجة وهو محال ويجوز أن تكون العلة هو لزوم حصول الحاصل إذ التذكر إنما يكون بعد النظر وقد حصل به العلم وعلى هذا لا يكون التذكر مفيدا للعلم أصلا وعند الفلاسفة هي بطريق الوجوب لتمام القابل مع دوام الفاعل وذلك أن النظر يعد الذهن لفيضان العلم عليه من عند واهب الصور الذي هو عندهم العقل الفعال المنتقش بصورالكائنات المفيض على أنفسنا بقدر الاستعداد عند اتصالها به وزعموا أن اللوح المحفوظ والكتاب المبين في لسان الشرع عبارتان عنه وههنا مذهب آخر اختاره الإمام الرازي وذكر حجة الإسلام الغزالي أنه المذهب عند أكثر أصحابنا وهو أن النظر يستلزم العلم بالنتيجة بطريق الوجوب الذي لا بد منه لكن لا بطريق التوليد على ما هو رأي المعتزلة وهذا ما نقل عن القاضي أبي بكر وإمام الحرمين أن النظر يستلزم العلم بطريق الوجوب من غير أن يكون النظر علة أو مولدا أو صرح بذكر الوجوب لئلا يحمل الاستلزام على الاستعقاب العادي فيصير هذا هو المذهب الأول وقد صرح الإمام الغزالي بأن هذا مذهب أكثر أصحابنا والأول مذهب بعضهم واستدل الإمام الرازي على الوجوب بأن من علم أن العالم متغير وكل متغير ممكن فمع حضور هذين العلمين في الذهن يمتنع أن لا يعلم أن العالم ممكن والعلم بهذا الامتناع ضروري وكذا في جميع اللوازم مع الملزومات وعلى بطلان التوليد بأن العلم في نفسه ممكن فيكون مقدورا لله تعالى فيمتنع وقوعه بغير قدرته فتوجه اعتراض المواقف بأنه لما كان فعل القادر امتنع أن يكون واجبا فإنه الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك من غير وجوب عليه أو عنه لا يقال المراد الوجوب بالاختيار على ما سيجيء لأنا نقول فح يجوز أن لا يقع بأن لا تتعلق به القدرة والاختيار ويكون هذا هو المذهب الأول بعينه والجواب أن وجوب الأثر كالعلم مثلا بمعنى امتناع انفكاكه عن أثر آخر كالنظر لا ينافي كونه أثر المختار جائز الفعل والترك بأن لا يخلقه ولا ملزومه لا بأن يخلق الملزوم ولا يخلقه كسائر اللوازم الممكنة مثل وجود الجوهر لوجود العرض وتحقيقه أن جواز الترك أعم من أن يكون بوسط أو بلا وسط وأن جواز ترك المقدور لا يمتنع أن يكون مشروطا بارتفاع مانع هو أيضا مقدور وهذا كالمتولدات عند من يقول من المعتزلة بكونها بقدرة العبد وإنما المنافي له امتناع انفكاكه عن المؤثر بأن لا يتمكن من تركه أصلا ولو صح هذا الاعتراض لارتفع علاقة اللزوم بين الممكنات فلم يكن تصور الابن مستلزما لتصور الأب ووجود العرض مستلزما لوجود الجوهر إلى غير ذلك والحاصل أن لزوم العلم للنظر عقلي عندهم حتى يمتنع الانفكاك كتصور الأب لتصور الابن وعادي عند الأولين حتى لا يمتنع الانفكاك بطريق خرق العادة كالإحراق بالنار وإلى المذاهب الثلاثة لأصحابنا أشار في المتن بقوله عادة مع الكسب أو بدونه أو لزوما عقليا قال فإن قيل تقدير السؤال أن الحكم بأن النظر يفيد العلم إما أن يكون ضروريا أو نظريا وكلاهما باطل أما الأول فلأنه لو كان ضروريا لما وقع فيه اختلاف العقلاء كسائر الضروريات ولكان مثل قولنا الواحد نصف الاثنين في الوضوح من غير تفاوت لأن التفاوت دليل الاحتمال والاشتباه وهو بنا في الضرورة وكلا اللازمين