Sharh al-Manzuma al-Bayquniyya fi Mustalah al-Hadith
شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث
Penyiasat
فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان
Penerbit
دار الثريا للنشر
Nombor Edisi
الثانية
Tahun Penerbitan
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣م
Genre-genre
متن المنظومة البيقونية
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - أبدأُ بالحمدِ مُصَلِّيًا ... على مُحمَّدٍ خَيِر نبيْ أُرسلا
٢ - وذِي مِنَ أقسَامِ الحديث عدَّة ... وكُلُّ واحدٍ أتى وحدَّه
٣ - أوَّلُها "الصحيحُ" وهوَ ما اتَّصَل ... ْإسنادُهُ ولْم يُشَذّ أو يُعلّ
٤ - يَرْويهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ ... مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلهِ
٥ - وَ"الَحسَنُ" الَمعْرُوفُ طُرْقًا وغَدَتْ ... رِجَالُهُ لا كالصّحيحِ اشْتَهَرَتْ
٦ - وكُلُّ ما عَنْ رُتبةِ الُحسْنِ قَصْر ... فَهْوَ "الضعيفُ" وهوَ أقْسَامًا كُثُرْ
٧ - وما أُضيفَ للنبي "الَمرْفوعُ" ... وما لتَابِعٍ هُوَ "المقْطوعُ"
٨ - وَ"الُمسْنَدُ" الُمتَّصِلُ الإسنادِ مِنْ ... رَاويهِ حتَّى الُمصْطفى ولْم يَبنْ
٩ - ومَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِل ... ْإسْنَادُهُ للمُصْطَفى فَ"الُمتَّصلْ"
١٠-"مُسَلْسَلٌ" قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أتَى ... مِثْلُ أمَا والله أنْبأنِي الفتى
١١ - كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قائِما ... ًأوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا
١٢ - "عَزيزٌ" مَروِيُّ اثنَيِن أوْ ثَلاثهْ ... "مَشْهورٌ" مَرْوِيُّ فَوْقَ ما ثَلاثهْ
١٣ - "مَعَنْعَنٌ" كَعَن سَعيدٍ عَنْ كَرَمْ ... "وَمُبهَمٌ" مَا فيهِ رَاوٍ لْم يُسَمْ
١٤ - وكُلُّ مَا قَلَّت رِجَالُهُ "عَلا" ... وضِدُّهُ ذَاكَ الذِي قَدْ "نَزَلا"
١٥ - ومَا أضَفْتَهُ إلى الأصْحَابِ مِن ... ْقَوْلٍ وفعْلٍ فهْوَ "مَوْقُوفٌ" زُكنْ
١٦ - "وَمُرْسلٌ" مِنهُ الصَّحَابُّي سَقَطْ ... وقُلْ "غَريبٌ" ما رَوَى رَاوٍ فَقطْ
١٧ - وكلُّ مَا لْم يَتَّصِلْ بِحَال ... ٍإسْنَادُهُ "مُنْقَطِعُ" الأوْصالِ
١٨ - "والُمعْضَلُ" السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَان ... ِومَا أتى "مُدَلَّسًا" نَوعانِ
١٩ - الأوَّل الإسْقاطُ للشَّيخِ وأنْ ... يَنْقُلَ مَّمنْ فَوْقَهُ بعنْ وأنْ
٢٠ - والثَّانِ لا يُسْقِطُهُ لكنْ يَصِفْ ... أوْصَافَهُ بما بهِ لا يَنْعرِفْ
٢١ - ومَا يَخالِفُ ثِقةٌ فيهِ الَملا ... فـ"الشَّاذُّ" و"الَمقْلوبُ" قِسْمَانِ تَلا
٢٢ - إبْدَالُ راوٍ ما بِرَاوٍ قِسْمُ ... وقَلْبُ إسْنَادٍ لمتنٍ قِسمُ
1 / 7
٢٣ - وَ"الفَرَدُ" ما قَيَّدْتَهُ بثِقَةِ ... أوْ جْمعٍ أوْ قَصِر على روايةِ
٢٤ - ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أوْ خَفَا ... "مُعَلَّلٌ" عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا
٢٥ - وذُو اخْتِلافِ سنَدٍ أو مَتْنٍ ... "مُضْطربٌ" عِنْدَ أهيْلِ الفَنِّ
٢٦ - وَ"الُمدْرَجاتُ" في الحديثِ ما أتَتْ ... مِنْ بَعْضِ ألفاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ
٢٧ - ومَا رَوى كلُّ قَرِينٍ عنْ أخهْ ... "مُدَبَّجٌ" فَاعْرِفْهُ حَقًّا وانْتَخهْ
٢٨ - مُتَّفِقٌ لَفْظًا وخطًا "مُتَّفقْ" ... وضِدُّهُ فيما ذَكَرْنَا "الُمفْترقْ"
٢٩ - "مُؤْتَلِفٌ" مُتَّفِقُ الخطِّ فَقَطْ ... وضِدُّهُ "مُختَلِفٌ" فَاخْشَ الغَلَطْ
٣٠ - "والُمنْكَرُ" الفَردُ بهِ رَاوٍ غَدَا ... تَعْدِيلُهُ لا يْحمِلُ التَّفَرُّدَا
٣١ - "مَتُروكُهُ" مَا وَاحِدٌ بهِ انفَردْ ... وأجَمعُوا لضَعْفِه فَهُوَ كرَدّ
٣٢ - والكذِبُ الُمخْتَلَقُ المصنُوعُ ... علَى النَّبيِّ فذَلِكَ "الموْضوعُ"
٣٣ - وقَدْ أتَتْ كالَجوْهَرِ المكْنُونِ ... سَمَّيْتُهَا: مَنْظُومَةَ البَيْقُوني
٣٤ - فَوْقَ الثَّلاثيَن بأرْبَعٍ أتَت ... ْأقْسامُهَا ثمَّ بخيٍر خُتِمتْ
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
أما بعد١:
فهذه مقدمة في علم مصطلح الحديث:
المصطلح: علم يعرف به أحوال الراوي والمروي من حيث القبول والرد.
وفائدة علم المصطلح: هو تنقية الأدلة الحديثية وتخليصها مما يشوبها من: ضعيف وغيره، ليتمكن من الاستدلال بها لأن المستدل بالسنة يحتاج إلى أمرين هما:
١ - ثبوتها عن النبي ﷺ.
٢ - ثبوت دلالتها على الحكم.
فتكون العناية بالسنة النبوية أمرًا مهمًا، لأنه ينبني عليها أمرٌ مهم وهو ما كلف الله به العباد من عقائد وعبادات وأخلاق وغير ذلك.
_________
١ قام فضيلة الشيخ رحم الله تعالى رحمة واسعة بمراجعة هذا الشرح بعد تفريغه من الأشرطة فحذف ما لا يحتاج إليه وما تدعو الحاجة إليه فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 11
وثبوت السنة إلى النبي ﷺ يختص بالحديث، لأن القرآن نُقل إلينا نقلًا متواترًا قطعيًا، لفظًا ومعنى، ونقله الأصاغر عن الأكابر فلا يحتاج إلى البحث عن ثبوته.
ثم اعلم أن علم الحديث ينقسم إلى قسمين:
١ - علم الحديث رواية.
٢ - علم الحديث دراية.
فعلم الحديث رواية يبحث عما ينقل عن النبي ﷺ من أقواله وأفعاله وأحواله. ويبحث فيما يُنقل لا في النقل.
مثاله: إذا جاءنا حديث عن النبي ﷺ فإننا نبحث فيه هل هو قول أو فعل أو حال؟
وهل يدل على كذا أو لا يدل؟
فهذا هو علم الحديث رواية، وموضوعه البحث في ذات النبي ﷺ وما يصدر عن هذه الذات من أقوال وأفعال وأحوال، ومن الأفعال الإقرار، فإنه يعتبر فعلًا، وأما الأحوال فهي صفاته كالطول والقِصَر واللون، والغضب والفرح وما أشبه ذلك.
أما علم الحديث دراية فهو: علم يُبحث فيه عن أحوال الراوي والمروي من حيث القبول والرد.
مثاله: إذا وجدنا راويًا فإنا نبحث هل هذا الراوي مقبول أم مردود؟
أما المروي فإنه يُبحث فيه ما هو المقبول منه وما هو المردود؟
وبهذا نعرف أن قبول الراوي لا يستلزم قبول المروي؛ لأن السند قد يكون رجاله ثقاةً عدولًا، لكن قد يكون المتن شاذًّا أو معللًا فحينئذ لا نقبله. كما أنه أحيانًا لا يكون رجال السند يصِلون إلى حد القبول
1 / 12
والثقة، ولكن الحديث نفسه يكون مقبولًا وذلك لأن له شواهد من الكتاب والسنة، أو قواعد الشريعة تؤيده.
إذن فائدة علم مصطلح الحديث هو: معرفة ما يُقبل وما يردّ من الحديث.
وهذا مهمّ بحد ذاته؛ لأن الأحكام الشرعية مبنية على ثبوت الدليل وعدمه، وصحته وضعفه.
1 / 13
شرح المنظومة البيقونية
شرح البسملة
...
