============================================================
المرصد الرابع في إثبات العلوم الضرورية متصوره ولكونه محكوما عليه بالانفصال بينه وبين الموجود (و هو (الثابت) لكونه متميزا وهذا الذي ذكره جواب عن الوجهين الأولين وتوضيحه أن يقال: إن أردتم بما ذكرتم في الوجه الأول من أن أجلى البديهيات يتوقف على تصور المعدوم أنه يتوقف على تصور ذات المعدوم، فهو ممنوع وإن أردتم به توقفه على تصور مفهوم المعدوم، فهو مسلم ويلزم حينيذ أن يكون مفهوم المعدوم متميزا وثابتا في الذهن، ولا استحالة فيه إنما المستحيل أن يكون ما صدق عليه مفهوم المعدوم المطلق ثابتا بوجه، وإن أردتم بما ذكرتم في الوجه الثاني من أن أجلى البديهيات يقتضي تميز المعدوم عن الموجود انه يقتضي تميز ذات المعدوم المطلق، حتى يلزم أن يكون ذاته ثابتا بوجه ما منعناه، وإن أردتم به أنه يقتضي تميز مفهوم المعدوم المطلق كما هو الظاهر من عبارتكم سلمناه، فيكون لمفهومه حقيقة وللعقل سلبها، فهناك عدم خاص قد عرض لمفهوم المعدوم مطلقا، وليس في ذلك كون قسم من الشيء قسيما له وإنما يلزم هذا قوله: (فهو ممنوع) لأن الذات لم يقع محمولا.
قوله: (ولا استحالة فيه) إذ اللازم منه أن يكون الشيء متصفا بنقيضه، وذلك متحقق فإن مفهوم اللامعلوم معلوم والوجود معدوم، إنما المحال أن يصدق التقيضان على شيء واحد، وليس للمعدوم المطلق فرد في نفس الأمر حتى يلزم من صدق مفهوم المعدوم عليه في نفس الأمر ثبوته فيه بناء على اتصافه بمفهوم ثبوتي، فيلزم اجتماع النقيضين قوله: (كون قسم من الشيء قسيما له) إذ القسم للعدوم المطلق سلب العدم لا سلب المعدوم، وقيل: لأن العدم ليس قسما من المعدوم المطلق السراد به المعدوم في الذهن، والخارج إذ العدم موجود في الذهن والخارج، ولأن العدم ليس بمعدوم وإلا لزم ثبوت الشيء لنفسه كما مفهوم المعدوم أن في نفس الأمر ذاتا ثبت له هذا المفهوم العدمي، أو ثبت له انتفاء مفهوم الوجود عنه فتأمل: قوله: (وهر الثابت لكونه مميزا) هذا إنما يلزم مذهب القلاسفة وأما الجواب عند المتكلمين النافين للوجود الذهني فهو منع اقتضاء التصور والتميز الثبوت .
قوله: (ولا استحالة فيه إلخ) فيه بحث لأن مفهوم المعدوم المطلق إذا لزم تميزه وثيوته في نفسه، ولا شك في ثبوته لذاته عاد المحذور المذكور، وهو ثبوت المعدوم المطلق لان ثبوته إنما كان لزم من اتصافه بأمر ثبوتي هو التميز، وهو لزوم اتعافه بامر ثبوتي آخر، وكذا الكلام إذا جمل جوابا عن الوجه الثاني، والجواب أن اتصاف ذات المعدوم المطلق بمفهومه على تقدير أن محذور إذ هو فرضي كما قيل: مثله في مسالة المجهول المطلق فلا محذور فتامل.
Halaman 174