Sharh Lum'at al-I'tiqad by Khalid Al-Mosleh
شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح
Genre-genre
خلاف أهل السنة والجماعة في إثبات رؤية الكفار لربهم يوم القيامة
هل يرى الكفار الله جل وعلا يوم القيامة؟ ذكرنا قول المؤلف ﵀: (والمؤمنون يرون ربهم بأبصارهم)، في حصر الرؤية للمؤمنين، فإن أهل الكفر لا يوصفون بالإيمان وأهل النفاق لا يوصفون بالإيمان وإن كانوا مسلمين في الظاهر، وهذا في الجنة لا إشكال فيه، فإن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن، فما ذكر من نعيم أهل الجنة من التنعم بالنظر إلى الله ﷿ لا يكون إلا لأهل الإيمان؛ لأنه لا يدخلها إلا مؤمن.
أما في عرصات القيامة فاختلف العلماء ﵏ من أهل السنة في رؤية الكفار لله ﷿ على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا يراه في أرض المحشر يوم القيامة إلا أهل الإيمان دون غيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين:١٥]، فأخبر الله ﷿ عن حجب الكفار عن الرؤية، فقوله: (يومئذ) يعني: يوم القيامة، وهذا عليه أكثر أهل العلم من المتأخرين.
القول الثاني: أنه يراه المؤمنون من هذه الأمة ويراه أيضًا أهل النفاق، أي: أهل الكفر الباطني، أما من أظهر الكفر فإنه لا يراه، واستدلوا لهذا بحديث أبي سعيد وأبي هريرة في الصحيحين وفيه: قال النبي ﷺ: (إذا جمع الله الناس نادى مناد: ليتبع من كان يعبد شيئًا ما كان يعبد، فيتبع أهل الشمس الشمس، ويتبع عباد القمر القمر، ويتبع عباد الطواغيت الطواغيت، فلا يبقى إلا هذه الأمة وفيها منافقوها، فيأتيهم الله ﷿ في صورة غير التي يعرفون، ثم يأتيهم بالصورة التي يعرفونها؛ فيسجد أهل الإيمان وفيهم أهل النفاق، فيريدون أن يسجدوا فلا يتمكنون من السجود) فقالوا: إن هذا الحديث يدل على أنهم يرونه.
القول الثالث: أنه يراه أهل المحشر مسلمهم وكافرهم، ولكن هذه الرؤية يختلف فيها الناس، كما أن رؤية الله جل وعلا في الجنة يختلف فيها أهل الجنة تفاضلًا ومنزلة، فكذلك الرؤية في المحشر، فإنهم يتفاوتون فيها تفاوتًا بينًا كبيرًا، فأهل المحشر ينقسمون إلى قسمين في الرؤية، فأهل الإيمان يرونه رؤية تعريف، وهذه دون ما يكون لهم في الجنة، أي: أنها أنزل مما يكون لهم في الجنة، ولذلك إذا رأوه جل وعلا في الجنة لم يكن شيء أنعم ولا أطيب من النظر إليه ﷿، فدل ذلك على أنها خلاف ما كان في أرض المحشر.
ثم إن أهل الجنة إذا قال لهم المنادي: إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، يقولون: ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يدخلنا الجنة؟ ألم ينجنا من النار؟ ولم يذكروا تلك الرؤية التي جرت في المحشر، فالرؤيا التي تكون لأهل الإيمان في المحشر دون ما يكون لهم في الجنة، فهي رؤية تعريف.
أما رؤية الكفار على هذا القول بأنهم يرونه في المحشر، فإنها رؤية تعذيب وتحسير، وليست رؤية تنعيم وتكليم، واستدلوا لهذا بقوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين:١٥]، بنفس الآية التي استدل بها القائلون بعدم الرؤية، كيف ذلك؟ قالوا: إن الحجب لا يكون إلا بعد اطلاع، وهذه الأقوال كلها مما تكلم به أهل السنة والجماعة، فالخلاف في هذا خلاف محتمل، لا يخرج من اختار قولًا من هذه الأقوال عن دائرة أهل السنة باختياره.
7 / 8