قال المؤلف ﵀:
"بسم الله الرحمن الرحيم"
البسملة آية من كتاب الله ﷿، فهي من كلام الله تعالى، يُبتدأ بها في كل سورة من سور القرآن الكريم؛ إلا سورة "براءة" فإنها لا تُبدأ بالبسملة، اتباعًا للصحابة رضوان الله عليهم، ولو أن البسملة كانت قد نزلت في أول هذه السورة لكانت محفوظة كما حفظت في باقي السور، ولكنها لم تنزل على النبي ﷺ، ولكن الصحابة أشكل عليهم، هل سورة "براءة" من الآنفال أم أنها سورة مستقلة؟ فوضعوا فاصلًا بينهما دون البسملة.
والبسملة فيها جار ومجرور، ومضاف إليه، وصفة.
فالجار والمجرور هو "بسم".
والمضاف إليه هو لفظ الجلالة "الله".
والصفة هي "الرحمن الرحيم".
وكل جارّ ومجرور لابد له من التعلق إما بفعل كقام، أو معناه كاسم الفاعل، أو اسم المفعول مثلًا.
فالبسملة متعلقة بمحذوف فما هو هذا المحذوف؟
اختلف النحويون في تقدير هذا المحذوف، لكن أحسن ما قيل فيه وهو الصحيح: أن المحذوف فعلٌ متأخرٌ مناسب للمقام.
مثاله: إذا قال رجل بسم الله، وهو يريد أن يقرأ النظم فإن التقدير يكون: بسم الله اقرأ، وإذا كان الناظم هو الذي قال: بسم الله فإن التقدير يكون: بسم الله أنظم.
ولماذا قدّرناه فعلًا ولم نقدّره اسم فاعلٍ مثلًا؟
1 / 17
نقول: قدّرناه فعلًا، لأن الأصل في العمل الأفعال، ولهذا يعمل الفعل بدون شرط، وما سواه من العوامل الاسمية فإنها تحتاج إلى شرط.
ولماذا قدرناه متأخرًا؟
نقول قدّرناه متأخرًا لوجهين:
١ - التيمُّن بالبداءة باسم الله تعالى؛ ليكون اسم الله تعالى هو المقدّم، وحق له أن يُقدّم.
٢ - لإفادة الحصر؛ وذلك لأن تأخير العامل يفيد الحصر، فإن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. فإذا قلت: بسم الله اقرأ، تعيَّن أنك تقرأ باسم الله لا باسم غيره.
ونحن قدرناه مناسبًا للمقام لأنه أدل على المقصود، ولأنه لا يخطر في ذهن المبسمل إلا هذا التقدير.
مثاله: لو أنك سألت الرجل الذي قال عند الوضوء بسم الله عن التقدير في قوله: بسم الله، لقال: بسم الله أتوضأ.
ولو قال قائل: أنا أُريد أن أُقدّر المتعلق بسم الله أبتدئ.
فإننا نقول: لا بأس بذلك، لكن أبتدئ: فعل عام يشمل ابتداءك بالأكل والوضوء والنظم، وكما قلنا فإن هذا التقدير لا يتبادر إلى ذهن المبسمل.
أما اسم فيقولون: إنه مشتق من السمو، وهو العلو.
وقيل: من السمة وهي العلامة.
والاسم مهما كان اشتقاقه فإنه يُراد به هنا كل اسم من أسماء الله الحسنى، أي أنه لا يُراد به اسم واحد بعينه مع أنه مفرد؛ لأن القاعدة: أن المفرد المضاف يفيد العموم، فبذلك يلزم من قولنا: بسم الله، أن
1 / 18
يكون المعنى: بكل اسم من أسماء الله الحسنى. ولهذا تجد القائل: بسم الله، لا يخطر بباله اسم معين كالرحمن والرحيم والغفور والودود والشكور ونحوها، بل هو يريد العموم ويدل على ذلك، أي على أن المفرد المضاف للعموم قوله تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤] . ولو كان المراد نعمة واحدة لما قال: ﴿لاَ تُحْصُوهَا﴾ . إذًا فالمعنى ابتدئ بكل اسم من أسماء الله ﷿.
والباء في قوله: بسم الله أهي للاستعانة أم للمصاحبة؟
هناك من قال: إنها للاستعانة.
ومنهم من قال: إنها للمصاحبة.
وممن قال إنها للمصاحبة؛ الزمخشري صاحب الشكاف وهو معتزلي من المعتزلة، وكتابه الكشاف فيه اعتزاليات كثيرة قد لا يستطيع أن يعرفها كل إنسان، حتى قال البلقيني: أخرجت من الكشاف اعتزاليات بالمناقيش. وهذا يدل على أنها خفية.
