Syarh Fusul Abuqrat
شرح فصول أبقراط
Genre-genre
في بيان الحاجة إلى الإسهال. قد علمت أن البدن * أخذ دائما (1930) في التحلل والتلاشى فهو محتاج إلى رد عوض ما * يتحلل (1931) منه ثم هذا الوارد يجب أن يكون شبيها بالبدن وإلأ لم يخلف * عليه (1932) عوض ما ذهب منه ولم يقم مقامه. والذاهب منه * مركب (1933) فالوارد * مركب (1934) . * ولما كان مركبا (1935) ليس يجب أن يكون * شبيها بالبدن (1936) من جميع * الجهات (1937) لاختلاف نسب PageVW5P049B العناصر * في (1938) المركبات فهو عند وروده علىيه يغتذى بأجود ما فيه وهو ما صلح لتغذيته ويدفع ما لا يصلح منه * لذلك (1939) . فإن كان مقدار المندفع يسيرا وقوامه لطيفا وقوة الدافع قوية وصاحب القوة كثير الرياضة تحلل وخرج عن البدن وسلم من نكايته. وإن تخلف بعضها أو أكثرها اجتمع على * مر (1940) الأيام شيئا فشيئا. فتارة يحتال في إزالة ذلك بتقليل الغذاء * أو تلطيفه (1941) . فإن كفى ذلك * فليستعمله (1942) وإلا أعينت الطبيعة المدبرة للبدن على دفعة وإخراجه * ودثره (1943) بالدواء المسهل. * فهذا (1944) وجه الحاجة إلى استعمال الدواء * المسهل (1945) ، * ولذلك (1946) قال أبو سهل المسيحي: الإسهال هو إخراج ما زاد من الأخلاط الثلاثة على النسبة الطبيعية. وقد حققنا هذه النسبة في شرحنا لكليات القانون.
البحث الرابع
في بيان وقت استعمال المسهل. اعلم أن الأطباء مخنلفون في هذا الوقت. أما أبقراط فقد صرح به في هذا الفصل وهو عند ظهور النضج إلا أن يكون المرض مهتاجا. وبه قال * الفاضل (1947) جالينوس أما في شرح هذا الفصل فإنه قال إذا كانت المواد قد رسخت في عضو من الأعضاء فلا ينبغي أن تحرك بشيء من العلاج ولا تستفراغ بالدواء المسهل حتى ينضج فإنها إذا نضجت كانت الطبيعة معينة لها على استفراغها. وقال في كتاب إغلوقون: وأما الذين يستعملون الأدوية المسهلة في أول المرض وقبل النضج فإنها كثيرا ما تكون الربع ربع واحدة فيصيرونها ربعين وربما صارت أعظم من ذلك وما سبب * هذه (1948) إلا استعمال المسهل قبل النضج. وبهذا PageVW1P021B قال الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا على ما سنوضحه وجمهور المتأخرين والحق يؤيده فإن المواد متى لم تكن مطاوعة للخروج والدفع استعصت على الطبيعة والدواء المسهل وقوامتها في ذلك لأن مطاوعتها إنما تكون باعتدال قوامها فإن الرقيق على ما عرفت يداخل جرم العضو ويتشربه والغليظ يرسب في العضو ولم يطاوع في الخروج واللزوح يستمسك به. وأما محمد بن زكريا الرازي فإنه يرى استعماله متى دعت * الحاجة (1949) إليه * سواء (1950) كانت المواد ناضجة أو لم تكن فإنه قال: اعلم أن هذا الفصل قد أضل جماعة من الأطباء لأن أبقراط أمر * فيه (1951) أن لا يعطى المسهل في ابتداء العلة وضرر ذلك لا شك أنه عظيم. فإن * أحوج (1952) ما تكون الطبيعة إلى * معونة (1953) الطبيب بإخراج الفضل قبل استيلائها عليه بالإنضاج. فإن الطبيعة إذا أنضجت المادة استغنت عن معونة الطبيب