Sharh Kitab Al-Jami' li Ahkam Al-Siyam wa A'mal Ramadan - Hutaybah
شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - حطيبة
Genre-genre
جواز النية من النهار في صوم النفل
يصح صوم النفل بنية من النهار، وقد ذكرنا أن النبي ﷺ فعل ذلك، ففي صحيح مسلم عن عائشة ﵂ قالت: (قال لي رسول الله ﷺ ذات يوم: يا عائشة! هل عندكم شيء؟) يعني: من طعام، فهو يريد أن يأكل ﷺ، وقوله هذا يدل على أنه كان مفطرًا، (فقالت: يا رسول الله! ما عندنا شيء، قال: فإني صائم)، فالنية الآن من النهار، فقد كان في البداية ناويًا أن يفطر، فلم يلق طعامًا فصام صلوات الله وسلامه عليه، فدل ذلك على أنه يجوز لك أن تصبح وأنت تريد الإفطار، فإن لم تجد إفطارًا حولت النية إلى الصوم فتصير صائمًا وتؤجر عليه.
إذًا: ففي صيام التطوع الله ﷿ يرخص لعباده في أشياء حتى يحببهم في التطوع في العبادة، ولذلك في صلاة النافلة يجوز لك أن تصلي وأنت قاعد حتى ولو لم تكن مريضًا، ولكن الأجر على نصف القائم، وأما الفريضة فلا يجوز لك أن تصلي قاعدًا إلا إذا لم تستطع القيام، إذًا لماذا في النافلة يجوز أن تصلي وأنت قاعد؟ يجوز ذلك للتحبيب في النافلة، فالإنسان طبيعته فيها الكسل، فتوسوس له نفسه بأني متعب ولا أستطيع أن أقوم وأصلي، فنقول له: ممكن تصلي وأنت قاعد، فإذا صلى وهو قاعد، تعود على النافلة مع الزمن، فيقوم بعد ذلك يصلي وهو قائم، ويقول: لماذا آخذ نصف الأجر وأنا أقدر أن آخذ الأجر كاملًا؟! إذًا: أصلي وأنا قائم.
فكذلك في الصيام يخفف الله ﷿ تيسيرًا على العبد، وتحبيبًا له في التطوع، فإذا أصبح وليس عنده طعام، فيجوز له أن ينشئ نية الصيام من النهار، إلا أن يكون في أيام يكره فيها الصيام أو يحرم فيها الصيام، كيوم العيد مثلًا، ويوم الجمعة يكره الصيام فيه منفردًا إلا أن يكون يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده.
ففي الحديث السابق أن النبي ﷺ قال: (فإني صائم، قالت عائشة: فخرج رسول الله ﷺ فأهديت لنا هدية أو جاءنا زور، قالت: فلما رجع رسول الله ﷺ قلت: يا رسول الله! أهديت لنا هدية أو جاءنا زور وقد خبأت لك شيئًا، قال: ما هو؟ قالت: قلت: حيس، قال: هاتيه، قالت: فجئت به فأكل، ثم قال: قد كنت أصبحت صائمًا).
وهذا الحديث كأنه جمع يومين مع بعض وليس يومًا واحد، ففي أحد الأيام كما في أحاديث أخرى عن عائشة رضي الله ﵎ عنها أنه كان أصبح مفطرًا ولكن لم يأكل، فلما لم يجد طعامًا نوى الصيام وصام، وفي يوم آخر أصبح وقد نوى الصيام ﷺ، وبعد ذلك أتته السيدة عائشة فقالت: أهدي لنا هدية، فقال: ما هي الهدية؟ قالت: حيس، وهو طعام حلو يتخذ من التمر والسمن، فأكل منه وأفطر ﷺ.
وهذا من رحمته بأمته صلوات الله وسلامه عليه، وذلك أن الصائم أمير نفسه، فإن شاء أكمل صومه، وإن شاء أفطر، ولو أن النبي ﷺ لم يفعل ذلك لكان كل إنسان صائم عليه أن يستمر فيه، ولشق عليه صوم التطوع، لكن كون النبي ﷺ فعل ذلك دل على أنه يجوز أن تصبح وأنت صائم، ثم يبدو لك أن تفطر لعذر من الأعذار أو لغير عذر فلك ذلك؛ لفعل النبي ﷺ، وقد جاءت رواية في هذا المعنى، وهي قوله ﷺ: (إذًا أفطر اليوم وقد فرضت الصوم)، قوله: (فرضت) هنا ليس معناها أنها فريضة، بل معناه: كنت نويت الصوم، ثم أفطر ﷺ.
وفي حديث آخر قال ﷺ بعد ذلك: (إنما مثل صوم المتطوع كمثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها)، وهذا يعطي لنا حكمًا آخر وهو: أن المتطوع بالصوم كالمتطوع بالصدقة، وليس هو كالمتطوع بالصلاة؛ لأن الصلاة إذا أحرمت بها فليس لك أن تخرج منها، فالصلاة تكون تطوعًا إذا أنت لم تدخل، فإذا أردت أن تصلي فصل وإذا لم ترد أن تصلي فلا تصل، لكن إذا دخلت في الصلاة فأحرمت بها فليس لك أن تخرج منها، فهي إذًا غير الصوم وغير الصدقة، فالصدقة في جيبك، فإذا نويت أن تعطي فلانًا صدقة، ثم بدا لك ألا تفعل فإنك تؤجر على أنك نويت أن تفعل الصدقة، وهذا من كرم الله العظيم سبحانه، والصيام كذلك، فإذا نوى إنسان أن يصوم وأصبح صائمًا، ثم بدا له أن يفطر بعد ذلك أفطر، فهذا الصائم تطوعًا كالذي يريد أن يتصدق بالصدقة، فكلاهما أمير نفسه إن شاء أمضى ذلك وإن شاء لم يفعل.
وفي أي وقت من النهار نوى صيام التطوع أجزأه، سواء في ذلك ما قبل الزوال وبعده، فمثلًا في صوم التطوع إذا بقي إلى وقت الظهر وما أكل، فجاء عند وقت الظهر فقال: أكمل صومي، فالراجح أن له ذلك.
ومثل إنسان كان نائمًا لم ينو صومًا، ثم استيقظ من النوم قبيل المغرب فالراجح أنه يجوز له ذلك، تحبيبًا للمسلم في الصوم، وهذا في التطوع وليس في رمضان وليس في فريضة.
والشرط في ذلك ألا يكون قد طعم قبله، فلا يكون قد أكل وشرب وبعد ذلك يقول: سنصوم لا، بل يشترط ألا يكون قد أكل أو شرب بعد الفجر.
ويؤجر على صيام يوم كامل، وهذا مثل أن يتصدق الإنسان بصدقة ويؤجر عليها عشر حسنات، وآخر يتصدق ويؤجر مائة، فلن يستوي هذا مع إنسان كان ناويًا للصيام من قبل الفجر، غدًا صائم، لكن من حيث الأجر فيكون له أجر صيام يوم كامل، وأما المضاعفة فأمرها إلى الله ﷿، فيضاعف لمن يشاء.
4 / 7