119

Sharh Aqidah Tahawiyya

شرح العقيدة الطحاوية

Editor

أحمد شاكر

Penerbit

وزارة الشؤون الإسلامية

Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤١٨ هـ

Lokasi Penerbit

والأوقاف والدعوة والإرشاد

بِالتَّشَبُّهِ بِأُولِي الْعَزْمِ حَيْثُ قِيلَ لَهُ: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ (١)، فَقَدْ يَقُولُ مَنْ يَقُولُ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ: وَلَيْسَ لِلْأَفْضَلِ أَنْ يَفْخَرَ عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ». فَاللَّهُ تَعَالَى نَهَى أَنْ يُفْخَرَ عَلَى عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَيْفَ عَلَى نَبِيٍّ كَرِيمٍ؟ فَلِهَذَا قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». فَهَذَا نَهْيٌ عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَفَضَّلَ وَيَفْتَخِرَ عَلَى يُونُسَ. وَقَوْلُهُ: «مَنْ قَالَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ»، فَإنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ، فَهَذَا الْكَلَامُ يَصِيرُ نَقْصًا، فَيَكُونُ كَاذِبًا، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ، بَلْ هُوَ تَقْدِيرٌ مُطْلَقٌ، أَيْ: مَنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ كَاذِبٌ، وَإِنْ
كَانَ لَا يَقُولُهُ نَبِيٌّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ (٢)، وَإِنْ كَانَ ﷺ مَعْصُومًا مِنَ الشِّرْكِ، لَكِنَّ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ لِبَيَانِ مَقَادِيرِ الْأَعْمَالِ.
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ ﷺ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، لِأَنَّا لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْلَمَ ذَلِكَ إِلَّا بِخَبَرِهِ، إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ يُخْبِرُنَا بِعَظِيمِ قَدْرِهِ عِنْدَ اللَّهِ، كَمَا أَخْبَرَنَا هُوَ بِفَضَائِلِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ. وَلِهَذَا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا فَخْرَ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَهَلْ يَقُولُ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: أَنَّ مَقَامَ الَّذِي أُسْرِيَ بِهِ إِلَى رَبِّهِ وَهُوَ مُقَرَّبٌ مُعَظَّمٌ مُكَرَّمٌ - كَمَقَامِ الَّذِي أُلْقِيَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ وَهُوَ مُلِيمٌ؟! وَأَيْنَ الْمُعَظَّمُ الْمُقَرَّبُ مِنَ الْمُمْتَحَنِ الْمُؤَدَّبِ؟! فَهَذَا فِي غَايَةِ التَّقْرِيبِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّأْدِيبِ. فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ، لِأَنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّفِ لِلَفْظٍ لَمْ يَقُلْهُ الرَّسُولُ، وَهَلْ يُقَاوِمُ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ عُلُوِّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ خَلْقِهِ الْأَدِلَّةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الْقَطْعِيَّةَ عَلَى عُلُوِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى

(١) سورة الْأَحْقَافِ آية ٣٥.
(٢) سورة الزُّمَرِ آية ٦٥.

1 / 122