والزمخشري رجَّح أن الباء للمصاحبة، مع أن الظاهر أنها للاستعانة! لكنه رجّح المصاحبة؛ لأن المعتزلة يرون أن الإنسان مستقلٌّ بعمله فإذا كان مستقلًا بعمله فإنه لا يحتاج للاستعانة.
لكن لا شك أن المراد بالباء هو: الاستعانة التي تصاحب كل الفعل، فهي في الأصل للاستعانة وهي مصاحبة للإنسان من أول الفعل إلى آخره، وقد تفيد معنى آخرًا وهو التبرك إذا لم نحمل التبرك على الاستعانة، ونقول كل مستعين بشيء فإنه متبرك به.
الله: لفظ الجلالة علمٌ على الذات العلية لا يسمى به غيره، وهو مشتق من الألوهية، وأصله إله لكن حذفت الهمزة، وعُوض عنها ب-"أل" فصارت "الله".
1 / 19
وقيل: أصله الإله وأنَّ "أل" موجودة في بنائه من الأصل وحُذفت الهمزة للتخفيف، كما حذفت من الناس وأصلها " الآناس" وكما حُذفت الهمزة من "خير وشر" وأصلها أخير وأشر.
ومعنى الله: مأخوذة من الألوهية وهي التعبد بحب وتعظيم، يقال: ألهَ إليه أي: اشتاق إليه، وأحبه، وأناب إليه، وعظمه.
فهي مشتقة من الألوهية، وهي المحبة والتعظيم.
وعليه فيكون إله بمعنى مألوه، أي: معبود.
وهل فِعَال تأتي بمعنى مفعول؟
نقول: نعم؛ مثل فراش بمعنى مفروش، وبناء بمعنى مبنوء. وغراس بمعنى مغروس.
وأما الرحمن: فهو نعت للفظ الجلالة، وهو أيضًا اسم من أسماء الله تعالى يدل على الرحمة، وجميع الذين حدوا الرحمة حدوها بآثارها فمثلًا: أنا أرحم الصغير فما هو معنى أرحم هل هو العظف أو هو الرفق به.
الجواب: لا؛ لأن العطف من آثار الرحمة، وكذلك الرفق به من آثار الرحمة.
فالرحمة هي الرحمة! فلا تستطيع أن تعرِّفها أو تحددها بأوضح من لفظها.
فنقول إن الرحمة معلومة المعنى، ومجهولة الكيفية بالنسبة لله ﷿، ولكنها معلومة الاثار، فالرحمن اسم من أسماء الله تعالى يدل على صفة الرحمة.
وأما الرحيم: فهو اسم متضمن للرحمة.
وهل الرحيم بمعنى الرحمن، أم أنه يختلف؟
1 / 20
قال بعض العلماء: إنه بمعنى الرحمن، وعلى هذا فيكون مؤكدًا لا كلامًا مستقلًا، ولكن بعض العلماء قال: إن المعنى يختلف؛ ولا يمكن أن نقول إنه بمعنى الرحمن لوجهين:
١ - أن الأصل في الكلام التأسيس لا التوكيد، يعني أنه إذا قال لنا شخص إن هذه الكلمة مؤكدة لما قبلها، فإننا نقول له إن الأصل أنها كلمة مستقلة، تفيد معنى غير الأول، وذلك لأن الأصل في التوكيد الزيادة، والأصل في الكلام عدم الزيادة.
٢ - اختلاف بناية الكلمة الأولى، وهي الرحمن على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل، والقاعدة في اللغة العربية: أن اختلاف المبنى يدلُّ على اختلاف المعنى.
إذًا لابد أنه مختلف، فما وجه الخلاف؟
قال بعض العلماء: إن الرحمن يدل على الرحمة العامة، والرحيم يدل على الرحمة الخاصة، لأن رحمة الله تعالى نوعان:
١ - رحمة عامة؛ وهي لجميع الخلق.
٢ - رحمة خاصة؛ وهي للمؤمنين كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣] .
وبعضهم قال: الرحمن يدل على الصفة، والرحيم يدل على الفعل، فمعنى الرحمن يعني ذو الرحمة الواسعة، والمراد بالرحيم إيصال الرحمة إلى المرحوم، فيكون الرحمن ملاحظًا فيه الوصف، والرحيم ملاحظًا فيه الفعل.
والقول الأقرب عندي هو: القول الثاني وهو أن الرحمن يدل على الصفة، والرحيم يدل على الفعل.
1 / 21
معنى الحمد والصلاة على النبي ﷺ
...
