شَمُّ العَوارِضِ في ذمِّ الرُّوَافِضِ
تصنيف: الملا علي بن سلطان القاري (وفاته سنة ١٠١٤هـ)
تقديم وتحقيق: د. مجيد الخليفة
Halaman tidak diketahui
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
مقدمة المحقق
الحمد لله رب العالمين، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونصلي ونسلم على خير الخلق نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه رسالة لطيفة في موضوع مهم من مواضيع العقيدة، ألا وهو موضوع حكم سب السلف الصالح عند بعض طوائف الشيعة الإمامية، وكان هذا الأمر قد انتشر في خراسان بين كثيرٍ من العوام أبان ظهور الدولة الصفوية في بداية القرن العاشر الهجري (١)، فقام الملا علي بن سلطان القاري بتأليف هذه الرسالة وسماها (شم العوارض في ذم الروافض)، وكان السبب في ذلك هو النقاش الذي دار بينه وبين أحد علماء عصره حول الحكم الشرعي لمن سب صحابيًا، فكان القاري يعتقد أنه كافر بالدليل الظني - على طريقة الحنفية في الأصول - وكان صاحبه يعتقد بكفره بالدليل القطعي، فكانت بين الرجلين جفوة أشار إليها القاري في صدر رسالته حيث قال: «فترك صحبتنا واختار غيبتنا وعتبنا» (٢).
_________
(١) مؤسس هذه الدولة هو صفي الدين الأردبيلي، بدأت دعوته صوفية، فالتف حوله كثيرٌ من المريدين، ثم خلفه ابنه صدر الدين موسى الذي تبنى عقيدة الشيعة الإمامية واتخذها سلمًا للوصول إلى قلوب القبائل الإيرانية، وقد ساعدت الظروف السيئة على نشوء هذه الدولة في إيران. د. أحمد خولي، الدولة الصفوية: ص ٤ وما بعدها.
(٢) شم العوارض: ١/ب.
1 / 5
والقاري وإن كان قد عرض هذا الموضوع على مذهب الحنفية الفقهي وطريقتهم في استنباط الحكم الشرعي، إلا أن هذه الرسالة جاءت غنية بمادتها فريدة في بابها، نظرًا لما في مسألة التكفير من تردد بين العلماء، فلا يقولون به إلا عند المسلمات والمهمات من أمور الدين.
ولابد في البدء أن نعرف بالمؤلف ثم نسبة وتوثيق المخطوط مع بيان ملاحظاتنا عليها، وأخيرًا المنهج الذي سنسير عليه في تحقيق هذه الرسالة.
الملا علي القاري:
هو علي بن سلطان محمد القاري (١)، نور الدين الملا الهروي الحنفي، ولد بهراة وتلقى العلم على يد عدد من علمائها وعلماء خراسان منهم: أبو الحسن البكري، والأيجي الصفوي والحفيد التفتازاني وغيرهم (٢).
نال الملا علي القاري ثناء عدد من العلماء نظرًا لسعة مؤلفاته وتنوعها ما بين الفقه والحديث والأصول والعقائد، قال العصامي: «الجامع للعلوم النقلية والعقلية والمتضلع من السنة النبوية ...» ثم قال: «لكنه امتحن بالاعتراض على الأئمة لا سيما الشافعي وأصحابه، واعترض على الإمام مالك في إرسال يديه» (٣)، ولكن اعتراضه على بعض أصحاب الشافعي أو مالك لا يؤاخذ عليه إن كان يندرج تحت باب الفتوى والاجتهاد.
_________
(١) كذا يذكره المؤلف في صدر هذه الرسالة (وهي بخطه ﵀، وقيل: علي بن سلطان بن محمد، وعليه أكثر المصادر. أما نسبته فهي إلى (قار) قرية بالري. معجم البلدان: ٤/ ٢٩٥.
(٢) شم العوارض: ٦/أ.
(٣) الشوكاني، البدر الطالع: ١/ ٤٤٥.
1 / 6
أما فيما يخص عقيدة الملا علي القاري، فهو في عداد الماتريدية، وإن كان كثيرًا ما يثني على شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، قال ...: «لقد دافع القاري - جزاه الله خيرًا - دفاعًا كاملًا عن شيخ الإسلام وابن القيم، ورد من رماهما بسوء الاعتقاد والتجسيم والتشبيه والضلال، وأقر عقيدة السلف في الصفات، وأنها لا تستلزم التشبيه كما دافع عن أهل الحديث ورد من يطعن عليهم بالتشبيه والحشو» (١)، ولكن مؤلفات القاري لم تكن لتخلو مما يعارض عقيدة السلف، مثل قوله في الرسالة التي نحن بصددها - في معرض كلامه على عقيدته -: «لا عَينَ ولا غَير في تحقيق صفَاتِ الذاتِ» (٢)، ويبدو أن القاري لم يسلم من تأثيرات عصره، خاصة وأنه قد عاش في عصر الدولة العثمانية ذات العقيدة الماتريدية، وصاحبة الفروع الفقهية الحنفية (٣).
