Sharh al-Bayqooniyyah - Osama Suleiman
شرح البيقونية - أسامة سليمان
Genre-genre
شرح البيقونية [١]
من أنواع الحديث الضعيف: الحديث الشاذ والحديث المقلوب، والحديث الشاذ هو: مخالفة المقبول من هو أرجح منه عدالة أو عددًا أو ضبطًا، والقلب إما أن يكون في السند أو في المتن، ولكل منهما أمثلة كثيرة في كتب الحديث.
1 / 1
الرد على من قال: إن النقاب عادة وليس عبادة
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل الحديث مع المنظومة البيقونية، وسنتحدث فيها عن الحديث الشاذ والحديث المقلوب، وقبل ذلك دفع لي أحد الإخوة بمقال لعله بجريدة الأهرام، عنوان هذا المقال: النقاب عادة وليس عبادة، لأستاذ مفكر إسلامي، نسأل الله العافية! وهكذا قد وكل الأمر إلى الأصاغر، ووسّد الأمر إلى غير أهله، ونطقت الرويبضة، نسأل الله العافية! سلف الأمة كـ ابن كثير والطبري وكل علماء الأمة من المفسّرين يقولون: إن النقاب عبادة مشروعة، بل هو واجب على رأي البعض، ومكرمة وفضيلة على رأي الآخرين، وإن كان الزمن زمن فتنة يصبح ستر الوجه أمرًا واجبًا لا شك فيه، والنصوص متضافرة وكثيرة في هذا الأمر، يقول ربنا سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب:٥٩]، واقرأ في التفسير معنى كلمة: الإدناء، وتفسير ابن عباس لها.
ورحم الله نساء الأنصار لما نزلت آية الحجاب عمدن إلى مروطهن فشققنه ووضعنه على رءوسهن، وكن كالغربان من السواد، ولذلك يقول صفوان بن المعطل في حادثة الإفك: رأيت زوجة النبي ﷺ عائشة، وكنت أعرفها قبل نزول آية الحجاب.
ولما خرجت سودة بنت زمعة لتقضي حاجتها في المناصع بالبقيع، وكانت تلبس سوادًا قال عمر: عرفناك يا سودة! لا تخفين علينا، فعرفها من طولها وعرضها.
ويقول نبينا ﷺ: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)، وقالت أمنا عائشة: كنا نطوف حول البيت، فإذا خالطنا الرجال أسدلنا.
وكانت النساء إلى زمن قريب قبل حركة تحطيم المرأة لا تحرير المرأة في مصر ينتقبن، وآباؤنا وأجدادنا يذكرون هذا.
والمصيبة أن بعض من ينتسبون إلى العمل الإسلامي، ويظنون أنهم الجماعة الأم، أن أتباعهم في الجامعة يقولون: إن النقاب خاص بزوجات النبي ﷺ، وليس لنساء المؤمنين، فانظروا إلى التحلل والتفسخ، نسأل الله العافية! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الغربة الثانية التي نحن فيها: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء)، فيا أيها الغرباء! لا تعبئوا بأقوال العلمانيين، أو من ينتسبون إلينا وهم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا: العلم قال الله قال رسوله وما سواه وساوس الشيطان ولعلهم لا يستطيعون أن يحكموا في بيوتهم، ولا يملكون أمرًا على زوجاتهم، فيريدون أن يجدوا ترخصًا لأنفسهم، وهذا هو الشاهد في الأمر، فإنه لا أحد يكره العفاف.
1 / 2
الحديث الشاذ والحديث المقلوب
يقول الناظم ﵀: وما يخالف ثقة فيه الملا فالشاذ والمقلوب قسمان تلا إبدال راوٍ ما براو قسم وقلب إسناد لمتن قسم يتحدث الناظم عن نوعين من الأحاديث الضعيفة: الحديث الشاذ والحديث المقلوب، فما هو الشاذ؟ وما هو المقلوب؟
1 / 3
معنى الحديث الشاذ لغة واصطلاحًا
الشذوذ لغة: المخالفة والمفارقة، يقول ﷺ: (يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار)، أي: من خالف وخرج فهو من الشاذين.
