حكم الفرق المخالفة لأهل السنة
بهذا يتبين أن هذا الحديث ليس فيه زيادة في حكم المخالفين للسلف؛ فإن قوله ﷺ: (كلها في النار إلا واحدة) لا يراد به عند السلف أن جميع من خالفهم يكون من أهل النار أو من أهل الوعيد جزمًا، وإنما هذا من أحاديث الوعيد العامة، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا﴾ [النساء:١٤]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء:١٠] وقوله ﵊: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار) وقوله في حديث ابن مسعود: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر) وغيرها من النصوص.
فهذا الحديث فيه بيان لكون المفارقة للسنة والجماعة من موجبات الوعيد، فإن من فارق السنة والجماعة لابد أن تكون مفارقته في الجملة عن تفريط منه، ولا شك أن المفرط يكون تاركًا لواجب من الواجبات، ومن ترك واجبًا من الواجبات أو قصر فيه فإنه يكون معرضًا لوعيده ﷾، وهذا لا يمنع أن يكون بعض من انتحل البدع وطرق أهل الأهواء على قدر من الزندقة والكفر والخروج من الملة، وهذا مقام آخر.
المقصود: أن حكمه ﵊ -إن ثبت هذا الحرف عنه- على جميع هذه الفرق أنها في النار إلا واحدة، وهي الفرقة الناجية، لا يراد به التعيين، لا للطوائف ولا التعيين -من باب أولى- للأعيان.
بل يقال: هذا وعيد؛ لأن من فارق السنة والجماعة لابد أن تكون مفارقته بسبب قدر من التفريط في الجملة، والمفرط تارك لواجب، والتارك للواجب العلمي من جنس التارك للواجب العملي، بل تركه للواجب العلمي أشد من ترك الواجب العملي، ولهذا كان السلف يعدون جنس البدع أعظم من جنس المعاصي والكبائر العملية.
هذا هو المراد من هذا الحرف، وهو مرادٌ لا ينبغي أن يختلف فيه، ومن فسر الحديث بأن هذا حكم على أصحاب هذه الطوائف بأنهم من أهل النار وأنهم كفار، أو أنهم من أهل التخليد في النار، أو عيّن طائفة الخوارج، أو طائفة المعتزلة، أو الأشعرية أو غيرها بأنها من أهل النار؛ لأن النبي ﷺ قال: (كلها في النار) فهذا فهم غلط لكلامه ﷺ، وهذا لا يمنع أن أهل البدع المغلظة، قد يقع في أعيانهم من هو من أهل الكفر، والزندقة والخروج من الملة، فهذا مقام آخر له قدر من الثبوت كما ذكره الأئمة ﵏، وكما هو المعروف في الواقع التاريخي لبعض غلاة أهل البدع.
إذًا: هذا هو الذي يراد بهذا الحديث، وعليه ترى أن الجملة الثالثة ليست مما اختص به هذا الحديث، فهي معلومة بكليات وبمفصل دلائل الشريعة، فقد دلت دلائل الشريعة على أن أصحاب الكبائر العلمية من جنس أصحاب الكبائر العملية، بل هم أولى في الوعيد من أصحاب الكبائر العملية.
3 / 6