من المرجح أن عدم الاستقرار الذي شهدته خراسان خلال الحروب التوسعية للدولة الصفوية، قد دفع القاري إلى الخروج من هذه الديار وسكن الديار المقدسة في مكة المكرمة، حيث ألف هذه الرسالة، وقال في توثيق ذلك: «وَالحمدُ لله عَلى مَا أعطاني مِنْ التوفيق وَالقدرَة عَلى الهجرة مِنْ دَار البدعة إلى خير ديار السّنة، التي هِي مُهِبط الوحي وظهِور النبوة ...» (٤)، حيث ألف هذه الرسالة قبيل وفاته ببضع سنوات (٥)، حيث توفى سنة ١٠١٤هـ (٦).
_________
(١) الماتريدية وموقفهم من الأسماء والصفات: ١/ ٤٩٤ نقلًا عن الموسوعة الميسرة: ٢/ ١٧١٤.
(٢) شم العوارض: ١٣/أ.
(٣) الموسوعة الميسرة: ٢/ ١٧١٣.
(٤) شم العوارض: ٨/أ.
(٥) المصدر نفسه: ١٦/ب.
(٦) الشوكاني، البدر الطالع: ١/ ٤٤٥؛ المحبي، خلاصة الأثر: ٣/ ١٨٥؛ إسماعيل باشا، هدية العارفين: ١/ ٧٥١؛ الزركلي، الأعلام: ٣/ ١٨٥؛ معجم المؤلفين: ٧/ ١٠٠.
1 / 7
لقد ترك لنا الملا علي القاري عددًا كبيرًا من المؤلفات في مختلف الفنون، توزعت ما بين التفسير والإقراء والفقه والحديث والأصول، وتجاوزت المائة والعشرين مصنفًا ما بين مجلدات كبيرة، ورسائلٍ صغيرة (١).
اسم الرسالة وتوثيقها:
التسمية التي اختارها الملا علي القاري لرسالته هذه هي (شم العوارض في ذم الروافض) هكذا ذكرها المؤلف بخطه في النسخة التي اعتمدناها كأصل في التحقيق، على ما سيأتي بيانه في الفقرة التالية، وقد ذكرها بعده أكثر من مؤلف بهذه التسمية، إذ ذكرها حاجي خليفة بهذا الاسم أيضًا (٢) وهي التسمية نفسها التي أثبتها إسماعيل باشا البغدادي في اثنين من مؤلفاته (٣)، فهذا يثبت صحة نسبة الرسالة للملا علي القاري، كما يثبت في الوقت نفسه دقة تسميتها.
وقد ذكرت في نسخة دار الكتب المصرية بعنوان (شيم العوارض في ذم الروافض) وهو تصحيف نشأ عن عدم تحقيق التسمية، إذ أن المعنى لا يتناسب مع السياق، لأن العوارض تعني بلسان العرب الشبهة أو الآفة المعترضة في الفؤاد (٤)، ويقال: «العوارض من الإبل اللواتي يأكلن العضاة عرضًا أي تأكله
_________
(١) يمكن الاطلاع على قائمة بهذه المؤلفات في هدية العارفين: ١/ ٧٥١ - ٧٥٣؛ معجم المؤلفين: ٧/ ١٠٠ - ١٠١.
(٢) كشف الظنون: ٢/ ١٩٧٢.
(٣) هدية العارفين: ١/ ٧٥٢؛ إيضاح المكنون: ٢/ ٥٥.
(٤) لسان العرب: ٧/ ١٦٩.
1 / 8
حيث وجدته» (١)، وربما استعار المؤلف هذا المعنى كي يجعله عنوانًا لرسالته، فجمع ما بين الشبهة المعترضة في القلب، وما بين الإبل التي تشم الكلأ قبل أن تأكله، والله تعالى اعلم.
موضوع الرسالة:
لا شك أن موضوع الرد على أهل الأهواء والضلال من الأمور التي شغلت العلماء من أهل السنة والجماعة على اختلاف مذاهبهم، وقد اتخذت هذه الردود أشكالًا متنوعة تبعًا لظروف كتابتها أو مكانة مؤلفها، والرسالة التي نحن بصددها الآن لا يمكن أن نفصلها عن الظروف السياسية لعصر المؤلف، خاصة ظهور الدولة الصفوية في أرض إيران بعقيدتها الإمامية الغالية، وإذا ما علمنا أن هذه الديار كانت حتى القرن العاشر الهجري ذات أغلبية سنية عظيمة، تبين لنا عظم المصيبة التي ألمت بالمسلمين في إيران بظهور دولة الرافض فيها، إذ بدأت أعمال وحشية تبناها رجال هذه الدولة ضد سكان إيران من أهل السنة لتحويلهم قسرًا إلى مذهب الشيعة الإمامية، وكان من أشد هؤلاء الشاه إسماعيل الصفوي الذي مارس ضد أهل السنة والجماعة أبشع أنواع القتل والتنكيل، فقد نقل المؤرخون أنه قتل في مجزرة تبريز أكثر من عشرين ألف شخص، ولم يفرق فيها بين رجل أو امرأة وشيخ أو صبي (٢).