واصطلاحًا: مخالفة الراجح لمن هو أرجح منه عددًا أو عدالة أو ضبطًا.
1 / 4
أمثلة على الحديث الشاذ
والشذوذ إما أن يكون في حديث، وإما أن يكون في حديثين، ونضرب أمثلة على ذلك: ففي حديث أبي هريرة في الصحيح قال ﷺ: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون عادة)، والحديث في البخاري، وهو يبين جواز الصيام بعد نصف شعبان شريطة ألا تتقدم على رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون صيام عادة.
وهناك حديث آخر في السنن يقول: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا).
ففيه دلالة واضحة على عدم جواز الصيام بعد نصف شعبان.
فحديث السنن شاذ؛ لأنه خالف ما هو أرجح، وهو حديث البخاري، فتقدم حديث البخاري؛ لأن ما في البخاري أرجح، وقد خالف الثقة من هو أوثق، فتقدم الأوثق.
ولذلك قال الإمام أحمد بن حنبل: إن حديث (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) حديث شاذ.
يعني: ضعيف.
ومن الأمثلة أيضًا: حديث محمد بن عوف الطائي، وهو أن تقول بعد النداء: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته).
فإن عشرة من الرواة رووا هذا الحديث بهذه الصيغة دون قولهم: (إنك لا تخلف الميعاد)، فجاء محمد بن عوف الطائي وزاد في روايته عند البيهقي: (إنك لا تخلف الميعاد) فيكون محمد بن عوف قد خالف عشرة من نفس الطريق -أي: من نفس السند- فنقول له: حديثك شاذ، وبالتالي فالثقة إذا خالف جماعة فإن حديثه شاذ.
يقول المصنف: الشاذ أن يخالف الواحد الجماعة، أو يخالف الواحد من هو أوثق منه أو أرجح.
كذلك من أمثلة الشذوذ: حديث الذهب المحلق، ففي السنن: أن النبي ﷺ نهى المرأة أن تلبس الذهب المحلق.
وفي البخاري من حديث جابر: (أن النبي ﷺ لما أمر النساء بالصدقة عمدن إلى ما في آذانهن من خروصهن وتصدقن به في حجر بلال).
إذًا: أثبت حديث البخاري أن النساء كن يلبسن ذهبًا محلقًا، إذ أنهن عمدن إلى ما في آذانهن، وما في أيديهن، فنزعنه ووضعنه في حجر بلال، وعليه فحديث البخاري يخالف الحديث الذي في السنن، فيكون الحديث في السنن شاذًا.
1 / 5
إمكانية الجمع بين حديثين يزيل الشذوذ
قال العلماء: إذا أمكن الجمع فلا شذوذ؛ لأننا نقول بالشذوذ في حالة استحالة الجمع بين الحديثين.
مثال ذلك: يقول ﵊: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا).
وهو حديث صحيح، ويقول ﵊ أيضًا: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين).
وهو حديث صحيح أيضًا، ويمكن الجمع بينهما فنقول: حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) لمن لم يكن له عادة في الصيام، فلا يجوز له بعد نصف شعبان أن يصوم؛ لأنه سيدخل على رمضان وهو متعب، أما من له عادة في الصيام فلا بأس.
فأنزل هذا الحديث على صفة، وأنزل الحديث الآخر على صفة، لكن ابن حنبل يقول بالشذوذ.
كذلك: حديث الإشارة والتحريك في التشهد في الصلاة، فقد روى أكثر من عشرة من الرواة: (أن النبي ﷺ كان يشير بيده في التشهد من أوله إلى آخره)، لكنهم ما قالوا: إنه كان يحرك، فجاء زائدة بن قدامة وقال: (كان يشير ويحرك)، فنقول: زائدة زاد الحركة رغم أنه جاء من نفس طريق الرواة، فبعض العلماء قالوا: بالشذوذ للحركة، وبعضهم حاول الجمع، فإذا أمكن الجمع دون تعارض فلا بأس.
والشيخ أبو إسحاق حفظه الله يقول: الإشارة تستلزم الحركة، لكن من العلماء من قال: إن الإشارة ما نقلت بحركة إلا من طريق زائدة.
