Sharh al-Wasiyya al-Kubra by Ibn Taymiyyah - Al-Rajhi
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية - الراجحي
Genre-genre
الإيمان بالكتب والرسل والملائكة مطلوب من جميع الأمم كما هو مطلوب من أمة النبي الخاتم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومثل الإيمان بجميع كتب الله وجميع رسله كما قال تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:١٣٦].
ومثل قوله تعالى: ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ [الشورى:١٥].
ومثل قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة:٢٨٥]].
وهذا فيه بيان الأصل الثالث والرابع من أصول الإيمان.
إذ أن الأصل الأول: هو الإيمان بالله، وهو أعلاها وأفضلها.
والأصل الثاني: الإيمان بالملائكة كما جاء في حديث جبريل: (وملائكته).
والأصل الثالث: الإيمان بجميع الكتب، والإيمان بجميع الرسل، فالإيمان بجميع كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله، والإيمان بجميع الرسل الذين أرسلهم الله إلى خلقه هو الأصل الثالث، والإيمان بالكتب يكون مفصلًا ومجملًا.
فالمفصل: الإيمان بالكتب التي ذكرت في القرآن العزيز أو في السنة المطهرة، نؤمن بها بأعيانها، مثل: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهيم وموسى، فنؤمن بها بأعيانها، وأن لله كتابًا أنزله على موسى بن عمران اسمه: التوراة، وكتابًا أنزله الله على عيسى اسمه الإنجيل، وكتابًا أنزله على داود اسمه: الزبور، وأنزل على موسى صحفًا، وعلى إبراهيم صحفًا.
أما الإيمان بالقرآن فهو إيمان خاص فيه تفصيل: وهو الإيمان بأن القرآن العظيم خاتم الكتب، والمهيمن عليها، والإيمان بأنه أفضلها، ولابد مع ذلك من الإيمان به إجمالًا وتفصيلًا بتصديق أخباره، وتنفيذ أحكامه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والاتعاظ بمواعظة، والانزجار من زواجره، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، وتحكيمه في كل شيء، وهذا إيمان تفصيلي خاص بالقرآن الكريم.
أما ما لم يذكر من الكتب فنؤمن بها إجمالًا، ونؤمن بأن الله تعالى أنزل كتبًا على أنبيائه ورسله، لا يعلم أسماءها وعددها إلا هو ﷾.
قوله: (وجميع رسله) أي: الإيمان بجميع الرسل، وهذا هو الأصل الخامس، وهو الإيمان بجميع الرسل إجمالًا وتفصيلًا، تفصيلًا فيما سمى الله في كتابه، نؤمن بهم بأعيانهم، وهم خمس وعشرون ذكروا في سورتي النساء والأنعام، قال الله تعالى في سورة النساء: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ [النساء:١٦٣].
وقال ﷾ في سورة الأنعام: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:٨٣ - ٨٦].
فهؤلاء مع نبينا ﷺ خمس وعشرون، وكذلك أيضًا ما ورد في السنة نؤمن بهم بأعيانهم، أما ما لم يذكر في الكتاب ولا في السنة فنؤمن به إيمانًا مجملًا، فنؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلًا كثيرين إلى خلقه لهدايتهم وإنقاذهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله ﷾.
ونؤمن بنبينا محمد ﷺ إيمانًا تفصيليًا، وهو الإيمان بأنه رسول الله حقًا، وأن رسالته عامة إلى الثقلين الجن والإنس، وأنه آخر الأنبياء فلا نبي بعده، وأن شريعته خاتمة الشرائع ﵊.
وقد ذكر المؤلف ﵀ أدلة كثيرة كقوله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:١٣٦].
وفيه: دليل على الإيمان بالكتب المنزلة: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة:١٣٦] أي: من القرآن والسنة، ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة:١٣٦] وهذا فيه الإيمان بالكتب المنزلة غير القرآن والسنة، ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:١٣٦].
ومثل قول الله تعالى: ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ [الشورى:١٥]، وهذا عام، فقوله: (كتاب)، جنس يشمل جميع الكتب.
ومثل قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة:٢٨٥]، وقوله: (الإيمان بالملائكة وهو الأصل الثاني) فيجب أن نؤمن بهم تفصيلًا وإجمالًا، تفصيلًا: فيما سمى الله في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ، فنؤمن بجبريل وميكائيل وإسرافيل؛ لأنهم سموا، كما نؤمن بملك الموت، لكن لا نعلم أن اسمه عزرائيل كما يقول بعض العامة، فالله تعالى سماه ملك الموت، ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة:١١]، وممن نؤمن به تفصيلًا كذلك: منكر ونكير، وهما فتانا القبر، ومالك خازن النار، وما لم يسم فإننا نؤمن به إيمانًا مجملًا.
2 / 3