مآل المتكلمين إلى تحكيم العقل في نفي وتأويل ما لا يراه موافقًا له من النصوص
ثم هؤلاء الذين اعتمدوا على عقولهم انقسموا إلى فريقين، في طريقة إثبات ما يجب لله ﷾ ويشير إليهما الشيخ في قوله: [ثم هم هاهنا فريقان: أكثرهم يقولون: ما لم تثبته عقولكم فانفوه.
ومنهم من يقول: بل توقفوا فيه، وما نفاه قياس عقولكم -الذي أنتم فيه مختلفون ومضطربون اختلافًا أكثر من أي اختلاف على وجه الأرض- فانفوه، وإليه عند التنازع فارجعوا، فإنه الحق الذي تعبدتم به، وما كان مذكورًا في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا أو يثبت ما لم تدركه عقولكم -على طريقة أكثرهم- فاعلموا أني أمتحنكم -لا لتعلموا- بتنزيله، لا لتأخذوا الهدى منه: لكن لتجتهدوا في تخريجه على شواذ اللغة، ووحشي الألفاظ وغرائب الكلام، أو أن تسكتوا عنه مفوضين علمه إلى الله، مع نفي دلالته على شيء من الصفات، هذا حقيقة الأمر على رأي هؤلاء المتكلمين] .
لخص الشيخ ﵀ في هذا المقطع حقيقة أمرهم في النصوص وكأنه يقول: إن الله ﷾ أمرهم في باب الأسماء والصفات أن يرجعوا إلى عقولهم، فينظروا إلى ما أثبتته العقول فيثبتوه، وما لم تثبته العقول فينفوه؛ هذا هو الطريق الأول؛ فما أثبتته العقول أثبتوه جميعًا، وما لم تثبته العقول افترقوا فيه إلى فريقين: فريق نفاة وفريق توقفوا، وهذا مجمل طريقهم، وهو في الحقيقة طريق التعطيل والتفويض، وسيأتينا في كلام الشيخ أن الناس انقسموا في باب ما أخبر الله ﷾ به عن نفسه من الأسماء والصفات إلى طرق، طريق التجهيل وطريق التأويل وطريق التخييل.
الطريق الأول طريق التأويل: وهو صرف الألفاظ عن ظاهرها لغير مقتضي، وهو طريق المتكلمين.
الطريق الثاني: طريق التجهيل: وهؤلاء هم المفوضة الذين قالوا: إن الله خاطب الناس بألفاظ لا حقيقة لها ولا معاني لها، أو أن معانيها غير معلومة.
الطريق الثالث: وهو طريق التخييل: وهم الفلاسفة الذين قالوا: إن الله أخبر بخيالات؛ ليجذب الناس ويحملهم على العبادة مع أنه لا حقيقة، حتى تعدى أمرهم إلى إنكار البعث وقالوا: إنه لا بعث وإنما أخبرت الرسل بذلك؛ حتى يحملوا الناس على فعل الخير وعلى ترك الشر.
وقد يشير الشيخ ﵀ فيما يأتي إلى هذه الطرق.
والطريق الرابع: هو طريق السلف: وسيذكره الشيخ ﵀ في الفصل القادم؛ وهو أن يقف المؤمن في هذا الباب على ما ذكره الله ﷾ عن نفسه، أو أخبر به رسوله ﷺ عنه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تمثيل ولا تكييف.
4 / 10