قال المؤلف ﵀:
١ - أبدأُ بالحمدِ مُصَلِّيًا على ... محمدٍ خَيِر نبي أُرسلا
قوله: أبدأ بالحمد: يوحي بأنه لم يذكر البسملة، فإنه لو بدأ بالبسملة؛ لكانت البسملة هي الأولى، ولذلك يشك الإنسان هل بدأ المؤلف بالبسملة أم لا؟ لكن الشارح ذكر أن المؤلف بدأ النظم بالبسملة، وبناء على هذا تكون البداءة هنا نسبية أي: بالنسبة للدخول في موضوع الكتاب أو صلب الكتاب.
وقوله بالحمد مصليًا: نصَبَ مصليًا على أنه حال من الضمير في أبدأ، والتقدير حال كوني مصليًا.
ومعنى الحمد كما قال العلماء: هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيمًا، فإن وصفَهُ بالكمال لا محبة ولا تعظيمًا، ولكن خوفًا ورهبة سُمي ذلك مدحًا لا حمدًا، فالحمد لابد أن يكون مقرونًا بمحبة المحمود وتعظيمه.
وقول المؤلف بالحمد: لم يذكر المحمود، ولكنه معلومٌ بقرينة الحال، لأن المؤلف مسلمٌ؛ فالحمد يقصد به حمد الله ﷾.
ومعنى الصلاة على النبي ﷺ هو: طلب الثناء عليه من الله تعالى، وهذا ما إذا وقعت الصلاة من البشر، أما إذا وقعت من الله تعالى فمعناها ثناء الله تعالى عليه في الملأ الأعلى، وهذا هو قول أبي العالية، وأما من قال إن الصلاة من الله تعالى تعني الرحمة، فإن هذا القول ضعيفٌ، يضعّفُه قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَتٌ مِّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَ-ئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٧] . ولو كانت الصلاة بمعنى الرحمة، لكان معنى الاية أي: أولئك عليهم رحماتٌ من ربهم ورحمة، وهذا لا يستقيم! والأصل في
1 / 22
الكلام التأسيس؛ فإذا قلنا إن المعنى أي: رحمات من ربهم ورحمة، صار عطف مماثل على مماثل.
فالصحيح هو: القول الأول وهو أن صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
وقوله محمد خير نبي أُرسلا: محمد: هو اسمٌ من أسماء النبي ﷺ، وقد ذكر الله تعالى اسمين من أسماء النبي ﷺ في القرآن الكريم وهما:
أحمد.
ومحمد.
أما أحمد: فقد ذكره نقلًا عن عيسى ﵊، وقد اختار عيسى ذلك؛ إما لأنه لم يُوح إليه إلا بذلك، وإما لأنه يدل على التفضيل، فإن أحمد اسم تفضيل في الأصل، كما تقول: فلان أحمد الناس، فخاطب بني إسرائيل ليبين كمالَهُ.
أما محمد فهو اسم مفعول من حمده، ولكن الأقرب أن الله تعالى أوحى إليه بذلك لسببين هما:
١ - لكي يبين لبني إسرائيل أن النبي ﷺ هو أحمدُ الناس وأفضلهم.
٢ - لكي يبتلي بني إسرائيل ويمتحنهم، وذلك لأن النصارى قالوا: إن الذي بشرنا به عيسى هو أحمد، والذي جاء للعرب هو محمد، وأحمد غير محمد، فإن أحمد لم يأتِ بعدُ، وهؤلاء قال الله فيهم: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَبَهَ مِنْهُ﴾ . [آل عمران: ٧] .
ولكن نقول لهم: إن قولكم أنه لم يأتِ بعدُ؛ كذب لأن الله تعالى قال في نفس الاية ﴿فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَ-تِ قَالُواْ هَ-ذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ . [الصف: ٦] .
1 / 23
و"جاء" فعلٌ ماضي، يعني أن أحمد جاء، ولا نعلم أن أحدًا جاء بعد عيسى إلا محمد ﷺ.
وبين محمد وأحمد فرق في الصيغة والمعنى:
أما في الصيغة: فمحمد: اسم مفعول، وأحمد: اسم تفضيل.
أما الفرق بينهما في المعنى:
ففي محمد: يكون الفعل واقعًا من الناس.
أي: أن الناس يحمدونه.
وفي أحمد: يكون الفعل واقعًا منه، يعني أنه ﷺ أحمدُ الناس لله تعالى، يكون واقعًا عليه يعني أنه هو أحقُ الناس أن يُحمد.
فيكون محمدٌ حُمدَ بالفعل.
وأحمد أي كان حمده على وجه يستحقه؛ لأنه أحقُّ الناس أن يُحمد، ولعل هذا هو السر في أن الله تعالى ألهم عيسى أن يقول: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦] . حتى يبين لبني إسرائيل أنه أحمدُ الناس لله تعالى، وأنه أحقُّ الناس بأن يُحمد.
