Sharh Fath al-Majid by al-Ghunayman
شرح فتح المجيد للغنيمان
Genre-genre
فضيلة هذه الأمة كمًا وكيفًا
[التاسعة: فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية].
أما الكمية فمعناها الكثرة، وهذا مأخوذ من قوله: (ولكن انظر إلى الأفق)، والأفق هو أنك إذا التفت يمينًا أو شمالًا أو أمامك أو خلفك رأيت السماء.
فقيل له: انظر إلى الأفق.
ثم قيل له: انظر إلى الأفق الآخر فكلما نظر إلى جهة إذا بالرجال قد سدوا الأفق من كثرتهم، فهذه الكمية، أما الكيفية فلأن فيهم السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
وقد جاءت أحاديث جيدة الإسناد في أن مع كل ألف سبعين ألفًا، فيكون العدد أكثر، وجاء في أحاديث أخرى فيها ضعف أن مع كل واحد سبعين ألفًا، فتصبح سبعين ألفًا مضروبة في سبعين ألفًا، فيكون هذا عددًا كبيرًا جدًا، وجاء ما هو أكثر من هذا، وهو أن الصحابة قالوا لرسول الله ﷺ لما قال ذلك: (ألا استزدت ربك يا رسول الله؟ قال: بلى.
استزدته فزادني بأن أعطاني ثلاث حثيات من حثياته جل وعلا.
فقال قائل: ألا استزدته يا رسول الله؟ فقال عمر: حسبك، إذا شاء ربنا جل وعلا أدخل عباده كلهم بحثية واحدة من حثياته، قال ﷺ: صدق عمر)، والحديث فيه ضعف، ولكن فضل الله واسع جل وعلا.
وهذه الأمة هي أفضل الأمم على الإطلاق، غير أنه لا يلزم من كونها أفضل الأمم أن تكون السابقة منها؛ لأنه جاء في سورة الواقعة لما ذكر الله جل وعلا السابقين قوله تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة:١٤]، و(الأولون) لا يطلق على الأمة هذه، ولهذا يقول المفسرون: (ثلة من الأولين) يعني: من الأنبياء السابقين وأتباعهم.
وجاء في سورة آل عمران قوله جل وعلا: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران:١٤٦]، وهذا يدل على فضلهم وعلى كثرتهم أيضًا.
والمقصود أن هذه الأمة في الجملة أفضل من غيرها إطلاقًا، ولا يلزم أن تكون أفضل من الكل مطلقًا، فإنه يوجد في الأمم السابقة من هو أسبق إلى الجنة وأحسن سابقة، ولكن بالنسبة إليهم فقط لا بالنسبة للأمة هذه، أما من يلي هذه الأمة في الصفات فهم بنوا إسرائيل، ولهذا ظن الرسول ﷺ لما رأى بني إسرائيل أنهم أمته لكثرتهم، فقيل له: هذا موسى وقومه.
فهذا يدل على فضيلتهم، وقد قال الله جل وعلا فيهم: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الدخان:٣٢]، وقوله: (على العالمين) يعني: عالمي زمانهم، فقد فضلوا عليهم، فهذا يدل على فضلهم في الجملة أيضًا.
18 / 11