Sharh al-Mufassal
شرح المفصل
Penerbit
دار الكتب العلمية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Lokasi Penerbit
بيروت - لبنان
Genre-genre
Tata Bahasa dan Morfologi
من "لاهَ يَلِيهُ" إذا تستَّر؛ كأنّه، سبحانه، يُسمَّى بذلك لاستتاره واحتجابِه عن إدراك الأبصار؛ وألفُ "لاهٍ" منقلبةٌ عن ياءٍ، يدلّ على ذلك قولُهم: "لَهيَ أبوك"، ألا ترى كيف ظهرت الياءُ لما نُقلت إلى موضع اللام؟ وتُفخَّم اللام تعظيمًا إلاَّ أن يمنع مانعٌ؛ من كسرةٍ، أو ياءٍ قبلها، نحوَ: "بِاللهِ"، و"رأيتُ عَبْدَيِ الله".
وانتصابُ اسم "الله" هنا لِوقوع الحمد عليه؛ وإنمّا قُدّم على العامل فيه لضرب من العِناية والاهتمام بالمحمود، ﷾، والعربُ تُقدِّم ما أَهَمَّ شَأْنُه (١)؛ أعني نحوَ قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (٢)، وأصلُ الكلام: نعبدك ونستعينك، فقُدّم المفعول لضرب من العناية بالمعبود، سبحانه، ولو أتى به على أصله، وقال: "أحمدُ اللهَ"، لَجاز، إلاَّ أنّه يكون خبرًا ساذجًا بلا تخصيص، ولا دلالةٍ على العِناية به.
والحَمْدُ نوعٌ من المَدْح، وهو الثناءُ على الرجل لما فيه من حَسَنِ؛ يقال: حَمِدْتُ الرجلَ أَحْمَدُه حَمْدًا ومَحْمِدَةً، ومَحْمَدَةً، وهو يقارب الشُّكْرَ في المعنى؛ والفرقُ بينهما يظهَر بضدّهما، فضدُّ الحمدِ: الذمُّ، وضدُّ الشكر: الكُفْرانُ؛ وذلك أنّ الشكر لا يكون إلاَّ عن معروف؛ يقال: حمِدتُه على ما فيه، وشكرتُه على ما منه. وقد يوضَع أحدُهما موضعَ الآخر، لتقارُب معنَييهما. وقيل: الحمدُ أعمُّ من الشكر، فكلُّ شكر حمدٌ، وليس كلُّ حمد شكرًا.
وقوله: "على أن جَعَلَني من عُلماءِ العربيَّةِ" أي: صيّرني عالِمًا من عُلمائها.
و"جَعَلَ" هذه تتعدّى إلى مفعولين، ويكون الثاني هو الأولَ في المعنى. ومثلُه قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ (٣). ولـ "جَعَلَ" مواضعُ أُخَرُ؛ تكون بمعنَى "خَلَقَ"، و"عَمِلَ"، فتتعدّى إلى مفعول واحد؛ نحوَ قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ (٤)؛ وتكون بمعنَى التسْمِيَة، كقولك: "جعل حَسَنِي سَيئًا"، وكقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ (٥). وتكون من أفعالِ المُقارَبة، بمعنَى "طَفِقَ"؛ تقول من ذلك: "جعل يقول"، و"أخذ يقول".
و"العُلَماءُ": جمعُ "عالم"، على حدّ: "شاعِر وشُعَراءَ" و"عاقل وعقلاء"؛ ويجوز أن يكون جمعَ "عَلِيم" ها هنا، لأنّ "عليمًا" بمعنَى "عالم"، وهو أبلغُ في الصفة؛ وإنما قلنا: إِنه جمعُ "عالم"، مع قلّةِ ما جاء من جمع "فاعلٍ" على "فُعَلَاءَ"، وذلك من قِبَل أن "عالمًا" و"عليمًا" لُغتان. ويقول: "علماء" مَن ليس من لغته "عليمٌ"، فعُلم بذلك أنّه جمعُ "عالم".
_________
(١) في الطبعة المصريّة: "ما هم ببيانه".
(٢) الفاتحة:٥.
(٣) البقرة: ١٢٤.
(٤) الأنعام: ١.
(٥) الزخرف: ١٩.
1 / 43