والمسهل في هذا الوقت * ضار (1954) لإنهاك القوة. ومراد أبقراط بما ذكره مواد الأورام الراسبة لا أخلاط الحمى المنبثة في العروق. فإنه إن فهم * هكذا (1955) * لزمته (1956) المناقضة في كلامه فإنه قال في ثانية هذا الكتاب: PageVW5P050A ما دام المرض في ابتدائه فإن رأيت إن تحرك شيئا * فحرك (1957) . * وإذا (1958) صار المرض إلى منتهاه فيينبغي أن يستقر المريض ويسكن. قال: والأصوب عندي أن لا يؤخر الإسهال متى أختيج إليه لا في المحرقة والغب * فقط بل (1959) وفي البلغمية والسوداوية إذا لم * يكونا (1960) عن أورام. قال: وقد جربت ذلك فوجدته ظاهر النفع أو بالضد. واعلم أن هذا القول فيه نظر من وجوه خمسة. أحدها قوله أحوج ما تكون الطبيعة إلى معونة الطبيب قبل استيلائها على المادة نقول إن عنى بهذه المعونة المعونة بالنضج فهو حق وكذلك * إن عنى (1961) به استعمال الملينات. * وأما إن (1962) عنى * بها (1963) الإسهال مما فيه قوة مسهلة فهو حق إن أمكن، وهو عندي كون المرض مهتاجا. وأما * إذا (1964) لم يكن ممكنا فهو باطل، فإن الدواء المسهل ليس جذبه للخلط كيف اتفق بل بشرط أن تكون متهيئ * للخروج (1965) . ولو أمكن انجذاب الخلط بالدواء وواتى في ذلك لسبقه فعل الطبيعة في الدفع. فكما أنه لا يواتي لها في الاندفاع كذلك لا يواتي في الانجذاب. ولذلك * ضربنا (1966) متى * استعملنا (1967) المسهل والمادة تعد نية ضعفت القوة بما يجذب الدواء * مما (1968) تصادفه الأعضاء من الشيء الصالح لتغذيتها وبما يحلله من الأرواح. وثانيها قوله فإن الطبيعة إذا نضجت المادة استغنت عن معونة الطبيب. أقول: إن عنى * بهذا (1969) الاستغناء الاستغناء عن الإنضاج فهو حق، وإن عنى به الاستغناء عن إخراج الفضل * فليس (1970) بحق. فإن القوة المنضجة غير الدافعة فإنه قد يقوى فعل أحدهما ولا يلزم من قوته قوة الأخرى. فلذلك قد يتم بالنضج ولا يكون دفع وحينئذ يحتاج إلى الاستفراغ ليحرك القوة الدافعة وينبهها على إصدار فعلها. ومثال * هذا (1971) في حال الصحة. الفضلات المندفعة إلى * المعاء (1972) * لا شك أنها (1973) * في حال الصحة (1974) متهيئة للاندفاع غير أنها لا يتم اندفاعها إلا بانصباب الصفراء إليها فإنها تهيئها على الدفع. ولذلك احتجنا إلى الحقن * والقبائل (1975) المسهلة في حال المرض عند انضراف المنبه إلى جهة أخرى. وكذلك الحال في جانب المسهل بعد تكميل الطبيعة الإنضاج وتقصيرها في جانب الدفع. وثالثها قوله والمسهل في هذا الوقت ضار * لإنهاكه للقوة (1976) . نقول الدواء المسهل متى استعمل بالمقدار الذي يجب وبالمصلحات الواجبة لم يحصل منه * ضرر (1977) بالقوة البتة وكيف يكون هذا وهو دافع للمادة الغامرة للقوة فإن القوة الهاضمة لما أنضجتها تحلت عنها وبقي تدبيرها عائدا إلى الدافعة غير أنها لم تقوى على دفغها فاحتاجت إلى الدواء المسهل ليعينها على دفعها وإخراجها عن البدن، وإذا كان حاله كذلك كيف يتصور أن يقال إنه ضار بالقوة منهك لها. ورابعها قوله ومراد أبقراط