Sharh Kitab Al-Iman - Yusuf Al-Ghafis
شرح كتاب الإيمان - يوسف الغفيص
Genre-genre
حكم ترك الصلاة والزكاة والصوم والحج جميعًا
وهذا الحكم السابق مقولٌ في ترك آحاد المباني الأربعة، أما من جمع ترك المباني الأربعة:- بمعنى أنه تارك للصلاة، تارك للزكاة، تارك للصوم، تارك للحج- فإن هذا لا يكون إلا عن كفر، ولهذا لا يمكن أن يقال أن مالكًا ﵀ الذي لا يذهب إلى كفر تارك الصلاة لا يذهب إلى كفر من جمع ترك المباني الأربعة ..
وإن كان هذا تخريجًا لبعض أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي على مذهبهما في تارك الصلاة، ولكن هذا التخريج ليس بصحيح؛ لأنه يعلم بالشرع والعقل أن من ترك الصلاة وحدها ليس كمن تركها وجمع معها ترك الزكاة والصوم والحج، حيث أن تركها كلها أشد من ترك الصلاة فقط، وعليه فما قاله مالك وغيره في الواحد لا يلزم في المجموع، بل كما قال شيخ الإسلام: "إن من امتنع عن المباني الأربعة كلها فهذا لا يكون إلا كافرًا".
وهنا مقامان لمن بحث هذه المسألة أشير إليهما:
المقام الأول: مقام من يقول: إن ترك الصلاة ليس كفرًا ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج، ويقول: إن من عبر من الأئمة بكلمة كفر إنما أراد الكفر الأصغر، أو الكفر العملي، أو كفرًا دون كفر، حتى إن بعضهم يحكي الإجماع على أن ترك الصلاة ليس كفرًا مخرجًا من الملة ..
وهذا لا شك أنه زيادة وتكلف في تقرير المسألة، فلا شك أن هناك أئمة صرحوا بأن تارك الصلاة كافر على معنى الكفر المخرج عن ملة الإسلام.
المقام الثاني: من يقابل المقام الأول من أهل العلم، والذين يقولون: إن ترك الصلاة كفر بالإجماع، وترك الزكاة كفر بالإجماع، وترك الصوم كفر بالإجماع، وترك الحج كفر بالإجماع؛ فيجعلون التارك -أي: من عزم على تركه- لأحد المباني الأربعة مع فعل غيره كافرًا بالإجماع.
وقد قرر هذا بعض أهل العلم من الباحثين، واستدلوا عليه بآثار كقول عمر ﵁: "لا يبلغني أن أحدًا وجد سعةً وزادًا فلم يحج إلا فرضت عليه الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".
واستدلوا كذلك بظاهر قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ﴾ [آل عمران:٩٧] قالوا: (ومن كفر) أي: ومن ترك.
ومن أدلتهم أيضًا أن الصحابة أجمعوا على كفر تارك الصلاة كما نقله عبد الله بن شقيق، وعلى كفر تارك الزكاة كما في قصة أبي بكر ﵁.
فهذا القول إن كان يختاره ويذهب إلى أنه راجح فهذا كاختيار لا يثرب عليه؛ لأن طائفة من السلف كفروا تارك الصلاة، وطائفة من السلف كفروا تارك الزكاة، وطائفة من السلف كفروا تارك الصوم، وطائفة من السلف كفروا تارك الحج، فمن قال: إن هذا قول لطائفة من السلف فقد أصاب، وإن اختار هذا القول فقد اختار ما أداه إليه اجتهاده، وهذه المسألة مما يسوغ فيه الاجتهاد والاختلاف، وإن كان هذا القول ليس راجحًا.
ولكن الذي يقصد إلى التنبيه إلى الغلط فيه: من يقول إن هذا إجماع ..
فهذا القول حقيقةً غريب؛ لأنك لا تجد في الكتب أبدًا أحدًا حكى الإجماع على أن ترك الزكاة أو الصوم أو الحج كفر بإجماع الأئمة، إنما الذي نقل فيه أحرف الإجماع هو الصلاة، وأما ما دون ذلك فلا، وقد نبهت في شرح حديث الافتراق إلى أن مذهب السلف لا يجوز أن يؤخذ بالفهم، إنما مذهب السلف يعتبر بنقل الإجماع، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن حصل مذهب السلف بالفهم فهذا طريقة أهل البدع ومن شاركهم فيها من أصحابنا من الفقهاء، إنما مذهب السلف هو الإجماع المتحقق أو الإجماع المستفيض بحروفه".
4 / 21