غير أن هذه الشروح لم تصل إلينا جميعها، ضاع جلها عبر الحقب والقرون، أو علي الأقل لا يعرف مكانها حتى الآن. إن ما وصل إلينا من مخطوطات هذه الشروح يعد ضئيلا بالقياس إلي ما خلفه العلماء من شرح هذا الاختيار، ومع ذلك فإن رحلة فك أسر هذه المخطوطات التي وصلت إلينا وإخراجها للقراء قد سارت بطيئة، بدأت في القرن الماضي عند المستشرق «غيورنغ ولهلم» الذي أخرج شرح التبريزي المتوسط محققا سنة ١٨٢٨ م، ثم تلاه شرح المرزوقي الذي حققته لجنة التأليف والترجمة والنشر بعناية أحمد أمين وعبد السلام هارون في سنة ١٩٥١ م.
ومع قيمة هذين الشرحين من شرح المادة الشعرية التي ضمها ديوان الحماسة، فإن هناك شروحا مخطوطة متناثرة في مكتبات العالم، بعضها فك أسرة بالتحقيق في رسائل جامعية لم تصل بعد إلي أيدي القراء، وبعضها لا يزال ينتظر دورة في خدمة أهل البحث العلمي.
وهذا الشرح الذي نقدم له بهذه الكلمات يعد ثالث شرح من عمل القدماء يخرج للقراء بعد شرحي المرزوقي والتبريزي السالفي الذكر، وهو شرح قام الترجيح علي أنة لأبي القاسم زيد بن علي الفارسي المتوفى بطرابلس الشام عام ٤٦٧ هـ.
لقد كانت دراسة هذا الشرح وما قمنا فيه من تحقيق جزءا من رسالة جامعية تقدمنا بها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وهي رسالة جاءت في كتابين: أحدهما «الموازنة بين شروح حماسة أبي تمام إلي نهاية القرن السادس الهجري» والآخر دراسة ها الشرح وتحقيقه.
وإذا كانت ظروف الطباعة قد أتاحت للكتاب الأول «الموازنة بين الشروح» أن يري النور قبل هذا الكتاب فإن هذا الأخير له من الفضل والقيمة ما يدركه كل قارئ له، ولعل فضلة وقيمتة- بالنظر إلي شرحي المرزوقي والتبريزي المطبوعين- يبدوان من منهج صاحبة، وهو منهج اختصاري تسهيلي يختلف عن منهج المرزوقي «الإبداعي الفني» ومنهج «التجميعي الإنتخابي»، إنه منهج يقدم للقارئ المعلومات المختلفة التي أثارها العلماء السابقون للشارح حول النص
2 / 4