بما ذكره الأورام الرابسة لا الأخلاط المنبثة في العروق. نقول لو أراد ذلك لكان مراده الأمراض التي استثناها ما عدا الأورام من الأمراض المادية وهو لم يقل ذلك بل قال إلا أن يكون المرض مهتاجا. ولا شك أن ما عدا الأورام من الأمراض المادية ليست بمهتاجة بل المهتاجة نوع منها PageVW5P050B على ما سنوضحه. وخامسها قوله إن فهم هكذا لزم المناقضة بقوله في ثانية هذا الكتاب. نقوله: ليس بينهما مناقصة لثلاثة * وجوه (1978) أحدها أن مراده بالدواء المذكور في هذه المقالة المسهل الحقيقي أي فيه قوة مسهلة، وفي الثانية الملين أو المزلق ولذلك صرنا نستعمل الحقن الملينة في مبادئ الأمراض. وثانيها أن يقال قوله فإن * أردت (1979) أن تحرك شيئا * أي (1980) إن رأيت المرض في مبادئه مهتاجا فحرك أي استفرغ مادته قبل * مجيئ (1981) المنتهى فإنه وقت راحة وسكون * أي ليس (1982) يجب فيه اشتغال الطبيعة بشيء البتة. وثالثها أن يقال ليس مراده بالابتداء في الفصل الثاني الابتداء المشهور وهو ما ذكره في هذا الفصل وهو عند كون المادة فجة بل مراده بالابتداء من حين ظهور النضج في المرض إلى منتهاه فإنه قسم مدة المرض PageVW1P022A إلى وقتين وقت جائر فيه استعمال الدواء، وهذا من ابتداء المرض إلى منتهاه ووقت ليس بجائز استعمال * ذلك (1983) فيه وهو من المنتهى إلى آخره. والدليل على صحة ما أوردناه من حمل الابتداء على ذلك الزمان جميعه قوله ما دام المرض في ابتدائه فإن أردت أن تحرك شيئا فحرك ولم يذكر التزيد لأنه في هذا الوقت حكمه حكم الابتداء، بل قال: فإذا صار المرض إلى منتهاه فقسم المرض بحسب ذلك إلى ابتداء ومنتهى لا غير. فدل ذلك على أن زمان التحريك هو جملة الزمان الذي قبل المنتهى وزمان الاستقرار والسكون منه إلى ما بعده. فهذا القدر * كاف (1984) في دفع المناقضة. قال الشيخ الرئيس أبو على ابن سينا في كتاب الرابع من القانون حيث تكلم في علاج الحميات: كان من الواجب على * مثل هذا الرجل أي (1985) الرازي أن يحسن الظن بالأقدمين لا * سيما (1986) أبقراط وجالينوس * ويتأمل (1987) * كلامهما (1988) أفضل تأمل. وأظن * أن هذا الرجل (1989) اتفقت له تجارب * احتجت (1990) في هذا الباب قد ركن إليها وأمثال هذه التجارب التي ليست على القوانين الصحيحة لا ينبغي أن توفق بها ويركن إليها. واعلم أن الحق في هذا الباب مع الشيخ الريئس، وذلك لأن التجربة * إنما (1991) أن يفيد علما إذا تكرر حكمها تكرارا تذعن له النفس وذلك إنما يكون في أشخاص كثيرة وبلاد كثيرة والذي شاهده هذا الفاضل من ذلك أعدادا قليلة. ولو فرضنا أنها * أعداد (1992) كثيرة إلا أنه دال على الجواز. وأما أنه أفضل فلا يدل عليه * فلعل (1993) * أولائك القوم (1994) الذين شاهدهم لو * انتظروا (1995) النضج كان علاجهم * أفضل (1996) ورجوع قوتهم إليهم أقرب فإنه ربما حرك الدواء المادة ولم تطاوع في الخروج لعدم مواتآتها لذلك وعند ذلك بزداد حجمها بالحركة الموجبة للخلخلة أو باستحالتها غيرها * إليها (1997) .