وكان الملا علي القاري شاهد عيان على هذه الحقبة، حيث كان يعيش في تلك الأثناء في مدينة هراة، وينقل لنا في رسالته هذه كيف دخلت جيوش إسماعيل
_________
(١) المصدر نفسه: ٧/ ١٧٥.
(٢) الدولة الصفوية: ص ٥١ - ٥٢.
1 / 9
الصفوي إلى هذه المدينة، وأعلنوا سب الصحابة على المنابر، فامتنع علماء أهل السنة عن ذلك فقتلوا الشيخ معين الدين الأيجي خطيب الجامع الكبير في هراة، ثم قتلوا بعد ذلك حفيد التفتازاني عند دخول الشاه إسماعيل الصفوي إلى هراة، وكلا الشيخين الشهيدين كانا من مشائخ القاري (١).
وهنا دار جدال بين العلماء من أهل السنة في حكم هذه الفرقة التي جاهرت بسب الصحابة على المنابر، وعده من أفضل القربات والطاعات، وهذه الرسالة تبين الحكم الشرعي في هذا الموضوع وفق ما يراه مؤلفها، وقد كان متأثرًا بطبيعة الحال بنشأته العلمية وخلفيته المذهبية، إذ سار في طريق العرض والاستدلال في هذه المسألة وفق طريقة الحنفية في التفريق بين الدليل القطعي والظني عند النظر في الأحكام الشرعية، ولم يتطرق إلى أقوال الأئمة الآخرين إلا في النادر، وربما أن يكون السبب في تأليف هذه الرسالة - وقد تقدم ذكره - قد انعكس على أسلوبها ومنهجها.
كما يمكن أن نلاحظ أن الرسالة - على قيمتها العلمية - عرجت إلى مواضيع أخرى بعيدة عن المضمون مثل تناولها لمسألة الاجتهاد وشروط والمفتي وغيرها من المواضيع، كما يمكن أن نلاحظ أن المؤلف أكثر النقل من كتب الفقه الحنفي، في حين كان يمكن له الاستعانة بأقوال الأئمة الواردة في كتب العقيدة.
بقي أن نشير إلى أن الرسالة تفتقر أيضًا إلى النقل عن كتب الشيعة الإمامية التي ورد فيها سب الصحابة منسوبًا إلى بعض أئمتهم، وهذا الأمر ليس بمستغرب خاصة إذا ما علمنا أن الشيعة الإمامية يخفون هذه المؤلفات عن أعين الناس لما فيها من فضائح، ولذا افتقرت ردود أهل السنة المبكرة عليهم من النقل من مؤلفاتهم،
_________
(١) شم العوارض: ٦/أ.
1 / 10
وكان لعلماء الهند فيما بعد دورٌ كبير في اختطاط هذا المنهج والسير عليه ونقد عقائد الإمامية من خلال كتبهم، ثم انتقل هذا الأسلوب إلى العراق على يد الأسر العلمية التي ظهرت فيه، خاصة الأسرة الحيدرية والآلوسية.
وصف المخطوط:
اعتمدت في تحقيق رسالة (شم العوارض في ذم الروافض) على نسختين:
الأولى: نسخة مكتبة الآثار العامة التابعة للمتحف العراقي ببغداد، وهي نسخة بخط المؤلف، وهي الرسالة الثانية في مجموع يحمل الرقم (٣٥١٩٤) ويضم خمس رسائل، وتحتل الصفحات (١٥ - ٦٣) من هذا المجموع وتبلغ لوحاتها (٢٥) لوحة من الحجم المتوسط، ومسطرتها خمسة وعشرون سطرًا، في كل سطر حوالي عشر كلمات، وقياساتها: (٢١ × ١٥ سم)، وكتبت هذه النسخة بخط واضح قد شكلت معظم حروف كلماته، ولذلك اعتمدتها أصلًا ورمزت لها بالحرف (م).
