267

Sharh Aqidah Tahawiyya

شرح العقيدة الطحاوية

Editor

أحمد شاكر

Penerbit

وزارة الشؤون الإسلامية

Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤١٨ هـ

Lokasi Penerbit

والأوقاف والدعوة والإرشاد

بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، فَيَكُونُ مَوْجُودًا إِمَّا دَاخِلَهُ وَإِمَّا خَارِجَهُ. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، فَلَزِمَتِ الْمُبَايَنَةُ.
وَأَمَّا ثُبُوتُهُ بِالْفِطْرَةِ، فَإِنَّ الْخَلْقَ جَمِيعًا بِطِبَاعِهِمْ وَقُلُوبِهِمُ السَّلِيمَةِ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَيَقْصِدُونَ جِهَةَ الْعُلُوِّ بِقُلُوبِهِمْ عِنْدَ التَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا جَعْفَرٍ الْهَمَذَانِيَّ حَضَرَ مَجْلِسَ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ الْمَعْرُوفِ بِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ فِي نَفْيِ صِفَةِ الْعُلُوِّ، وَيَقُولُ: كَانَ اللَّهُ وَلَا عَرْشَ وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا كَانَ! فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ: أَخْبِرْنَا يَا أُسْتَاذُ عَنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الَّتِي نَجِدُهَا فِي قُلُوبِنَا؟ فَإِنَّهُ مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ: يَا اللَّهُ، إِلَّا وَجَدَ فِي قَلْبِهِ ضَرُورَةً تَطْلُبُ الْعُلُوَّ، لَا يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، فَكَيْفَ نَدْفَعُ [هَذِهِ] (١) الضَّرُورَةَ عَنْ أَنْفُسِنَا؟ قَالَ: فَلَطَمَ أَبُو الْمَعَالِي عَلَى رَأْسِهِ وَنَزَلَ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَبَكَى! وَقَالَ: حَيَّرَنِي الْهَمَذَانِيُّ حَيَّرَنِي! أَرَادَ الشَّيْخُ: أَنَّ هَذَا أَمْرٌ فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَقَّوْهُ مِنَ المرسلين، يَجِدُونَ فِي قُلُوبِهِمْ طَلَبًا ضَرُورِيًّا يَتَوَجَّهُ إِلَى اللَّهِ وَيَطْلُبُهُ فِي الْعُلُوِّ.
وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ بِإِنْكَارِ بَدَاهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَهُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ، فَلَوْ كَانَ بَدِيهِيًّا لَمَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، بَلْ هُوَ قَضِيَّةٌ وَهْمِيَّةٌ خَيَالِيَّةٌ؟
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَكِنْ أُشِيرُ إِلَيْهِ هُنَا إِشَارَةً مُخْتَصَرَةً، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْعَقْلَ إِنْ قَبِلَ قَوْلَكُمْ فَهُوَ لِقَوْلِنَا أَقْبَلُ، وَإِنْ رَدَّ الْعَقْلُ قَوْلَنَا فَهُوَ لِقَوْلِكُمْ أَعْظَمُ رَدًّا، فَإِنْ كَانَ قَوْلُنَا بَاطِلًا فِي الْعَقْلِ، فَقَوْلُكُمْ أَبْطَلُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُكُمْ حَقًّا مَقْبُولًا فِي الْعَقْلِ، فَقَوْلُنَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا فِي الْعَقْلِ. فَإِنَّ دَعْوَى الضَّرُورَةِ مُشْتَرَكَةٌ، فَإِنَّا نَقُولُ: نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ بُطْلَانَ قَوْلِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ كَذَلِكَ، فَإِذَا قُلْتُمْ: تِلْكَ الضَّرُورَةُ الَّتِي تَحْكُمُ بِبُطْلَانِ قَوْلِنَا هِيَ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ لَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ، قابلناكم بنظير قولكم، وعامة فطر الناس

(١) في الأصل: (بهذه) والصواب ما أثبتناه، كما في إحدى النسخ، وكما في الفتاوى ٤/ ٦١. ن.

1 / 270