منتف لوقوع الاختلاف وظهور التفاوت وأما الثاني فلأنه لو كان نظريا لكان إثباته بالنظر وفيه دور من جهة توقفه على الدليل وعلى استلزامه المدلول وهو معنى الإفادة وتناقض من جهة كونه معلوما لكونه وسيلة وليس بمعلوم لكونه مطلوبا وهذا معنى قولهم إثبات النظر بالنظر تناقض فإن قيل معنى إثبات القضية النظرية أن العلم بها يستفاد من النظر بأن يعلم المقدمات مرتبة فيعلم النتيجة وهذا إنما يتوقف على كون النظر مفيدا للعلم لا على العلم بذلك فالموقوف هو التصديق والموقوف عليه هو الصدق وهذا كما أن تصور الماهية مستفاد من الخاصة اللازمة بمعنى أنها تتصور فيتصور وإن لم يعلم الاختصاص واللزوم قلنا مبنى الكلام على أن اللازم في القياس هو صدق النتيجة والملزوم صدق المقدمات المرتبة وأما التصديق بالنتيجة أعني العلم بحقيقتها فإنما يستلزمه التصديق بالمقدمات المرتبة وكونها مستلزمة للمطلوب بديهة أو اكتسابا على ما تقرر من أن العلم بتحقق اللازم يستفاد من العلم باللزوم وبتحقق الملزوم وهذا بخلاف التعريف بالخاصة فإن اللزوم متحقق بين التصورين حتى لو كان التصديق بالمقدمات مع التصديق بالنتيجة كذلك سقط السؤال وتقرير الجواب أنا نختار أنه ضروري ولا نسلم امتناع الاختلاف والتفاوت في الضروريات بل قد يختلف فيها جمع من العقلاء لخفاء في تصورات الأطراف وعسر في تجريدها عن اللواحق المانعة عن ظهور الحكم وقد يقع فيها التفاوت لتفاوتها في ذلك وفي كثرة التفات النفس إليها أو يختار أنه نظري يثبت بنظر مخصوص ضروري المقدمات ابتداء وانتهاء من غير لزوم دور أو تناقض بأن يقال في قولنا العالم متغير وكل متغير حادث أن هذا الترتيب المخصوص أو العلوم المرتبة نظر إذ لا معنى له سوى ذلك ثم أنه يفيد بالضرورة العلم بأن العالم حادث ينتج أن نظرا ما يفيد العلم على ما ادعاه الإمام وإن شئنا إثبات القاعدة الكلية على ما ادعاه الآمدي قلنا معلوم بالضرورة أن هذه الإفادة ليست لخصوصية هذه المادة بل لصحة النظر المخصوص مادة وصورة وكونه على شرائطه فكل نظر يكون كذلك يفيد العلم وهو المطلوب وهذا ما قال إمام الحرمين أنه لا يعد في إثبات جميع أنواع النظر بنوع منها يثبت نفسه وغيره إلا أنه لما اعترف بإثبات الشيء بنفسه اعترض الإمام الرازي بأن فيه تناقضا وتقدما للشيء على نفسه وجوابه أن نفس الشيء بحسب الذات قد تغايره بحسب الاعتبار فنخالفه في الأحكام كهذا الذي أثبتنا به كون كل نظر مفيدا للحكم فإنه من حيث ذاته وسيلة ومتقدم ومعلوم ومن حيث كونه من إفراد النظر مطلوب ومتأخر ومجهول وتفصيله أن الموقوف المجهول المطلوب بالنظر هو القضية الموجبة المهملة أو الموجبة الكلية التي عنوان موضوعها مفهوم النظر أعني قولنا النظر يفيد العلم أو كل نظر مقرون بشرائطه يفيد العلم والموقوف عليه المعلوم بديهة هو القضية الشخصية التي موضوعها ذات النظر المخصوص أعني قولنا العالم متغير وكل متغير حادث يفيد العلم بأن العالم حادث من غير اعتبار كون هذا الموضوع من إفراد النظر فلا يكون الشيء الواحد بالذات والاعتبار متقدما على نفسه ومعلوما حين ما ليس بمعلوم ليلزم الدور والتناقض وأصل الباب أن الحكم بالشيء على الشيء