الثانية: نسخة دار الكتب المصرية بالقاهرة، وتحمل الرقم (٦٣ توحيد)، لا يعرف ناسخها، ويبلغ عدد لوحاتها (٣١) لوحة من الحجم المتوسط، ومسطرتها إحدى وعشرون سطرًا، في كل سطر تسع كلمات، وقياساتها: (١٩ × ١٣ سم)، وكتبت هذه النسخة بخط واضح، فيها بعض السقط استدركه الناسخ في حواشي المخطوط، وفي حواشيها أيضًا بعض العناوين التي تشير إلى بعض المواضيع، وقد رمزنا لهذه النسخة بالحرف (د).
وأخيرًا نود أن نشير إلى أن صيغة الصلاة في (د) قد جاءت هكذا: (صلى الله تعالى عليه وسلم) في حين أن صيغة الصلاة في (م) قد جاءت هكذا ﷺ فجعلنا الصلاة كما في نسخة (د)، كما وردت كانت هناك صيغة
1 / 11
أخرى للصلاة على النبي ﷺ، جاءت في أغلب الأحيان في (م) هكذا ﵇ في حين أنها كانت في (د) هكذا ﵊، فأثبتنا الصيغة الأخيرة، إلا في بعض الحالات التي جاءت الصيغة متوافقة، ولم نشر إلى ذلك عند المقابلة كي لا نثقل الهامش.
منهج التحقيق:
يمكن بيان المنهج الذي اعتمدناه في تحقيق هذه الرسالة بالنقاط الآتية:
١. نسخ الرسالة بالاعتماد على النسخة (م) لما فيما من ميزات، تمت الإشارة إليها سابقًا، ثم مقابلتها بالنسخة (د) وإثبات الفروق في هامش الرسالة، فاثبتنا في المتن ما اعتبرناه صحيحًا، كما قمنا بتصحيح بعض الألفاظ التي ترجحت لنا عند المقابلة.
٢. عزو الآيات القرآنية إلى مكانها من السور والآيات في المصحف، ووضع الآية بالقوس المشكل ثم تخريج رقم الآية واسم السورة وإلحاقه بالآية بقوسين معقوفين في متن الرسالة.
٣. وضع عناوين جانبية للمخطوط بالاستعانة بما هو موجود في نسخة (د)، أو بما رأيناه مناسبًا من عندنا، وقد ميزنا عناويننا بقوسين معقوفتين.
٤. تخريج الأحاديث والآثار بذكر المصدر الذي يذكره المؤلف بالجزء والصفحة والرقم، واعتمدنا ذكر الكتاب والباب إذا خرج الحديث من الكتب الستة، ثم اتبعنا ذلك بذكر صحة الحديث أو ضعفه حسب قول أئمة الشأن في ذلك، خاصة أحكام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ﵀ على الأحاديث.
1 / 12
٥. تخريج الروايات الواردة عن السلف من الكتب المعتمدة التي خرجت هذه الآثار.
٦. ذكر الآراء الفقهية التي أشار إليها المؤلف من كتب الحنفية، وبما أن المؤلف اكتفى في معظم الأحيان بذكر آراء الأحناف، فقد أشرنا في الهامش إلى أراء الأئمة الثلاثة في المسألة التي يذكرها المؤلف من كتب الفقه المعتمدة.
٧. التعريف بالأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة بترجمة مختصرة مع ذكر مصدرين على الأقل من مصادر ترجمتهم، كما تم التعريف بالكتب التي ذكرها المؤلف في متن الرسالة، حيث ذكرنا اسم مؤلفه ووفاته ومذهبه.
٨. تحقيق بعض المسائل التي ذكرت في متن الرسالة مما خالف في المؤلف عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي قليلة جدًا، ثم أثبتنا في الهامش القول الصائب من كتب أهل السنة والجماعة.
٩. إعداد قائمة بمصادر ومراجع التحقيق.
في الختام لا بد من شكر أهل الفضل الذين ساعدونا في ضبط النص وتقويمه، فجزاه الله خيرًا.
د. مجيد الخليفة
٢٧ محرم ١٤٢٥هـ
نسأله تعالى أن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يتجاوز عن سيئاتنا، ويختم لنا بالحسنى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1 / 13
شَمُّ العَوارِضِ في ذمِّ الرُّوَافِضِ
1 / 19
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مقدمة المؤلف]
الحمدُ لخالقِ البَرايَا، وَالشكرُ لوَاهبِ العَطايَا، وَالمَدحُ لِدَافعِ (١) البَلايَا، والصَّلاةُ وَالسّلامُ على سَيدِ الأنبيَاءِ وَسَند الأصفيَاءِ، وعَلى آلهِ وأصحَابهِ الأتقِيَاء، رغمًا للخَوارجِ والرّوَافِض مِنْ الأغبيَاء.
