189

Sharh Aqidah Tahawiyya

شرح العقيدة الطحاوية

Penyiasat

أحمد شاكر

Penerbit

وزارة الشؤون الإسلامية

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤١٨ هـ

Lokasi Penerbit

والأوقاف والدعوة والإرشاد

شَيْءٍ»، الْحَدِيثَ. وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدِ الْقُدْرَةُ (١)، فَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ (٢). لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ بِقُدْرَتِي مَعَ تَثْنِيَةِ الْيَدِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَقَالَ إِبْلِيسُ: وَأَنَا أَيْضًا خَلَقْتَنِي بِقُدْرَتِكَ، فَلَا فَضْلَ لَهُ عَلَيَّ بِذَلِكَ. فَإِبْلِيسُ -مَعَ كُفْرِهِ - كَانَ أَعْرَفَ بِرَبِّهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ. وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ (٣). لِأَنَّهُ تَعَالَى جَمْعَ الْأَيْدِي لَمَّا أَضَافَهَا إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ، لِيَتَنَاسَبَ الْجَمْعَانِ، فَاللَّفْظَانِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمُلْكِ وَالْعَظَمَةِ. وَلَمْ يَقُلْ: «أَيْدِيَّ» مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْمُفْرَدِ، وَلَا «يَدَيْنَا» بِتَثْنِيَةِ الْيَدِ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ. فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ (٤) نَظِيرَ قَوْلِهِ: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ (٥). وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ رَبِّهِ ﷿: «حِجَابُهُ النُّورُ، وَلَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ». وَلَكِنْ لَا يُقَالُ لِهَذِهِ الصِّفَاتِ إِنَّهَا أَعْضَاءٌ، أَوْ جَوَارِحٌ، أَوْ أَدَوَاتٌ، أَوْ أَرْكَانٌ، لِأَنَّ الرُّكْنَ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، لَا يَتَجَزَّأُ ﷾، وَالْأَعْضَاءُ فِيهَا مَعْنَى التَّفْرِيقِ وَالتَّعْضِيَةِ (٦)، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ (٧). وَالْجَوَارِحُ فِيهَا مَعْنَى الِاكْتِسَابِ وَالِانْتِفَاعِ. وَكَذَلِكَ الْأَدَوَاتُ هِيَ الْآلَاتُ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا فِي جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ. وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي مُنْتَفِيَةٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا لَمْ يَرِدْ ذِكْرُهَا فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. فَالْأَلْفَاظُ الشَّرْعِيَّةُ صَحِيحَةُ الْمَعَانِي، سَالِمَةٌ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ الْفَاسِدَةِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنِ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، لِئَلَّا يَثْبُتَ مَعْنًى فَاسِدٌ، أَوْ يُنْفَى مَعْنًى صَحِيحٌ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ عُرْضَةٌ لِلْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ.

(١) في الأصل: (بالقدرة) والصواب ما أثبتناه، كما في إحدى النسخ. ن. (٢) سورة ص آية ٧٥. (٣) سورة يس آية ٧١. (٤) سورة يس آية٧١. (٥) سورة ص آية ٧٥. (٦) «التعضية»: التقطيع، وجعل الشيء أعضاء. (٧) سورة الْحِجْرِ آية ٩١.

1 / 192