قد يختلف لوازمه من الاستغناء عن الدليل أو الافتقار إليه أو إلى التنبيه أو إلى الإحساس أو غير ذلك باختلاف التعبير عن المحكوم عليه مثلا إذا حاولنا الحكم على العالم بالحدوث فربما يقع التعبير عنه بما يجعل الحكم غير مفيد أصلا كقولنا كل موجود بعد العدم حادث أو مفيدا بديهيا كقولنا كل ما يقارن تعلق القدرة والإرادة الحادثة فهو حادث أو مفيدا كسبيا كقولنا كل متغير فهو حادث وبهذا ينحل ما يورد على الشكل الأول من أن العلم بالنتيجة لما توقف على العلم بالكبرى الكلية التي من جملة إفراد موضوعها موضوع النتيجة لزم توقف النتيجة على نفسها وكونها معلومة قبل أن تعلم وهو تناقض وذلك لأن معلومية الحكم كحدوث العالم من جهة كون المحكوم عليه من إفراد الأوسط كالمتغير لا يناقض مجهوليته من جهة كونه من إفراد الأصغر أعني العالم فإن قيل لا خفاء في أن كون النظر مفيدا للعلم ضروري في الشكل الأول نظري في باقي الأشكال فكيف يصح اختيار أنه ضروري مطلقا على ما ذهب إليه الإمام الرازي أو نظري مطلقا على ما ذهب إليه إمام الحرمين قلنا الكلام فيما إذا أخذ عنوان الموضوع هو النظر فيقال النظر أو كل نظر على شرائطه يفيد العلم وما ذكر من التفصيل قطعا إنما هو في الخصوصيات مثل قولنا العالم متغير مع قولنا وكل متغير حادث أو ولا شيء من القديم بمتغير فإن العلم بإفادة الأول ضروري والثاني نظري على أن هذا التفصيل إنما هو بالنظر إلى مجرد ترتيب المقدمتين ووضع الحد الأوسط عند الحدين الآخرين وأما بعد حصول جميع الشرائط فالحكم بإفادة كل من خصوصيات النظر العلم ضروري في جميع الأشكال على ما يراه بعض المحققين من أن من جملة الشرائط ملاحظة جهة دلالة المقدمتين على المطلوب وكيفية اندراجه فيهما بالقوة حتى قال الإمام حجة الإسلام أن هذا هو السبب الخاص لحصول النتيجة بالفعل وبدونه ربما يذهل عن النتيجة مع حضور المقدمتين كما إذا رأى بغلة منتفخة البطن فتوهم أنها حامل مع ملاحظة أنها بغلة عاقر وكل بغلة ولا خفاء في أن مع ملاحظة جهة الإنتاج والتفطن لكيفية الاندراج يتساوى الأشكال في الجلاء حتى ذهب بعض أهل التحقيق إلى أن الكل ح يرجع إلى الشكل الأول بحسب التعقل وإن لم يتمكن من تلخيص العبارة فيه وتمام تحقيقه في شرح الأصول لصاحب المواقف ثم كلام القوم هو أن العلم بكون التفطن للاندراج شرطا للإنتاج ضروري وحديث البغلة تنبيه عليه ومنع الإمام على ما قال أن ذلك إنما يكون عند حصول إحدى المقدمتين فقط وأما عند اجتماعهما فلا نسلم إن كان الشك في النتيجة مكابرة واستدلاله على بطلان ذلك بأن الاندراج لو كان معلوما مغايرا للمقدمتين لكانت مقدمة أخرى مشروطة في الإنتاج فينقل الكلام إلى كيفية التئامها مع الأوليين ويفضي إلى اعتبار ما لا نهاية لها من المقدمات ضعيف لأن ذلك ملاحظة لكيفية نسبة المقدمتين إلى النتيجة لا قضية هي جزء القياس ليكون مقدمة على أنه لو سمى مقدمة أو جعل عبارة عن التصديق يكون الأصغر بعض جزئيات الأوسط التي حكم على جميعها بالأكبر فليس بلازم أن يكون له مع المقدمتين هيئة واندراج شرط العلم بها لتحصل مقدمة رابعة وهلم جرا فإن قيل لا نزاع في أنه لا يكفي حضور المقدمتين