أمَّا بعدُ:
فيَقولُ الرّاجي برَّ (٢) رَبِهِ البارِي عَلي بن سُلطان محمد القارِي: إنَّ أول مَا يجَبُ على العِبَاد تحسِين الاعتِقاد بِطَريقِ الاعتماد؛ ليَنفَعهُم حيَن المعَاد يومَ التنادِ (٣)، وَمِنْ المعلُوم عند أربَابِ العُلُوم وَأصحابِ المفهوم أن مبنى العَقائدِ على الأدلةِ القَطِعية، [لاَ عَلى] (٤) الحجَج الظنِيّة المفيدَة في المسَائلِ الفقِهيةِ الفَرعية، وَذلكَ لقولِهِ تَعالى في ذَمِّ الكفَّار: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئا ً فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ [النجم: ٢٨ - ٣٠] وَالآيَاتُ في [هذا] (٥) المَعْنى كثيَرة،
_________
(١) في (د): (لرافع).
(٢) (برّ) سقطت من (د).
(٣) (يوم التناد) سقطت من (د).
(٤) زيادة من (د).
(٥) وردت في (د): (هذه) ولا توجد في (م).
1 / 21
والأحادِيثُ في المبنى كثيرة (١) شِهيرة، والإجماعُ منعقد عليَه [عند] (٢) من يؤخذ مَعِرفة لدَيه.
وإنما الخلاف في أنَّ إيمانَ المقلدِ هَلْ هُوَ صحِيحٌ أم لا؟ [١/ب] فالجمهُور على أنْهُ يَصِحّ إلا أنه مُؤاخذ بتركِ ما يجَبُ علَيهِ، والمحققونَ لا يَميلُونَ إليَهِ، حَتى إمُامنَا الأعظم وَهمامَنا الأفخم (٣) أوجَب الإيمان بمجردِ العَقل، وَلو لم يبعثِ الرسُل، ولم يظهر النقل، ويؤيّدُه قَوله تعَالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذريات: ٥٦] أي ليعرفون (٤)، كما فسَّرهُ حَبرُ الأمَّةِ ومقتدى الأئَمة (٥).
_________
(١) (كثيرة) سقطت من (د).
(٢) زيادة من (د).
(٣) هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي، إمام أصحاب الرأي، وفقيه العراق، قال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة. وفاته سنة ١٥٠هـ. تاريخ بغداد: ١٣/ ٣٢٣؛ سير أعلام النبلاء: ٦/ ٣٠٩.
(٤) لم أجد هذه الرواية عن ابن عباس، وإنما هي تنسب إلى ابن جريج كما في تفسير ابن كثير: ٤/ ٢٣٩؛ وقد تمسك بعض الصوفية بهذا الحديث في ترجيح تفسير هذه الآية كما في تفسير أبي السعود: ٢/ ١٣٠. وقد روى الطبري عن ابن عباس في تفسير: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون: إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها»، وقد رجح هذه الرواية وانتصر لها في تفسيره: ٢٧/ ١٢.
(٥) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب من مشاهير علماء الصحابة في التفسير لدعوة النبي ﷺ، وفاته سنة ٦٨هـ. ترجمته في تذكرة الحفاظ: ١/ ٤٠، تهذيب التهذيب: ٥/ ٢٤٢.
1 / 22
وأما قوله تعالى (١): ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥] فالمرادُ بِهِ عَذاب الدنيَا دُونَ عَذابِ الآخِرةِ (٢)، أو يجعَل العَقل أيضًا رَسُولًا؛ لأن بِهِ إلى مَعرفةِ الحَقِّ وصُولًا وَبُدونَه، حَتى معَ وجُودِ الرسول لم يكنْ حصُولًا (٣).
ثمَّ مِنْ الغِرَيبِ ما وَقعَ في القريب أنه صدر عَني في بعضِ مَجالِسِ درسي وَمجامع أنسِي: أن سَبَّ الصحَابة ليسَ كفرًا (٤) بالدلِيلِ القطعي بَل بالظني، وَإنَّما يقتلُ السَاب للأصحَاب في مَذهَبنا سَياسَة للِدوَاب عَن قلةِ الآدابِ في هَذا البابِ، فتوشوش خاطر بَعض الحاضِرينَ مِنْ الرجَالِ، مِمنْ يشبه الأعوَر الدَّجال، الذِي لم يفرقْ بَينَ الحَقِّ مِنْ الأقوالِ، وبَينَ البَاطلِ الصادرِ عَنْ أهلِ الضلالِ، وَاغتَر بمنْ (٥) قرأ بَعض المقَدمَاتِ الرسميَّةِ مِنْ العلُومِ الغريبةِ الوَهِمية، ولم يُميزْ بَينَ العَقائدِ القَطِعِية وَالفَوائدِ الظنيَّة، حَيْثُ ألتقط عَقيدَته من ألسِنةِ (٦) العَوامِ، أو مِنْ آبائِهِ الذِينَ لم يكونُوا مِنْ العُلمَاءِ الأعلامِ، وَقَدْ قالَ تعَالى في ذمِّ هَؤلاءِ الذِينَ كالأنْعَامِ، قالوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾
_________
(١) في (د): (سبحانه).