البحث الخامس
قال ابن إبي صادق: إذا كان الفضل ساكنا ينبغي أن ينقص وإن كان سانحا في تجويف العروق كما هو عليه حال المواد التي لا ورم معها فليستفرغ في أي وقت احتيج إليه ولا يلتفت إلى أمر النضج. وهكذا يفعل إن كان قد خرج عن العروق إلا أنه غير محتاج إلى النضج . * وأما (1998) إذا كان راسخا في العضو وهو لا يجيب إلى الاستفراغ إلا بعد * أن ينضج (1999) * فليقدم (2000) النضج أولا لأنه متى استعمل PageVW5P051A فيه الاستفراغ قبل النضج خرج ما هو الألطف * ويبقى (2001) * الأغلظ (2002) لا * يواتي (2003) النضج بعده ولا الاستفراغ بسهولة. وهذا هو حال الأورام الراسبة في الأعضاء وفي مرض النقرس والصرع. وهذا هو الذي عناه أبقراط في هذا الفصل لا غير. ثم قال: وأقول إن المتقدمين إنما أخروا استعمال المسهل في الحميات لأنهم لم يجدوا الأدوية التي * تستفرغ (2004) من غير تسخين. ما نجده نحن اليوم من ضروب * الاهليلجات (2005) والتمرهندي * والبنفسج (2006) * والرنجبين (2007) * والشيرخشك (2008) إذ ليس يوجد لأمثال هذه الأدوية ذكر في كتبهم، بل صاروا مدفوعين إلى استعمال أدوية تسخن جدا ولحوم المحمومين قبل الرابع عشر حارة شديدة الحرارة * فهي (2009) تجذب الدواء يسرعة إلا أن يكون بالدواء * من القوة (2010) حيث لا يقدر البدن على جذبه ومثل هذا الدواء يجذب جذبا قويا ويفعل من الإسهال ما لا يؤمن معه أن * يصيبهم (2011) * التشنج (2012) . فإن نحو من ذلك ركبتهم الحمى بعد ذلك بأكثر ما كانت. فلذلك لم يكونوا يسقون المحمومين دواء مسهلا إلأ عند الاضطرار بل كانوا يفزغون في أمثال هذه الأحوال إلى الحقن. وهذا الكلام من هذا الفاضل فيه اعتراف بما قاله الرازي وذهب إليه وعليه ما عليه. فإنه ادعى أن امتناع الأقدمين * من استعمال (2013) المسهل في مبادئ الأمراض المذكورة ليس لعدم النضج في ذلك الوقت بل لعدم ما يسهل ويبرد ويرطب، ومع ذلك ذكره فيه نظر من وجوه أربعة. أحدها أن باب الاصطلاحات مفتوح * فإن (2014) جالينوس حكى أن امرأة احتاجت * إلى (2015) إسهال، فأعطاها المحمودة مخلوطة بماء الشعير وأيضا تصلح بالكافور وغير ذلك من المصلحات التي لم تخف * عن (2016) الفاضل جالينوس. فلو كانوا * يرون (2017) باستعمال المسهلات في مبادئ الأمراض ولم يجدوا منها ما ذكره ابن أبي صادق استعملوا الموجود منها مع * ما (2018) يصلحها وبدفع ضررها وكيف لا والإمام أبقراط قد أشار باستعمال المسهل في مبادئ الأمراض المهتاجة. فلو لم يكن في زمانه ما يسهل مواد هذه الأمراض من غير زيادة في حرارتها لم يأمر باستهمالها. وثانيها أن * ديسقوريدس (2019) قد ذكر البنفسج في كتابه وذكر منافعه فمثل هذا الدواء يبرد ويرطب ويسهل. فإذا أضيف إليه ما يسهل وهو حار كالمحمودة لم يضر استعماله. وبالجملة فالمصلحات كثيرة. وثالثها أنه ليس جميع الحميات مما يمنع فيها استعمال ما يسهل ويسخن فإن الحميات البلغمية والسوداوية محتاجة إلى ذلك. ورابعها اعتقاده أن الحقن تقوم مقام الدواء المسهل حتى * عري (2020) الأمر إلى المتقدمين.