وقوله خير نبي أرسلا: جمع المؤلف هنا بين النبوة والرسالة، لأن النبي مشتق مع النبأ فهو فعيلٌ بمعنى مفعول، أو هو مشتق من النبوة أي نبا ينبوا إذا ارتفع، والنبي لا شك أنه رفيع الرتبة، ومحمد ﷺ أكمل منْ أرسل وأكمل من أنبىء، ولهذا قال محمد خير نبي أرسلًا.
والمؤلف هنا قال نبي أُرسلا: ولم يقل خير رسول أُرسلا، وذلك لأن كل رسول نبي، ودلالة الرسالة على النبوة من باب دلالة اللزوم؛ لأن من لازم كونه رسولًا أن يكون نبيًّا، فإذا ذُكر اللفظ صريحًا كان ذلك أفصح في الدلالة على المقصود، فالجمع بين النبوة والرسالة نستفيد منه أنه نصّ على النبوة، ولو اقتُصر على الرسالة لم نستفد معنى النبوة إلا
1 / 24
عن طريق اللزوم، وكون اللفظ دالًا على المعنى بنصه أولى من كونه دالًا باستلزامه. كما في حديث البراء بن عازب ﵁ عند تعليم النبي ﷺ له دعاء النوم فلما أعاد البراء بن عازب ﵁ الدعاء قال: وبرسولك الذي أرسلت. فقال له النبي ﷺ: "لا؛ قل: وبنبيك الذي أرسلت" ١. لأجل أن تكون الدلالة على النبوة دلالة نصيَّة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: أنه إذا قال: خير رسول: فإن لفظ الرسول يشمل الرسول الملكي وهو جبريل ﵇، ويشمل الرسول البشري وهو محمد ﷺ، لكن! على كل حال في كلام المؤلف كلمة: محمد تخرج منه جبريل ﵇.
والألف في قوله: أُرسلا يُسميها العلماء ألف الإطلاق، أي: إطلاق الروي.
_________
١ أخرجه البخاري كتاب الدعوات باب: إذا بات طاهرا ٦٣١١. ومسلم كتاب الذكر والدعاء باب: الدعاء عند النوم ٥٦، ٢٧١٠.
1 / 25
أقسام الحديث
قال المؤلف ﵀:
وذي من أقسامِ الحديث عدَّه ... وكلُّ واحدٍ أتى وحَدَّه
قوله "ذي" اسم إشارة.
والمشار إليه: ما ترتب في ذهن المؤلف. إن كانت الإشارة قبل التصنيف وإن كانت الإشارة بعد التصنيف، فالمشار إليه هو الشيء الحاضر الموجود في الخارج.
فما المراد بالحديث هنا، أعلمُ الدراية أم علم الرواية؟
نقول المراد بقوله "أقسام الحديث" هنا علم الدراية.
وقوله "عدَّه" أي عدد ليس بكثير.
وقوله "وكل واحد أتى وحدَّه" أي أن كل واحد من هذه الأقسام جاء به المؤلف.
وقوله "أتى وحدَّه" الواو هنا واو المعيَّة، و"حدَّه" مفعول معه، وهنا قاعدة وهي: إذا عُطف على الضمير المستتر فالأفصح أن تكون الواو للمعية ويُنصب ما بعدها.
فإذا قلت: محمدٌ جاء وعليًّا، فإنه أفصح من قولك: محمدٌ جاء وعلي. لأن واو المعية تدل على المصاحبة، فالمصحوب هو الضمير.
ومعنى "حدَّه" أي تعريفه، والحدُّ: هو التعريف بالشيء. ويشترط في الحد أن يكون مطرد وأن يكون منعكسًا، يعني أن الحدّ يُشترط ألا يخرج عنه شيء من المحدود، وألا يدخل فيه شيء من غير المحدود.
فمثلًا: إذا حددنا الإنسان كما يقولون: أنه حيوانٌ ناطق، وهذا الحدُّ يقولون: إنه مطرد، ومنعكس.
1 / 26
فقولنا: "حيوانٌ" خرج به ما ليس بحيوان كالجماد.
وقولنا: "ناطق" خرج به ما ليس بناطق كالبهيم، فهذا الحد الآن تام لا يدخل فيه شيء من غير المحدود ولا يخرج منه شيء من المحدود.
ولو قلنا: إن الإنسان حيوان فقط؛ فهذا لا يصح! لماذا؟
لأنه يدخل فيه ما ليس منه، فإننا إذا قلنا إن الإنسان حيوانٌ لدخل فيه البهيم والناطق.