(٢) في (د): (العقبى). وقول القاري هنا أن العذاب مخصوص بالدنيا ذهب إليه بعض أهل العلم، وذهب آخرون إلى أن: «هذا عام في الدنيا والآخرة». القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ١٠/ ٢٣١.
(٣) لا يمكن للعقل أن يدرك مقام العبودية بدون رسالة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد ذكر الآمدي ثلاثة أقوال في طرق العلم: قيل بالعقل فقط والسمع لا يحصل به كقول الرازي، وقيل بالسمع فقط وهو الكتاب والسنة، وقيل بكل منهما ورجح هذا وهو الصحيح». النبوات: ص ١٧٤.
(٤) في كلا النسختين: (كفر).
(٥) في كلا النسختين: (بما).
(٦) في (د): (ألسن).
1 / 23
[الزخرف: ٢٣] أي: على أنوارِهِم مُهتَدونَ (١) و: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣] وَمُعتَمدُونَ (٢).
فَتركَ صُحبتنا وحَضرتنا، وَاختارَ غيبتنا وَعتبنا (٣)، وكانَ الوَاجبُ عليِهِ مِنْ الأدَبِ لدَيِهِ (٤) أنْ يُغْمضَ عينه مِنْ بَعضِ عيُوبنا، لَو تحقق شَيْءٌ مِنْ ذنُوبنِا رعايَة لِحفظِ قلوُبنا، إذْ غايَته أنَّه إذَا (٥) وقع خطأ مِنا والمجتهد قَدْ يخطئ في مَذهَبنِا، أو انفَردنا بهذا القَوْلِ عَنْ غيرنا أو تبعنا أحدًا مِنْ مَشائخِنَا [٢/أ] فتَعيَن عَلَيْهِ أنْ يَأتِينا بنقلٍ لدَيه، أو روَايةٍ وَصَلتْ إليَهِ، أو يبحَث معَنَا، ليظهرَ مَا عِنْدَنا فيَقبلهُ مِنا أو يَردهُ عَلينَا، فنَقبلهُ [منه] (٦) أو نَدفعهُ عَنا، كما هُو طِريقة العُلَماء وَالطلَبة مِنْ الفُضَلاءِ.
هَذا الإمَام الأعظم وأصحَابه في مَقَامِهِ الأفخمِ، كانوا يتَباحثونَ في المسَائل، ويتَناقشونَ في الدلائلِ، ويتَنافسونَ في الفضائلِ، فإمّا أنْ يَرِجْعَ الإمَامُ في أقِوالهِم، أو يَرجعونَ (٧) إلى قولِهِ بتحسِين أحَوالهم، وكذَا كَانَ حَالُ السَّلفِ مِنْ الصَحابةِ والتَابعينَ في مجَالسِهم الجامِعينَ، يتَذاكرونَ في العِلمِ ويتبَاحثونَ بالحِلمِ هنالكَ،
_________
(١) قال مجاهد في تفسير: ﴿وإنا على آثارهم مقتدون﴾ قال: بفعلهم، وقال قتادة: فاتبعوهم على ذلك. تفسير الطبري: ٢٥/ ٦١.
(٢) قال ابن كثير: «أي يفرحون بما هم فيه من الضلال؛ لأنهم يحسبون أنهم مهتدون». التفسير: ٣/ ٢٤٨.
(٣) (وعتبنا) سقطت من (د).
(٤) (لديه) سقطت من (د).
(٥) في (د): (قد).
(٦) زيادة من (د).
(٧) في (د): (يرجعوا).
1 / 24
بخَلافِ الخلف حَيْثُ كانَ خلقُهُم على خَلافِ ذلَكَ.
وكذَا لمَّا منعَ الإمَامُ وَلدَه حَماد (١) عَنْ البَحثِ في علمِ الكلامِ، وأجَابَ عَنْه بأنَّي رَأيتك تَبحَثُ في هَذا المرامِ، فَقَالَ: نَعَمْ إنَّي كُنْتُ في الجنَّةِ مع صَاحِبي وأخَاف عَليِه مِنْ أنْ يخطئ في ذلكَ المقامِ، وأنتم في هذِه الأيامِ تتَباحثونَ، وكلٌّ (٢) منكِم يريدُ أنَّ صَاحبَه يقع في الكفرِ والملامِ، بَلْ أنتم بهذَا تَفرحونَ وتَتفاخرونَ، ومِنْ أرَادَ أنْ يذلَّ صَاحِبَه، وَيكفر كَفر قَبْلَ أنْ يكفرَ صَاحِبَه.