والشيخ ابن عثيمين يقول في حديث: (إنك لا تخلف الميعاد): إنها ليست شاذة؛ لأنها تتفق مع لغة القرآن.
1 / 6
معنى الحديث المقلوب وأنواعه
1 / 7
الحديث المقلوب وأنواعه
القلب ينقسم إلى نوعين: قلب في الإسناد، وقلب في المتن، والمصنف لم يتحدث عن قلب المتن، وإنما تحدث عن قلب الإسناد، وقلب الإسناد ينقسم إلى قسمين: فالأول مثل قولك: حدثني يوسف عن يعقوب، فقلت: حدثني يعقوب عن يوسف، فقلبت السند، حيث أنك ما سمعت من يعقوب، وإنما سمعت من يوسف، فهذا يسمى قلبًا في الإسناد.
والثاني: القلب في السند لمتن آخر، وهذا وقع في بغداد مع الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري المتوفى سنة ٢٥٦هـ ﵀ طبيب، الحديث في علله وأستاذ الحديث كما قال الإمام مسلم.
فقد كانت بغداد قبلة العلماء -حدث ولا حرج واقرأ تاريخ بغداد- الجهابذة الأعلام: ابن حنبل، الطبري، الترمذي، ابن ماجة، أبو داود، ابن أبي الدنيا، الخرائطي، الحافظ البغدادي، وكانوا يعتبرون من لم ينزل بغداد أنه لم يزل بعد في مرحلة طلب العلم؛ لأن بغداد كانت قلعة العلماء في العصر العباسي الأول، والعصر العباسي الأول كان عصر ازدهار، وقد وقع في زمن المعتصم والمأمون المصيبة الكبرى، وهي أنهم استجلبوا لنا من اليونان كتب الفلسفة وترجموها، والآن يدرسون عندنا الفلسفة والمنطق أرسطو وأفلاطون، ولما علم ملك اليونان بالأمر قال: ما دخلت هذه العلوم في بلد إلا أفسدتها فأعطوها لهم، ولو قرأت في تاريخ الدولة العباسية لوجدت العجب العجاب من مظاهر الترف والإنفاق، فربما يقول شاعر بيت شعر واحد، ويعجب به ولي الأمر أو الخليفة فيأمر بإنفاق مليون ريالًا من بيت مال المسلمين للشاعر! والشاهد يا إخواني! أن البخاري نزل بغداد في رحلة لطلب العلم، ومن لم تكن له رحلة لن تكون إليه رحلة، أي: من لم يرحل لن يرحل إليه؛ ولذلك ضبط البخاري في كتاب العلم: باب الخروج إلى طلب العلم، أي: الهجرة والمهاجرة، لكن نحن من شبابنا من يذهب إلى النمسا وإلى ألمانيا ليس لطلب العلم، وإنما ليبيع الخمور وليخالط النساء ويفعل الزنا، فإن قلنا له: ارحل في طلب العلم من مدينة نصر إلى حدائق الزيتون لقال لك: يا الله! جهد علي كبير، سأركب (المترو) وأنزل محطة، أحضروا لنا الشيخ إلى هنا! وكما قال الدكتور مصطفى حلمي -حفظه الله- من أستاذة العقيدة في دار العلوم: حتى في المعاصي كسالى.
قلت: كيف؟ قال: حينما يغني فريد الأطرش يقول: هاتوا لي حبيبي، وهكذا في عالم المعاصي يريدون المعصية أن تأتي إليهم، وهذا طبعًا يدل على الخمول والكسل.
أعود فأقول: لما دخل البخاري بغداد أراد أهل بغداد أن يختبروه في حفظه في مجلس علم كهذا المجلس؛ فدفعوا إليه عشرة من الحفاظ، وأعطوهم عشرة أحاديث مقلوبة الأسانيد، فقام السائل الأول يسأل البخاري: ما تقول في حديث رسول الله ﷺ: حدثنا مكي بن إبراهيم عن الليث عن يعقوب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات)؟ فالحديث صحيح لكن السند غير صحيح، فقال البخاري: لا أعرفه، فالجهلاء قالوا: سقط في الامتحان، والعلماء قالوا: أدرك اللعبة؛ لأنه قال: لا أعرفه.