كيف اتفق بل لا بد من ترتيبهما على هيئة مخصوصة هي الجزء الصوري بحيث يكون على ضرب من الضروب المنتجة وأنه لا بد مع ذلك في غير الشكل الأول من بيان اللزوم بالخلف أو بالعكس أو نحوهما حتى لو استحضرت المقدمتان في حديث البغلة على هيئة الشكل الرابع لم يمتنع الشك مالم يعكس الترتيب مثلا فما المتنازع في هذا المقام قلنا هو أن حصول العلم بالنتيجة بعد تمام القياس مادة وصورة بمعنى حضور المقدمتين على هيئة مخصوصة منتجة مشروطة بملاحظة تلك الهيئة فيما بين المقدمتين ونسبة النتيجة إليهما وكيفية اندراجها فيهما بالقوة ويكون ذلك في الشكل الأول بمجرد الالتفات وفي البواقي بالاكتساب ويرجع الكل إلى بيان إثبات أو نفي هو الواسطة ملزوم لإثبات أو نفي هو المطلوب على ما هو حقيقة الشكل الأول ويكون طرق البيان لتحصيل هذا الشرط ومن ههنا استدل بعض المتأخرين على هذا الاشتراط بتفاوت الأشكال في الإنتاج وضوحا وخفاء إلا أنه لم يجزم بذلك لأن كون طرق البيان لتحصيل هذا الشرط ليس بقطعي لجواز أن تكون هي نفسها شرائط العلم بلزوم النتائج التي هي لوازم الأشكال يعلم لزوم بعضها بلا واسطة وبعضها بوسط خفي أو أخفى وقد يقرر الاستدلال بأن المقدمتين المعينتين قد يتخذ منهما شكل بين الإنتاج كقولنا العالم متغير وكل متغير حادث وآخر غير بين كقولنا كل متغير حادث والعالم متغير فلو لم يكن للهيئة مدخل في لزوم النتيجة لما كان كذلك لاتحاد المادة ويجاب بأن اللازم متعدد وهو العالم حادث وبعض الحادث هو العالم فيجوز أن يكون لزوم أحدهما أوضح مع اتحاد الملزوم ولو أخذ اللازم واحدا وهو قولنا العالم حادث فاستنتاجه من شكل آخر لا يتصور إلا بتغيير إحدى المقدمتين أو كلتيهما كقولنا بعض المتغير هو العالم وكل متغير حادث من الثالث أو كل حادث متغير من الرابع إذا صدق العكس كليا وحيننئذ يتعدد المادة ولا يمتنع أن يكون اللزوم للبعض أوضح وأنت بعد تحرير محل النزاع خبير بحال هذا التقرير لا يقال الاستدلال بتفاوت الأشكال يفيد القطع بهذا الاشتراط لأن القياس المقرون بالشرائط ملزوم للنتيجة قطعا واللازم يمتنع انفكاكه عن الملزوم فلو لم يكن التفطن لكيفية الاندراج شرطا متفاوت الحصول بأن يحصل في البعض بمجرد الالتفات وفي البعض بوسط خفي أو أخفى لزم استواء جميع الضروب المنتجة في حصول النتيجة عند حصولها ضرورة امتناع انفكاك اللازم عن الملزوم المستجمع بشرائط اللزوم لأنا نقول فرق بين لزوم الشيء والعلم بلزومه فالضروب والأشكال متساوية في لزوم النتائج إياها بمعنى حقيتها في نفس الأمر على تقدير حقيتها وإنما التفاوت في العلم بذلك وشروطه متفاوتة الحصول كالالتفات أو الاكتساب بخفي أو أخفى وإن لم يكن التفطن لكيفية الاندراج من جملتها قال احتج المخالف بوجوه وإنما لم نورد الشبهة السابقة في ضمن الوجوه لأنها لنفي أن يكون التصديق الحاصل عقيب النظر علما مطلقا أو في الطبيعيات والإلهيات أو في الإلهيات خاصة على ما ذكره الإمام من أنه لا نزاع في إفادة النظر الظن وإنما النزاع في إفادته ليقين الكامل وينبغي أن لا تكون العدديات محل الخلاف والشبهة السابقة تنفي كون النظر مفيدا للتصديق مطلقا
Halaman 39