ثم أغرب مِنْ هَذَا أنَّه انتقل مِنا إلى بَعضِ إخوانِنا مِمنْ (٣) يستعيض مِنْ عَدوِنا، وَيفيض مِنْ مَدَدنا حَيثُ لم يلقَ مِنْهُ مِنْ بَعدنا، فحرم مِن شمة وردنا وَسَابقة وَردنا بَعد اختِيار بُعدنا.
وَمِنْ اللطائفِ في مَراتبِ الظرائف، أنْ بَعضَ طلبَة العِلم الشريف بَحث مع شيخه في مَحفلٍ منيف (٤)، وكلما أتَاه الأستَاذ في دَفع مَا أورده عليه من الإيراد نقضه، وأجَابَ بما يُناسِبُهُ (٥) مِنْ الأسِتَاذ، فلمَّا عَجزَ عَنه شيخه في الجوَابِ، قالَ لهُ في مَقامِ العتاب: «مَا أحسَن دأبكم في مُرَاعَاة الآدَاب، أنْه إذَا وَقعَتْ [زلة مِنْ معلمكم] (٦) في فصِلِ الخطابِ، تَتعلقونَ بحلقه ولا تتَحملونَ بَعضَ غلطِهِ وزيفِهِ،
_________
(١) هو حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، كان على مذهب والده، كان صالحًا خيرًا، وضعفه ابن عدي من قبل حفظه، وفاته سنة ١٧٦هـ. سير أعلام النبلاء: ٦/ ٤٠٣؛ لسان الميزان: ٢/ ٣٤٦.
(٢) في (د): (فكل).
(٣) في (د): (مما).
(٤) في (د): (المنيف).
(٥) في (د): (يناسب).
(٦) ما بين المعقوفتين جاءت في (د): (ذلة مَن يعلمكم).
1 / 25
فما أحسنَ آدابَ الصَّوفيّة والمريدين، حَيثُ يصَدقونَ [٢/ب] مَشائخهم، ولو تَكلمُوا بما يخَالف مِنْ أمُورِ الدينِ، فقالَ (١) التلميذ هكذا دَأبهم وآدابهم، وعلى نَحو هَذَا العُلمَاء وَأصحَابهم (٢)، ثُمَّ (٣) عَلم كلُّ أُناسٍ مَشربهم، وعَرَف كلُّ طَائفةٍ مذهَبهم.
إن قتل الأنبياء وطعنهم في الأنساب (٤) كفر:
ثُمَّ اعلم (٥) أنْ مِنْ القَواعِدِ القطعِيَّة في العَقائدِ الشرعيّةِ، أن قتل الأنبياء وَطعنهم في الأنْساب (٦) كفر بإجماعِ العُلماء، فمَنْ قتلَ نبيًا أو قتَله نبيٌّ فهو مِنْ أشقى الأشقياء (٧)، وأمَّا قتل العُلماءِ والأوليَاءِ وسبُّهم على ألسنَةِ الأغبياءِ، فلَيْسَ بكفرٍ إلاَّ إذَا كَانَ [عَلى] (٨) وَجه الاستحلالِ أَوْ الاستخفافِ، كما هُوَ ظَاهر عندَ أربَابِ الإنصاَفِ دُونَ أهلِّ التعَصبِ وَالاعتسَافِ (٩).
_________
(١) في (د): (فقام).
(٢) في (د): (وأعصابهم).
(٣) في (د): (فقد).
(٤) في (د): (الأشياء).
(٥) (•) النص من هنا نقله ابن عابدين في حاشيته: ٧/ ١٦٢.
(٦) في (د): (الأشياء)، وكذا في حاشية ابن عابدين.
(٧) من ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيًا». المسند: ١/ ٤٠٧، رقم ٣٨٦٨؛ كذلك أخرجه البزار في مسنده: ٥/ ١٣٨، رقم ١٧٢٨.
(٨) زيادة من (د). وكذا في حاشية ابن عابدين.
(٩) في (د): (الاسعاف).
1 / 26
قذف عائشة ﵂:
فَقاتلُ عثمَان بن عَفَّان وعَلي بن أبي طالب ﵄، لم يَقل بكُفْرهِ (١) أحَدٌ مِنْ العُلماء إلاَّ الرّوَافِض في الثاني وَالخَوارج في الأول، وَأما مَنْ قذَفَ عَائشة فكَافرٌ بالإجماعِ؛ لمِخالفَته نص الآياتِ المبرئة (٢) لَها مِنْ غَيْرِ النزاع، وكَذا مَنْ أنكر صُحبَة أبي بكرٍ الصديق [﵁] (٣) كفر؛ لإنكاره مَا أثَبتَ اللهُ بإخبَارِهِ في كتابه حَيثُ قالَ تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: ٤٠] (٤) بخلافِ مَنْ أنكر صُحَبة عُمر أو عَلي لعَدَمِ تضَمنه مُخَالفة الكتاب، وَإنْ كاَنَ صِحَّة صُحبتهما بِطريقِ التوَاتر في هَذا البَابِ، لأن إنكار كل مُتوَاتِر لا يكُون كفرًا في معرض الكتاب (٥).