ثم قام الثاني فألقى حديثه والبخاري يقول: لا أعرفه، وقال للثالث: لا أعرفه، وللرابع: لا أعرفه، حتى سمع العشرة، ولما انتهوا قال: أين السائل الأول؟ قال: أنا، قال: أنت قلت كذا، وسند الحديث كذا، ثم قال: للثاني مثل ما قال للأول وهكذا، يقول العلماء: ليس العجب أنه صحح السند، وإنما العجب أنه أعاد الأحاديث بنفس الترتيب.
وصدق الله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة:٢٨٢].
قول الناظم: (والمقلوب قسمان تلا)، أي: أن المقلوب نوعان.
وقوله: (إبدال راوٍ ما براو قسم)، أي: بدلًا من يوسف عن يعقوب نقول: يعقوب عن يوسف، وهذا بدل.
والناظم ﵀ تحدث عن القلب في السند، ولم يتحدث عن القلب في المتن، والقلب في المتن مثل حديث: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، وفي رواية عند مسلم: (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)، فنقول: هذا فيه قلب؛ لأن اليمين هي التي تنفق، أما الشمال فلا تنفق، وبالتالي نقول: هذه الرواية ضعيفة، والقلب من أنواع الضعف؛ لأنه يدل على عدم الضبط.
1 / 8
شرح البيقونية [٢]
بين العلماء في علم مصطلح الحديث أن للحديث الصحيح شروطًا خمسة، وأن بينه وبين الحسن فرقًا واحدًا، كما تناولوا أيضًا أنواع الحديث الضعيف، وعدوا منها: المعلق، والمعضل، والمنقطع، والمرسل وغيرها، فتناولوها بالتعريف والبيان مع الأمثلة لكل منها، وما ذاك إلا لأهمية هذا العلم في الشريعة الإسلامية.
2 / 1
منزلة القرآن والسنة في التشريع
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، يا أيها الناس! اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وعلمنا من جهل، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! نعود إلى ما بدأنا به قبل شهر رمضان، وأسأل الله ﵎ بأسمائه وصفاته أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وأن يبلغنا رمضان أعوامًا عديدة، ودهورًا مديدة، وأن يحسن خاتمتنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كنا قد توقفنا في أصول الفقه عند مصادر التشريع أو ما نسميه بأدلة الأحكام، وتحدثنا عن القرآن باعتباره أصل الأصول ومصدر المصادر، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى السنة باعتبارها المصدر الثاني، أو قل: المصدر الأول في نفس الرتبة مع القرآن؛ لأن النبي ﵊ قال: (أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، فحاجة القرآن للسنة أشد من حاجة السنة للقرآن، ولا يمكن بحال أن نستغني عن السنة، والهجوم على السنة هجوم على القرآن، لكنهم لا يستطيعون أن يهاجموا القرآن، فمن طريق غير مباشر يتعدون على السنة؛ لأن الله ﵎ يقول لسيد البشر ﷺ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل:٤٤]، ويقول ربنا ﵎: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧]، فلا شك أن السنة لها منزلة عظيمة.
ولشيخنا العلامة الألباني رحمه الله تعالى رسالة مختصرة تحمل عنوان: منزلة السنة في التشريع، بين فيه بالأدلة التفصيلية أنه لا يمكن بحال للقرآن أن يستغني عن السنة، فكلاهما يبين الآخر.
2 / 2
عرض سريع لمنظومة البيقوني
توقفنا عند المصدر الثاني وهو السنة، وقلنا: إننا سنعيش مع علم مصطلح الحديث في عجالة؛ لنعرف بعض المصطلحات عند علماء الحديث، وقلنا: إن مرجعنا في ذلك هي المنظومة البيقونية، وهذا عرض سريع للمنظومة.