وإذا قلنا: إن الإنسان حيوانٌ ناطق عاقل، فهذا لا يصح أيضًا؛ لأنه يخرج منه بعض أفراد المحدود وهو المجنون.
إذًا فلابد في الحد أن يكون مطردًا منعكسًا.
وإذا قلنا في الوضوء: إنه غسل الأعضاء الأربعة فقط، فهذا لا يصح، فلابد أن تقول: على صفة مخصوصة، لأنك لو غسلت هذه الأعضاء غير مرتبة لم يكن هذا وضوءًا شرعيًّا.
ولو قلت: الوضوء هو غسل الأعضاء الأربعة ثلاثًا على صفة مخصوصة، فإن هذا أيضًا لا يصح، لأنه يخرج منه بعض المحدود، فإنه يخرج منه الوضوء، إذا كان غسل الأعضاء فيه مرة واحدة.
وعلى كل حال فالحد هو التعريف، وهو: "الوصف المحيط بموصوفه، المميز له عن غيره".
وشرطه: أن يكون مطردًا منعكسًا، أي لا يخرج شيء من أفراده عنه، ولا يدخل فيه شيء من غير أفراده.
1 / 27
الحديث الصحيح وشروطه
...
قال المؤلف ﵀:
٣ - أوَّلُها الصَّحيحُ وهوَ ما اتّصَل ... إسنَادُهُ ولَم يُشذّ أو يُعَل
قوله: "أولها الصحيح" بدأ المؤلف بذكر أقسام الحديث وقدَّم الصحيح لأنه أشرف أقسام الحديث، ثم عرَّفه فقال: "وهو ما اتصل إسناده" يعني ما رُوي بإسناد متصل بحيث يأخذه كل راوي عمن فوقه، فيقول مثلًا: حدثني رقم واحد "ولنجعلها بالأرقام" قال حدثني رقم اثنين، قال حدثني رقم ثلاثة، قال حدثني رقم أربعة، فهذا النوع يكون متصلًا، لأنه يقول حدثني فكل واحد أخذ عمن روى عنه.
أما إن قال حدثني رقم واحد عن رقم ثلاثة لم يكن متصلًا، لأنه سقط منه رقم اثنين فيكون منقطعًا.
وقوله: "ولم يُشذَّ أو يُعَل" يعني يشترط أن لا يكون شاذًّا ولا معللًا.
والشاذُّ هو: الذي يرويه الثقة مخالفًا لمن هو أرجح منه، إما في العدد، أو في الصدق، أو في العدالة.
فإذا جاء الحديث بسندٍ متصلٍ لكنه شاذٌّ، بحيث يكون مخالفًا لرواية أُخرى، هي أرجح منه، إما في العدد، وإما في الصدق، وإما في العدالة؛ فإنه لا يقبل ولو كان الذي رواه عدلًا، ولو كان السند متصلًا، وذلك من أجل شذوذه.
والشذوذ: قد يكون في حديث واحد، وقد يكون في حديثين منفصلين، يعني أنه لا يشترط في الشذوذ أن يكون الرواة قد اختلفوا في
1 / 28
حديث واحد، بل قد يكون الشاذ أتى في حديث آخر، مثاله: ما ورد في السنن أن النبي ﷺ نهى عن الصيام إذا انتصف شعبان١، والحديث لا بأس به من حيث السند، لكن ثبت عن النبي ﷺ في الصحيحين أنه قال: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه" ٢ فإذا أخذنا بالحديث الثاني الوارد في الصحيحين قلنا إن فيه دلالة على أن الصيام بعد منتصف شعبان جائز، وليس فيه شيء، لأن النهي حُدد بما قبل رمضان بيوم أو يومين، وإذا أخذنا بالأول فنقول إن النهي يبدأ من منتصف شعبان، فأخذ الإمام أحمد بالحديث الوارد في الصحيحين وهو النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وقال إن هذا شاذ، يعني به حديث السنن، لأنه مخالف لمن هو أرجح منه إذ أن هذا في الصحيحين وذاك في السنن.
ومن ذلك ما ورد في سنن أبي داود أن النبي ﷺ نهى عن صوم يوم السبت قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" ٣ فقد حكم بعض العلماء على هذا الحديث بالشذوذ، لأنه مخالف لقول النبي ﷺ لإحدى نسائه حين وجدها صائمة يوم الجمعة، فقال: "هل صمت أمس"؟ فقالت: لا، قال: "أتصومين غدًا"؟ قالت: لا، قال:
_________
١ أخرجه الإمام أحمد ٢/٣٢٥ وأبو داود كتاب الصوم باب: كراهية صوم النصف من شعبان ١٩٩٠. والترمذي كتاب الصوم باب: كراهية الصوم ٦٦٩. وابن ماجة كتاب الصيام باب ماجاء في النهي أن يتقدم ١٦٤١.