ألا ترى أن مَنْ أنكرَ [جود حاتم (٦) بل] (٧) وجُوده، أو عَدالة نوشروَان (٨) وَشهوده لا يصَير كافِرًا في هذا الصّورَة؛ لأن إنكار مثل هذا ونحوه ليسَ مِما عُلِمَ
_________
(١) كذا في (د) وحاشية ابن عابدين. وفي (م): (بكفر).
(٢) في (د): (المعبرة).
(٣) زيادة من (د).
(٤) (إن الله معنا) لم ترد في (م).
(٥) هذا الكلام ليس على إطلاقه، وسيأتي تفصيل الأمر إن شاء الله في متن هذه الرسالة.
(٦) هو حاتم بن عبد الله بن سعد الحشرج الطائي القحطاني، أبو عدي، شاعر وفارس عاش في الجاهلية، يضرب المثل بكرمه، أدرك ابنه عدي الإسلام فاسم، وله قصة مع النبي ﷺ. الشعر والشعراء: ص ٧٠؛ تاريخ دمشق: ١١/ ٣٦٩.
(٧) زيادة من (د). وكذا في حاشية ابن عابدين.
(٨) كذا في الأصل والأصح أنو شروان: بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد، من مشاهير ملوك الفرس قبل الإسلام، تولى الملك سنة ٥٢٣م، ومات في عام الفيل سنة ٥٧٠م. تاريخ الطبري: ١/ ٥٢٩؛ تاريخ ابن خلدون: ٢/ ١٧٦.
1 / 27
مِنْ الدينِ بالضرورَةِ.
مسألة من اعتقد أن سب الصحابة مباح فهو كافر:
وَأمَّا مِنْ سبَّ أحَدًا مِنْ الصِحَابة، فهوَ فاسِق وَمبتَدع بالإجماع إذَا اعتقد أنه مُبَاح، كَمَا عَليه بَعض الشيعَة وَأصحَابهم، أو يترتب عَلَيه ثَواب كَمَا هوَ دَأبُ كِلامِهم، أو اعتقد كفر الصّحابة وأهل السنةِ في فصلِ خِطابهم فإنه كافر بالإجمَاع، ولا يلتفت إلى خِلاَفِ مخالفتهم في مقَامِ النِزاعِ، فإذَا عَرفت ذلك فلا بدَّ مِنْ تفصِيل هُنالك.
[قول] (١) علماؤنا يقتل بالسياسة:
فإذا سَبَّ أحَدٌ (٢) أحَدًا مِنهُم، فينَظر هَل مَعَهُ قرائن حَالِية أو قالِية (٣) [٣/أ] عَلى مَا تقدمَ مِن الكفريات أم لا؟ فِفي الأولِ كافر وفي الثاني فَاسِق، وَإِنما يقتلُ عَندَ عُلمائنا بالسيَاسَة لدفعِ فَسَادِهم وَشر عنادهم (٤) (٥).
لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث:
وَإلا فَقد قالَ ﵊ في حَديثٍ صَحَّت (٦) طرقه عَندَ الُمحدثيَن الأعلام: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَن محمدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» رَوُاه البخاري وَمْسلم وأبوُ دَاود وَالترمذِي وَالنسَائي عَن ابن مَسعُود (٧).
_________
(١) زيادة من المحقق كي يستقيم العنوان.
(٢) (أحدٌ) سقطت من (د). وكذا من حاشية ابن عابدين.
(٣) في (د): (قابلية).
(٤) في (م): (عنائهم).
(٥) (•) انتهى نقل ابن عابدين: ٧/ ١٦٢.
(٦) في (م): (صح) وفي (د): (صحيح)، وما أثبتناه أنسب للسياق.
(٧) صحيح البخاري، كتاب الديات، باب قوله تعالى: أن النفس بالنفس: ٦/ ٢٥٢١، رقم ٦٤٨٤؛ صحيح مسلم، كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم: ٣/ ١٣٠٣، رقم ١٦٧٦؛ سنن الترمذي، كتاب الديات، باب لا يحل دم أمرؤ مسلم إلا بإحدى ثلاث: ٤/ ١٩، رقم ١٤٠٢؛ سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب الحكم فيمن أرتد: ٤/ ١٢٦، رقم ٤٣٥٢؛ سنن النسائي، كتاب القسامة، باب القود: ٨/ ١٣، رقم ٤٧٢١.
1 / 28