المثل: ليس أوان يكره الخلاط. يقول: أسهلت ولم يؤثر الصفا في صدري أثرًا، لا خدشًا ولا خمشًا، والموت كان طمع في، فلما رآني وقد تخلصت بقي مستحييًا ينظر ويتحير. والواو من قوله والموت واو الحال. وهذا من فصيح الكلام، ومن الاستعارات المليحة. وقد حمل قول الله ﷿: " وأنتم حينئذ تنظرون " على أن يكون المعنى تتحيرون. وقد سلك أبو تمام مسلك هذه الاستعارة فقال:
إن تنفلت وأنوف الموت راغمة
ويقال إن الموضع الذي يقع عليه كان بينه وبين الطريق الذي عليه بنو لحيان أميال عدة. وقوله ينظر يجوز أن يكون في موضع الحال ويجوز أن يكون خبرًا بعد خبر. ويكون معناه فى مقابلتي. ويقال: بيوتهم تتناظر، إذا تقابلت، لأن النظر تقليب العين نحو المرئي وفي مقابلته. لذلك صح أن يقال للأعمى: نظر إلي، ويجوز أن يكون معنى ينظر يعلم حسن حيلتي وغنائي فيما يدهمني. وفسر قوله تعالى: " يساقون إلى الموت وهم ينظرون "، أي يعلمون ذلك ويتيقنون. وقوله لم يكدح الصفا قيل الكدح بالأسنان والحجر دون الكدم، ومنه قيل المكدح المكدم في حمار الوحش، لتعضيض بعضها بعضًا. وقوله خزيان يجوز أن يكون من الخزي: الهوان، ويجوز أن يكون في الخزاية: الاستحياء.
فأبت إلى فهم ولم أك آيبًا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
يقول: رجعت إلى قبيلتي فهم، وكدت لا أؤوب، لأني شافهت التلف. ويجوز أن يريد: ولم أك آيبًا في تقديرهم وظنهم. واختار بعضهم أن يروى: فأبت إلى فهم وما كدت آيبًا وقال: كذا وجدته في أصل شعره. قال: ومثله في أنه رد إلى الأصل ووضع اسم الفاعل موضع الفعل قول الآخر:
أكثرت في العذل ملحًا دائمًا ... لا تكثرن إني عسيت صائما
1 / 63