البحث السادس
في تحقيق القول في النضج. قال الرازي: النضج عبارة عن ترقيق المادة. وهذا خطأ فإن المادة متى كانت * كذلك (2021) تشربها العضو وداخلت أجزاؤه وحينئذ تستعصي على الطبيعة في الخروج. وقد ألزمه الشيخ الرئيس في الكتاب الرابع من القانون حيث تكلم في معالجة الحميات بوجه حسن وحاصله أنه يوافقنا * على (2022) أن ظهور النضج * إنما (2023) يظهر * لنا (2024) برسوب الثفل في * أسفل (2025) القوارير. ولا شك أن مادة الحميات الصفراوية على * مذهبه (2026) ناضجة لأنها رقيقة فكان من الواجب أن يظهر الرسوب في قوارير الحميات الصفراوية في مبادئها. والوجود بخلافه وليس لهذا علة إلأ أنها في مبادئ الأمر لما كانت * فجة (2027) لم يظهر الرسوب. ثم لما نضجت ظهر، فالنضج ليس هو عبارة عن ترقيق قوام المادة بل عبارة عن PageVW1P022B اعتدال قوامها المؤاتي للدفع. ولو لم تكن رقة القوام مانعة من الدفع * لعدم النضج (2028) لما تخلف النفث قي ذات الجنب عن أول يوم ولا في النزل والزكام. وقال أبو سهل المسيحي في الكتاب الحادي * والخمسين (2029) من كتابه: النضج عبارة عن استيلاء القوة المغيرة * على (2030) مادة المرض وإعدادها على نحو تمكن القوة الدافعة دفعها؛ وهذا تعريف جيد. وقال الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا في * طبيعيات (2031) الشفاء: النضج هو إحالة من الحرارة * للجسم (2032) ذي الرطوبة إلى موافقة الغاية المقصودة. قال بعضهم: والواجب أن يقال الحرارة الغريزية فإنها هي الآلة * للنضج (2033) ؛ * وهذا خطأ (2034) . فإن النضج ينقسم إلى * نوعين (2035) : طبيعي وصناعي. * ولا شك أن الصناعي (2036) ليس البتة * للحرارة (2037) الغريزية فيه مداخلة بل النارية. والطبيعي على نوعين: نضج ما يحتاج إلى جذبه وهو نضج الغذاء ونضج ما * يحتاج (2038) إلى دفعه وهو يضج الفضل * والاسم (2039) الخاص بالغذاء الهضم وبالفضل النضج. وقال ابن أبي صادق في شرح المسائل الكبير: النضج عبارة عن تهيئة المادة للاندفاع. وذلك * بترقيقها (2040) إن كانت غليظة أو بتغليظها إن كانت رقيقة أو * بقطيعها (2041) إن كانت لزجة.
البحث السابع
قوله إنما ينبغي أن يستعمل الدواء والتحريك بعد أن بنضج المرض، اعلم أن لفظة إنما * هي (2042) للحصر. ولما كان للحق عند الإمام أبقراط أن استعمال الدواء لا يجوز قبل النضج بل بعده، حصر هذا الأمر وقال لا يجوز أن يستعمل الدواء المسهل قبل النضج البتة إلا في صورة مخصوصة وهو عند كون المرض مهتاجا حادا. واعلم أن ما ذهب إليه الرازي وهو أن استعمال الدواء المسهل في مبادئ الأمراض واجب ينفرغ عليه أصل فاسد يبطل جميع ما ذكرنا من أحكام التعذية بحسب مرتبة المرض. وذلك لأن الإمام أبقراط إنما أوجب تقليل الغذاء وتلطيفه في مبادئ الأمراض لتقبل الطبيعة PageVW5P052A على إنضاج مادة المرض إقبالا تاما. وهذا إنما يأتي باستعمال ما ذكرتا. وإذا كان لا يجب النضج فلا حاجة إلى تقليل الغذاء وتلطيفه. وأبقراط قد أطلق لفظة النضج على المرض وفيه مسامحة في العبارة فإن الناضج في الحقيقة هو المادة