وقد تستعمل عند بعدة معان، فتكون بمعنى الحضرة كقولك: عندي زيد، وبمعنى المَلَكَة كقولك: عندي مال، وبمعنى الحكم كقولك: زيد عندي أفضل من عمرو أي في حكمي، وبمعنى الفضل والإحسان كما قال ﷾ إخبارًا عن خطاب شعيب لموسى ﵉: ﴿فإن أتممت عشرًا فمن عندك﴾ أي من فضلك وإحسانك.
ــ
وهذا هو الذي جر المصنف لإبقائه "عند" على معناها الأصلي، ثم تأويلها بالمكان وهو وجه آخر لكنه لا ينبغي ارتكابه، لأنه لو أريد به لفظه لم يكن فيه تكلف ولا ضرورة، وذلك في البيت الذي ذكره أظهر، وأما في بيت "أبي الطيب" فالمعنى أن اللفظ والعبارة لا تفي بها وهو أشبه بمواقع أنظاره.
وقال "الأزهري" في "تهذيبه": قال "الليث": "عند" حرف صفة يكون موضعًا لغيره وهو في التقريب شبه اللزق ولا يكاد يجيء في الكلام إلا منصوبًا لأنه لا يكون إلا صفة معمولًا فيها أو مضمرًا فيها فعل، إلا في حرف واحد وذلك أن يقول القائل لشيء بلا علم: هذا عندي كذا وكذا فيقال: أو لك عند؟ فيرفع، وزعموا أنه في هذا الموضع يراد به القلب وما فيه من معقول اللب، قلت: وأرجو أن يكون ما قاله "الليث" قريبًا مما قاله النحويون اهـ، فتأمله فإنه جدير بالتأمل لخفائه.