قال الناظم ﵀: أبدأ بالحمد مصليًا على محمد خير نبي أرسلا وذي من أقسام الحديث عدة وكل واحد أتى وحده أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله والحسن المعروف طرقًا وغدت رجاله لا كالصحيح اشتهرت وكل ما عن رتبة الحسن قصر فهو الضعيف وهو أقسام كثر وما أضيف للنبي المرفوع وما لتابع هو المقطوع والمسند المتصل الإسناد من راويه حتى المصطفى ولم يبن وما بسمع كل راوٍ يتصل إسناده للمصطفى فالمتصل مسلسل قل ما على وصف أتى مثل أما والله أنبأني الفتى كذاك قد حدثنيه قائمًا أو بعد أن حدثني تبسما عزيز مروي اثنين أو ثلاثة مشهور مروي فوق ما ثلاثة معنعن كعن سعيد عن كرم ومبهم ما فيه راو لم يسم وكل ما قلت رجاله علا وضده ذاك الذي قد نزلا وما أضفته إلى الأصحاب من قول وفعل فهو موقوف زكن ومرسل منه الصحابي سقط وقل: غريب ما روى راوٍ فقط وكل ما لم يتصل بحال إسناده منقطع الأوصال والمعضل الساقط منه اثنان وما أتى مدلسًا نوعان الأول الإسقاط للشيخ وأن ينقل عمن فوقه بعن وأن والثان: لا يسقطه لكن يصف أوصافه بما به لا ينعرف وما يخالف ثقة فيه الملا فالشاذ والمقلوب قسمان تلا
2 / 3
شروط الحديث الصحيح
وضع العلماء للحديث الصحيح شروطًا أربعة وهي: الأول: اتصال السند، أي: أن يكون السند متصلًا ليس فيه انقطاع في أوله أو في وسطه أو في آخره؛ لأن السند هو الطريق المؤدي إلى المتن، فبدون اتصال السند يكون الحديث ضعيفًا.
الثاني: عدالة الرواة، ومن شروط العدالة: الصدق وعدم الكذب، وضبط الدين، والمروءة.
الثالث: عدم الشذوذ.
الرابع: عدم العلة.
قال الناظم: أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله إذًا: فهذه شروط الحديث الصحيح، والإسناد من فخر هذا الدين، ومن محاسن هذه الشريعة الغراء.
2 / 4
الفرق بين الصحيح والحسن
هناك فرق واحد وهو: أن الحديث الحسن يكون فيه الراوي خفيف الضبط، مع توفر شروط الحديث الصحيح من اتصال السند، وعدالة الرواة، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، إلا أن الرواة في الحسن خفيفي الضبط، وفي الصحيح تامي الضبط، ولذا فالحسن في مرتبة أدنى من مرتبة الصحيح.
2 / 5
الحديث المعلق والمعضل والمنقطع والمرسل
إذا سقط من أول السند راوٍ فأكثر على التوالي يسمى معلّقًا، وللبخاري في الصحيح معلقات غلقها العلامة ابن حجر في كتاب يسمى: تغليق التعليق.
فإن سقط من وسط السند راويان على التوالي يسمى معضلًا.
قال الناظم: والمعضل الساقط منه اثنان وما أتى مدلسًا نوعان وإن سقط من وسط السند راويان لا على التوالي نسميه منقطعًا، وإن سقط راوٍ من آخر السند فوق التابعي نسميه مرسلًا.
قال الناظم: ومرسل منه الصحابي سقط.
وهذا التعريف غير صحيح، والأولى أن يقول: ومرسل فوق التابعي سقط، أي: ما بعد التابعي؛ لأننا لا ندري من الساقط فيسمى مرسلًا.
والمعضل والمنقطع والمرسل والمعلق كلها من أنواع الضعيف.
2 / 6
الحديث المسلسل
إذا نقل الراوي حديثًا بصفة لاصقة بالحديث، كأن يقول: عن أبي هريرة ﵁: أن النبي ﷺ ابتسم حتى بدت نواجذه، فيبتسم أبو هريرة، فنسمي هذا الحديث مسلسلًا.
قال الناظم: مسلسل قل: ما على وصف أتى مثل أما والله أنبأني الفتى كما قال النبي ﷺ لـ معاذ: (إني أحبك! فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، فـ معاذ رضي الله لما أراد أن يحدث بهذا الحديث قال لمن حدثه: إني أحبك، ومن حدثه قال لمن حدثه: إني أحبك، فأصبحت كلمة: (إني أحبك) صفة لاصقة بالحديث، وعندئذ نسمي الحديث مسلسلًا.