٢ أخرجه البخاري كتاب باب: لايتقدم رمضان بصوم يوم يوم ولا يومين ١٩١٤ ومسلم كتاب الصيام باب: لاتقدموا رمضان..٢١، ١٠٨٢.
٣ أخرجه الإمام ١٧٠٢٦ وأبو داود كتاب الصيام باب: النهي أن يخص يوم السبت بصوم ٢٤١٢ والترمذي أبواب الصوم باب: ماجاء في صوم يوم السبت ٧٤٤ وقال: حديث حسن.
1 / 29
"فأفطري" ١. وهذا الحديث ثابت في الصحيح، وفيه دليل على أن صيام يوم السبت جائز ليس فيه بأس، وهنا قال بعض العلماء: إن حديث النهي عن صيام يوم السبت شاذ؛ لأنه مخالف لما هو أرجح منه، ومن العلماء من قال: لا مخالفة هنا، وذلك لإمكان الجمع، وإذا أمكن الجمع فلا مخالفة، والجمع بين الحديثين أن يقال: إن النهي كان عن إفراده، أي أنه نُهي عن صوم يوم السبت مستقلًا بمفرده، أما إذا صامه مع يوم الجمعة، أو مع يوم الأحد فلا بأس به حينئذ، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الجمع فلا مخالفة ولا شذوذ.
ومن الشذوذ: أن يخالف ما عُلم بالضرورة من الدين.
مثاله: في صحيح البخاري رواية "أنه يبقى في النار فضلٌ عمن دخلها من أهل الدنيا، فيُنشىء الله لها أقوامًا فيدخلهم النار" ٢.
فهذا الحديث وإن كان متصل السند فهو شاذ؛ لأنه مخالف لما عُلم بالضرورة من الدين، وهو أن الله تعالى لا يظلم أحدًا، وهذه الرواية - في الحقيقة - قد انقلبت على الراوي، والصواب أنه يبقي في الجنة فضلٌ عمن دخلها من أهل الدنيا، فيُنشىء الله أقوامًا فيدخلهم الجنة، وهذا فضل ليس فيه ظلم، أما الأول ففيه ظلم.
على كل حال فلابد لصحة الحديث ألا يكون شاذًّا.
ولو أن رجلًا ثقة عدلًا روى حديثًا على وجه، ثم رواه رجلان مثله في العدالة على وجه مخالف للأول، فماذا نقول للأول؟
نقول: الحديث الأول شاذ، فلا يكون صحيحًا وإن رواه العدل
_________
١ أخرجه البخاري كتاب الصوم باب صوم يوم الجمعة ١٩٨٤.
٢ أخرجه البخاري كتاب التوحيد باب قوله سبحانه: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ٧٣٨٤.
1 / 30
الثقة.
ولو روى إنسان حديثًا على وجه، ورواه إنسانٌ آخر على وجه يخالف الأول، وهذا الثاني أقوى في العدالة أو في الضبط، فيكون الأول شاذًّا.
وهذه قاعدة مفيدة تفيد الإنسان فيما لو عرض له حديث، فإذا نظر في سنده وجده متصلًا، ووجد أن رجاله ثقات، ولكن إذا نظر إلى المتن وجده مخالفًا كما سبق فحينئذ نقول له احكم بأن هذا ليس بصحيح، وليس في ذمتك شيء.
فإذا قال كيف أحكم عليه بأنه غير صحيح! وسنده متصل ورجاله ثقات عدول؟
فنقول له: لأن فيه علة توجب ضعفه وهي الشذوذ.
قوله: "أو يُعَلَّ" معناه أي يُقدح فيه بعلة تمنع قبوله، فإذا وجدت في الحديث علة تمنع قبوله فليس الحديث بصحيح.
ومعنى العلة في الأصل هي: وصفٌ يوجب خروج البدن عن الاعتدال الطبيعي.
ولهذا يقال: فلانٌ فيه علة، يعني أنه عليل أي مريض، فالعلة مرض تمنع من سلامة البدن.
والعلة في الحديث معناها قريبة من هذا وهي:
وصفٌ يوجب خروج الحديث عن القبول.
لكن هذا الشرط، يشترط فيه شرط زائد على ما قال المؤلف وهو: أن لا يُعلّ الحديث بعلةٍ قادحة، لأن الحديث قد يُعلُّ بعلةٍ لا تقدح فيه، وهذا سيأتي الكلام عليه إن شاءالله.
إذًا فيشترط للحديث الصحيح شروط أخذنا منها ثلاثة وهي:
1 / 31