Sharh Al-Qawa'id Al-Sab' Min Al-Tadmuriyyah
شرح القواعد السبع من التدمرية
Genre-genre
عامة الأمم لم يصفوا الله بالنقائص المطلقة
قال المصنف ﵀: [فسبح نفسه عما يصفه المفترون المشركون]
عامة الأمم لم يصفوا الله بالنقائص المطلقة؛ بل كانوا مقرين بأن الله هو رب العالمين، وأنه بديع السماوات والأرض، ويقرون بأصل الربوبية إقرارًا مجملًا، لكن عرضت لهم بعض المقامات من جنس ما ذكره الله عنهم في القرآن، والأمم التي غلب عليها مقام النقص في حق الباري سبحانه هم اليهود، فإن الله قد ذكر عنهم من تنقيصه ﷾ ما هو معروف، وهذا مذكور في كتاب الله ﷾ في مثل قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة:٣٠] وقوله: ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [المائدة:٦٤] وغير ذلك.
قال المصنف ﵀: [وسلم على المرسلين؛ لسلامة ما قالوه من الإفك والشرك، وحمد نفسه إذ هو سبحانه المستحق للحمد بما له من الأسماء والصفات وبديع المخلوقات].
من طرق استدلال الأئمة على إثبات صفات الله: أن العرب في جاهليتها لما نزل القرآن تكلفوا في دفع ما نزل على النبي ﷺ، وقالوا: ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [النحل:١٠٣] وقالوا عن النبي ﷺ: إنه ساحر، وكاهن، وغير ذلك، ومع ذلك لما نزل القرآن وفيه ذكر للأسماء والصفات لم يعترض أحد من المشركين ويقول: إن هذا مخالف للعقل؛ فدل ذلك على أن باب استحقاق الباري لصفات الكمال، وأن تنزيهه سبحانه عن صفات النقص باب فطري من حيث الأصل، ولكن الشريعة فصلته؛ ولذلك لم يعترض عليه مشركو العرب.
فإن قيل: إن المشركين تكلموا لما قال النبي ﷺ في صلح الحديبية لـ علي ﵁: (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: أما الرحمن فلا أدري ما هو).
فالجواب: أن هذا لا يدل على أنهم كانوا ينفون الأسماء، إنما كان بعض العرب من الجاهليين يقف في هذا الاسم، أو لا يعرف هذا الاسم فينفيه، وهذا لا يدل على أنهم ينفون سائر الأسماء؛ بل كان من الجاهليين من يتسمى بعبد الرحمن، كـ عبد الرحمن الفزاري الذي قتله أبو قتادة الأنصاري في غزوة ذي قَرَد، وقد كان هذا الأمر مألوفًا معروفًا في بعض بوادي العرب ومناطقهم.
فالمقصود: أن كون العرب لما نزل عليم القرآن لم يطعنوا في الأسماء والصفات بحجة المخالفة للعقل، هذا يدل على أن هذه السياقات موافقة للعقل والفطرة، ولو كانت مخالفة لعقولهم أو فطرهم لكان اعتراضهم عليها بالعقل أولى من قولهم عن الرسول قولًا يعلمون سقوطه، وهو قولهم: إنه ساحر، أو كاهن.
فيقول المصنف: إن الآيات السالفة هي من النفي المجمل، مع أنك إذا قرأت السياق وجدت فيه نفيًا مفصلًا، وهذا ليس من باب أنها مقصورة على النفي المجمل، إنما أراد المصنف أن فيها تنزيهًا مجملًا، وإن كان فيها تنزيه مفصل، فالتنزيه المجمل في مثل ذكره ﷾ لتنزيهه عن الولد، حيث بيَّن ﷾ أنه منزه عن الولد وعن كل ما لا يليق به، وهذا معتبر بمراعاة السياق، ومراعاة سياق القرآن فيه حكمة شرعية لازمة لتحصيل المعاني.
ولذلك نقول: إن هذه السياقات لا تُسْتَشكل فيقال: كيف قال المصنف: إنها دلت على النفي المجمل وفيها نفي مفصل؟ وذلك لأن فيها نفيًا مفصلًا، ونفيًا مجملًا، وكل نفي مفصل فإنه يُذكر في مقام رده على جهة التنزيه المطلقة المتضمنة لتنزيهه سبحانه عن هذا النقص المذكور، وعن غيره.
5 / 7