259

Sharh al-Tadmuriyyah - Nasser al-Aql

شرح التدمرية - ناصر العقل

Genre-genre

وقوع الغلط من المشركين في قولهم: إن الله واحد في صفاته لا شبيه له
قال رحمه الله تعالى: [وكذلك النوع الثاني، وهو قولهم: لا شبيه له في صفاته، فإنه ليس في الأمم من أثبت قديمًا مماثلًا له في ذاته، سواء قال: إنه يشاركه، أو قال: إنه لا فعل له، بل من شبه به شيئًا من مخلوقاته فإنما يشبهه به في بعض الأمور.
وقد علم بالعقل امتناع أن يكون له مثل في المخلوقات، يشاركه فيما يجب أو يجوز أو يمتنع عليه، فإن ذلك يستلزم الجمع بين النقيضين كما تقدم، وعلم أيضًا بالعقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما فلابد بينهما من قدر مشترك، كاتفاقهما في مسمى (الوجود) و(القيام بالنفس) و(الذات) ونحو ذلك، فإن نفي ذلك يقتضي التعطيل المحض، وأنه لابد من إثبات خصائص الربوبية، وقد تقدم الكلام على ذلك].
عادة الشيخ أن يضرب أمثلة في مثل هذا المقام وإن كانت بدهيات؛ لأنه بالأمثلة يفهم السياق لاسيما في هذه الأمور الصعبة.
قوله: (قد علم بالعقل امتناع أن يكون له مثل في المخلوقات) أي: بعقل كل عاقل يحترم عقله، وإن لم يكن مسلمًا.
وقوله: (يشاركه فيما يجب) هذه عبارة فلسفية، فـ (يجب) بمعنى: يلزم بداهة، وليس الوجوب وجوب الأمر الشرعي كما يفهم في الأحكام الشرعية، وإنما (يجب) بمعنى: يلزم فيما تقرره العقول بالشكل البدهي، فمثلًا: ليس لأحد أن يزعم أن هناك أحدًا يشارك الله ﷿ فيما يجب له من خصائص، ككونه ﷿ (الأول) فليس قبله شيء، إذ إن عدم الإقرار بها يؤدي إلى التسلسل، وإلى الممنوع عقلًا، وكذلك (الآخر) الذي ليس بعده شيء، وهذا يمتنع أن يكون له مثل من المخلوقات؛ لأنه لو كان له مثل ما صرح له إذا كان مخلوقًا، فمعناه: أنه مبدع محدث، وكون المحدث لابد له من بداية.
وقوله: (أو يجوز) ليس معناه: أنه جائز شرعًا، بل هو بمعنى: يحتمل، فيقر به العقل ولو لم يكن، كالرؤية لله ﷿، فالعقل السليم لا يمنع أن الله يرى، لكن يمنع أن تكون عند البشر قدرات أن يروه في الدنيا، والله ﷿ سيهيئ للبشر قدرات يوم القيامة ليروه.
إذًا: هذا مثال للجواز، فكل موجود يجوز أن يرى، بمعنى: يحتمل أن يرى، لا أن (يجوز) بمعنى: يصلح شرعًا، بل هنا (يجوز) بمعنى: يحتمل أن يقع، أو يتوقع وقوعه، وهذا يقبله العقل ولو لم يحدث، ولو كان مستحيلًا حدوثه بناء على موانع أخرى، لكن كل موجود موصوف يسمى يمكن أن يرى.
وقوله: (أو يمتنع) كالموت، فهذا ممتنع عقلًا، أي: أن كل حي لابد أن يموت، ويبقى حي لا يموت، وهو الله ﷿؛ لأنه من يقدر الموت.
إذًا: هذه بدهيات فيما يجب، فكونه ﷿ الأول والآخر لا يشاركه فيه أحد فيما يجوز أن يمكن كالرؤية، أو يمتنع كالموت.

25 / 4