الموجبة له لكن لقائل أن يقول: النضج المعتبر في الإسهال والتحريك لا يخلو إما أن يكون هو النضج الكامل أو لا يكون. فإن كان الأول فهو باطل لأن النضج * الكامل كائن (2043) في المنتهى، وذلك وقت سكون لا وقت حركة على ما ذكره الإمام أبقراط في ثانية هذا الكتاب وهو قوله: وإذا بلغ المرض منتهاه فينبغي أن يستقر المريض ويسكن. وإن كان الثاني لزمه عصيان المادة بقدر ما فيها من النهوة * (2044) والفجاجة. وأيضا فإن * هذا (2045) يخالف ما قاله في هذا الفصل. وجوابه الذي يظهر لنا من كلام أبقراط أن المسهل لا يستعمل بعد النضج الكامل لأنه بعد المنتهى وهو وقت سكون لا وقت حركة على ما ذكره فيما بعد. وبيان ذلك أن الدواء إنما يستعمل لإعانة الطبيعة على إخراج ما يؤذيها فمتى لم يكن لها أثر في المادة يعلم به استيلائها لم يقدر على استعمال ذلك خوفا من تحريكها مع عدم ظهور ما يدلنا على استيلائها. فلا يؤمن من أن يكون بالمادة من الشدة والكثرة والاحتباس بحيث يعجز المسهل لذلك عن إخراجها فيحركها ولا يندفع لأن الدافع للأخلاط بالحقيقة هو * القوة (2046) المدبرة للبدن وهي غير مستولية بوجه من الوجوه، فيحدث من ذلك بلاء عظيم. ولذلك متى استعمل المسهل في أول المرض قد لا يخرج شيئا من الأخلاط؛ وإن أخرج فيكون نززا. ومع ذلك يعقبه أعراض رديئة إلى الغاية على ما دل عليه الاستقراء الطبي. وأما متى كانت مستولية عليه فإن كان لها كمال الاستيلاء فلا حاجة إلى المعين لأن المعين إنما يحتاج إليه في حال تقصير الفاعل عن بلوغ أثره ومثل هذا الوقت وقت المنتهى ولا كذلك يكون الأمر عليه فيما قبله. وذلك لأن الطبيعة وإن كانت مستولية في هذا الوقت غير أنه ليس لها كمال الاستيلاء. فلذلك يحتاج في مثل هذا الوقت إلى معين يعينها على إخراج المادة لتخف عليها المؤونة. وما قيل إنه لو أخرج النضج الذي لو بقي على مخالطة غير النضج أعان على نضجه وإجراجه قولا غير صحيح. فإن الطبيعة لا ينضج جزءا من المادة دون جزء بل فعلها في الكل فعلا متشابها. فإن قيل إن بعض النضج لا يكفى في إخراج مواد الأورام لأنها مستقرة مداخلة لخلل العضو ولا يكفى فيه إلأ كماله فإن الورم لا يخرج الخلط منه ما لم يكن قوامه في غاية المطاوعة وذلك بالنضج الكامل. فنقول: إن الدواء يخرج من * الأخلاء (2047) التي في العروق لكن ليس من جميعها فإن العروق الشعرية لا تصل PageVW5P052B قوة الدواء إليها لبعدها عن مورد الدواء. وإذا كان كذلك فأخلاط الورم إما في هذه العروق وإما في الأفضية التي بينها وبين اللحم وعلى كلي التقديرين فالدواء لا يجذبها ولا يصل إليها وإنما يستفرغ من مواد الأورام ما من شأنه أن * ينحدر (2048) إلى أماكنها ويزيد فيها * وإما (2049) في الأعضاء الوارمة أنفسها فلا سبيل إلى إخراجه إلا بعد إنضاج * الطبيعة (2050) له على ما هو عليه الآن من مداواة الأورام فإن المادة إذا قاحت أخرجت من نفس الورم بالبط ثم بالعصر ثم بالفتائل وحينئذ يلتحم الورم ويتحلل ما يبقى بعد ذلك بالمحللات على ما شهد به الاستقراء الطبي.
البحث الثامن
Halaman tidak diketahui