ثم بعد ذلك تحدث الناظم عن المدلس وعن أنواع التدليس وعن الشذوذ.
2 / 7
الحديث المقلوب وأنواعه
قال الناظم: وما يخالف ثقة فيه الملا فالشاذ والمقلوب قسمان تلا إبدال راو ما براوٍ قسم وقلب إسناد لمتن قسم شرع الناظم في بيان الحديث المقلوب، وهو ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يكون القلب في السند.
الثاني: أن يكون القلب في المتن.
ومن أمثلة ذلك: قوله ﷺ في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، قال الراوي: (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)، فهذا نسميه قلب المتن؛ لأن الإنفاق يكون باليمين لا بالشمال، فقلب الراوي اليمين بدلًا من الشمال.
وقد يكون القلب في السند، بمعنى: أنه يقدم ويؤخر في السند، وقد حدث هذا مع شيخ المحدثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، فقد كان طبيب الحديث في علله رحمه الله تعالى، لما نزل بغداد أراد جمع من العلماء أن يختبر ذكاءه وحفظه -كلما زادت حاسة الحفظ عند العبد فهذا معناه رضا من الله ﷿ عليه- فجلس البخاري بينهم فأرادوا أن يختبروه، فأتوا بمائة حديث وقلبوا أسانيدها، كحديث: (إنما الأعمال بالنيات) رواه عمر بن الخطاب، فجعلوا الراوي هو أبو هريرة بسند مختلف، وهكذا في كل الأحاديث.
فقام السائل الأول يقول له: حدثنا فلان عن فلان عن أبي هريرة قال: (إنما الأعمال بالنيات)، فقال البخاري: لا أعرفه، فقال الجهلاء: سقط في الاختبار، وقال العلماء: أدرك اللعبة، وقام الثاني والثالث والبخاري لا يزيد على أن يقول: لا أعرفه، حتى أتموا المائة، ولما انتهوا قال: أين السائل الأول؟ قال: أنا.
قال: حديثك الذي ذكرت كذا، وصحة السند كذا، حتى أتى على المائة تمامًا بترتيبها.
يقول الحضور: ما عجبنا من تصحيحه بقدر ما عجبنا من إعادته للأحاديث المائة مرتبة كما ذكروها.
قوله الناظم: (والمقلوب قسمان تلا)، أي: أن المقلوب قسمان.
الأول: إبدال راوٍ ما براوٍ، مثل أن يقول: حدثنا مكي بن إبراهيم، فيضع مكانه أبا اليمان.
الثاني: قلب إسناد لمتن قسم وقد بين الناظم أنواع القلب في هذا البيت، وإن شاء الله تعالى سنواصل الحديث بعد ذلك.
2 / 8
شرح البيقونية [٣]
تناول الناظم رحمه الله تعالى في بيقونيته أنواع الحديث الضعيف، فذكر نحوًا من ثلاثة وعشرين نوعًا، وذكر منها: الغريب والمعلل والمضطرب، وقد تناولها العلماء بالتعريف والبيان والأمثلة؛ لما للسنة من مكانة عظيمة في الشريعة المحمدية.
