Sharh al-Jami' al-Sahih
شرح الجامع الصحيح
Genre-genre
الوجه <1/137> الثالث: دلت هذه الأحاديث على ترك الاستجمار بالروث والعظام قولا وفعلا، أما القول ففي حديث أبي هريرة: "ونهي عن الروث والرمة"، وأما الفعل فهو إلقاؤه صلى الله عليه وسلم للروثة، في حديث ابن مسعود، واختلفوا في علة النهي، فمذهب أصحابنا -رحمهم الله تعالى- ما سمعه جابر بن زيد من ناس من الصحابة يقولون:" إنما نهى النبيء صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بالعظم والروث، لأن العظم زاد إخوانكم من الجن، والروث زاد دوابهم"، وحملوا على هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الروثة: "إنها ركس"، فإن النسائي قال: الركس طعام الجن، وقال بعض قومنا: العلة في ذلك نجاسة الروث، واحتجوا بقوله: "إنها ركس"، قالوا: والركس النجس، قالوا: وقد دل عليه رواية ابن ماجه وابن خزيمة في هذا الحديث، فإنها عندهما بالجيم، والجواب: إن الرواية بالكاف أثبت، ورجالها أتقن، ولعل رواية الجيم تحريف في المعنى، ظن الراوي أن المراد بالركس ما فهمه من معنى النجاسة فرواه بالمعنى، وكثير ما وقع من تحريف السنة بسوء الفهم. وقيل: الركس الرجيع، لأنه رد من حالة الطعام إلى حالة الروث، وقيل: معنى الركس الرد، قال تعالى:{أركسوا فيها}[النساء:91]، أي ردوا، فكأنه قال لابن مسعود هذا رد عليك. ورد: بأنه لو أريد ذلك لكان بفتح الراء، والرواية إنما هي بكسر فسكون، وفيه أنه يمكن أن المكسور بمعنى المفعول كالذبح بمعنى المذبوح، والفتح في المصدر خاصة. والرمة بالكسر العظام بالبالية والجمع: رمم ورمام، وليس الوصف بالبالية معتبرا في النهي، فلا يتقيد <1/138>النهي به، بل يتناول كل عظم لعموم العلة، وإنما خص الرمة بالذكر لأن العظم البالي في صورة الخزف، بخلاف الجديد فإن النفس تنفر عنه لتلوثه باللحم، ويمكن أن يراد المبالغة في التحرز عن العظام، ووجه ذلك أن يقال نهي عن الرمة لحقارتها، وعدم الانتفاع بها، فما ظنك بما فوقها.
Halaman 162