3 / 1
النهي عن القول على الله بغير علم
الحمد لله الذي شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل الحديث مع المنظومة البيقونية باعتبارها المتمم للمصدر الثاني من مصادر التشريع: السنة، وقبل ذلك نورد أمورًا عجيبة في هذا الزمن! أخ كريم فضلًا عما سمعت يخبرني: أنه اليوم يسمع في إذاعة القرآن صباحًا أن أحد من يتحدث فيها يقول: إن الملائكة ليس لهم أجنحة، وإنما الجناح أطلق على سبيل المجاز كقول الله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء:٢٤]، فليس للإنسان جناح، وإنما هي إشارة إلى التواضع، وعلى هذا فليس للملائكة أجنحة! فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! يا عبد الله! أما قرأت أن النبي ﷺ رأى جبريل وله ستمائة جناح؟! أما علمت أن جبريل حمل قرى لوط على جزء من جناحه؟! أما سمعت قول الله: ﴿جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ [فاطر:١]؟! لكن الرويبضة نطق! وبالأمس أيضًا وأنا أستمع قدرًا إذا بأحدهم يقول: ومن أسمائه ﷺ طه ويس لما روى علي بن أبي طالب، ولا ندري من أين جاء بهذا الأثر وما صحته؟! واليوم في جريدة الجمهورية -مسألة خلافية نعم- استند كاتب دكتور إلى حديث استنادًا غير صحيح: (من مر على قبور وقرأ: قل هو الله أحد كتب له بعدد المقابر حسنات)، فهذا الحديث رواه الدارقطني وضعفه كل علماء الحديث، فانظروا إلى هذه الفوضى التي نحن فيها، لذا ينبغي أن يتقوا الله ﷿ في دين الله، وأن يعلموا أن الناس منهم المقلّدة العوام، فقد يقول واحد منهم: هل أتبع كلام شيخي العزيز أم الدكتور؟! وانتبه إلى كلمة الدكتور فهي كبيرة قليلًا! وأقول: إن المسألة الآن تحتاج منا إلى جهد لنعلم الناس العلم الصحيح؛ لأنه قد أصبح كل واحد يقول ما يشاء، وإن قلت لأحدهم: فوائد البنوك حرام قال لك: أقدم فتواك أم فتوى مجمع البحوث؟! فمجمع البحوث أصدر فتوى بحلها وانتهى الأمر، وكما يقول المثل: (حطها في رقبة عالم واطلع سالم)، لن تخرج منها سالمًا يا عبد الله! نحن الآن في الزمن الذي صوّره لنا النبي ﷺ: (وسّد الأمر إلى غير أهله)، من المتحدث؟ لا أدري! نسأل الله العافية.
3 / 2
الحديث الفرد
يقول الناظم ﵀: والفرد ما قيّدته بثقة أو جمع أو قصر على رواية والحديث الفرد بصفة عامة: ما انفرد به راوٍ واحد في أي طبقة من الطبقات، كأن يكون في طبقة الصحابة رواه واحد، أو في طبقة التابعين رواه واحد، أو في طبقة تابع التابعين رواه واحد.
هذا يسميه العلماء الحديث الفرد.
ويغلب على هذه الأحاديث أنها تكون ضعيفة؛ لأنه ربما يكون للراوي ستمائة شيخ نقل عنهم، فينفرد واحد فقط من هذا العدد الكبير برواية، فنقول: من العسير أن يخطئ هذا العدد الكبير وينفرد هو برواية صحيحة؛ ولذلك يقول الشيخ ابن عثيمين في الشرح رحمه الله تعالى: الحديث الفرد في زمن الصحابة كان يميل إلى الصحة؛ لأن عدد الصحابة قليل، وكلما اتسع وتقدمنا إلى الأمام زاد احتمال الضعف.
3 / 3
أقسام الحديث المفرد وأمثلة لكل قسم
ينقسم الحديث الفرد إلى ثلاثة أقسام.
يقول الناظم: الفرد ما قيدته بثقة أو جمع أو قصر على رواية إذًا: أول قسم من الحديث الفرد: ما قيّد بثقة.
ثانيًا: ما قيد بجمع.
ثالثًا: ما قصر على رواية.
سنضرب مثلًا للقسم الأول: حديث: (إنما الأعمال بالنيات) حديث فرد؛ لأنه انفرد به سيدنا عمر من طبقة الصحابة، وانفرد به أيضًا في طبقة التابعين راوٍ واحد، وفي طبقة تابعي التابعين راوٍ واحد، إلا أن الجميع ثقات، فهذا يسمى حديث فرد.
ومثال ما قيد بجمع: أهل الشام ينقلون حديثًا واحدًا فينفرد بخلافه راوٍ من أهل الشام، فهذا يسمى فردًا نسبيًا يعني: خالف أهل بلدته أو أهل قبيلته.
القسم الثالث من الحديث الفرد: هو الحديث الذي قصر على رواية.
نقول: انفرد به فلان بهذه الرواية.
هذا هو الحديث الفرد.
3 / 4