تقديم فضيلة الشيخ محمد المنتقى الكشناوى الحمد لله العزيز القهار، العالم بالاسرار الذي اصطفى سيد البشر سيدنا محمد بن عبد الله بنبوته، ورسالته، وحذر جميع خلقه مخالفته فقال عز من قائل فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وصلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين. أما بعد: فاعلم أن علم الحديث ومن جملته علم السيرة النبوية أجل العلوم قدرا وأكملها مزية، من حازه فقد حاز فضلا كثيرا، ومن أوتيه فقد أوتي خيرا كثيرا. فقد روي عن سفيان الثوري ﵀ كما ذكره ابن الصلاح في مقدمة علوم الحديث له قال: «ما أعلم عملا أفضل من طلب الحديث لمن أراد به الله ﷿» . قال ابن الصلاح: وروينا نحوه عن ابن المبارك أهـ. قاله العلامة أبو الفيض مولانا جعفر الحسني الادريسي الشهير الكتاني رحمه الله تعالى وإيانا في مقدمة كتابه «نظم المتناثر من الحديث المتواتر» . ثم كما قال بعض الصالحين رضوان الله تعالى علينا وعليهم: إن معرفة عبادة الله تعالى والعمل بدينه الذي أنزله لصلاح شؤون العباد في الدنيا والآخرة متوقفة على معرفة هدى رسول الله ﷺ وطريقته العملية التي بين فيما شرع الله تعالى أول ما نزل عليه الوحي إلى أن أكمل الله تعالى هذا الدين وقد وعت كتب السنة والمغازي والتاريخ والشمائل أقوال النبي ﷺ، وأفعاله، وصفاته من أول نشأته إلى أن اختاره الله تعالى إلى جواره، لا سيما الفترة التي أدّى فيها الرسالة ولم تدع أمرا من أموره ولا شيئا من شؤونه دقّ أو جل إلا أحصته حتى

1 / 7

انك لتجد فيها صفة ثيابه وجلوسه ونهوضه من نومه وهيئته في ضحكه وابتسامه ومشيته وعبادته في ليله ونهاره، وكيف كان يفعل إذا اغتسل وإذا أكل وكيف كان يشرب وماذا كان يلبس وكيف كان يتحدث للناس إذا لقيهم. وما كان يحب من الألوان وما هي حليته وشمائله. ولسنا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إنه ليس في الدنيا إنسان كامل يتحدث التاريخ عن سيرته على التفصيل كما تحدث عن تفاصيل حياة نبينا محمد ﷺ خاتم النبيين. وأن من أوفى كتاب في هذا الموضوع هو كتاب الشمائل المحمدية للإمام الحافظ المحقق محمد بن عيسى الترمذي نفعنا الله تعالى به وأعاد علينا من بركاته آمين. وقد استوعب رحمه الله تعالى في كتابه هذا هديه ﷺ في صفاته، وقد كان من حسن الحظ أن نتعرف على فضيلة الأخ الكبير الشيخ محمد عفيف الزعبي رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين بدار العلم للطباعة والنشر، جدة وقد عرض علينا فضيلته نسخة من تحقيقه للكتاب فأرادنا أن نشاركه في الأجر بتقديم الكتاب للقراء راجيا من المولى الكريم أن يجازيه بأحسن الجزاء على هذا العمل العظيم ولكل من ساعد وساهم في إخراج هذا الكتاب الجليل، وأن ينفع به الطلاب، والمسلمين آمين. والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه. محمد المنتقى الكشناوى

1 / 8

ترجمة: الامام الترمذى نسبه: هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي «١» ولادته ووفاته: ولد الامام الحافظ أبو عيسى في قرية بوغ في سنة (٢٠٩ هـ) ثم انتقل منها إلى مدينة ترمذ «٢» إلى أن توفاه الله تعالى فيها سنة (٢٧٩ هـ) وله سبعون سنة. شيوخه وتلاميذه: يعتبر المؤرخون عصر الترمذي العصر الذهبي لعلم الحديث حيث كان رائد بعثه وازدهاره الامام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ناصر السنة. حيث علم الناس عامة وأهل العراق ثم مصر خاصة معنى الاحتجاج بالسنة _________ (١) بضم السين منسوب الى بنى سليم بالتصغير قبيلة من غيلان/ كذا ذكره ابن عساكر وقال السمعاني ابن شداد بدل ابن الضحاك. وأبو عيسى كنيته ومحمد اسمه وعيسى اسم أبيه وسورة اسم جده كما في القاموس ومعنى السورة في الأصل الحدة. (٢) قال صاحب القاموس ترمذ بكسر التاء وهي مدينة قديمة على طرف نهر بلخ من جهة شاطئه الشرقي ويقال لها مدينة الرجال. وقال الشيخ ابراهيم الباجوري فيها ثلاث لغات كسر التاء والميم وهو الأشهر وضمها وهو ما يقوله المتقنون وأهل المعرفة وفتح التاء وكسر الميم وثانية ساكن في الوجوه الثلاثة.

1 / 9

ومعنى العمل بها مع القرآن، وحدد أصول ذلك وحررها، وأقام الحجة على مناظريه بوجوب الأخذ بالحديث وأفحمهم. من ذلك نرى أن الأئمة الأعلام أصحاب كتب السنة نبغوا في الطبقة التالية لعصر الشافعي مباشرة، وان لم يدركوه رؤية وسماعا لتقدم وفاته، ولكنهم أدركوا اقرانه ومعاصريه ومناظريه وكبار تلاميذه. وبسرد بسيط لتواريخ ولادتهم ووفاتهم تظهر المقارنة واضحة ١- فالبخاري/ محمد بن اسماعيل ابو عبد الله ولد في شوال سنة ١٩٤ هـ ومات يوم السبت غرة شوال من سنة ٢٥٦ هـ. ٢- ومسلم بن الحجاج القشيري أبو الحسن ولد في سنة ٢٠٩ هـ ومات في ٢٥ رجب سنة ٢٥٦ هـ. ٣- والامام الحافظ الترمذي ولد سنة ٢٠٩ هـ ومات في ١٣ رجب سنة ٢٧٩ هـ. ٤- وأبو داوود سليمان بن الأشعث السجستاني ولد سنة ٢٠٢ هـ ومات في ١٦ شوال سنة ٢٥٧ هـ. ٥- والنسائي أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن ولد سنة ٢١٥ هـ ومات في ١٣ صفر ٣٠٣ هـ. ٦- وابن ماجه محمد بن يزيد بن ماجه أبو عبد الله ولد سنة ٢٠٩ هـ ومات في ٢٢ رمضان سنة ٢٧٣ هـ. ٧- وقد روى هؤلاء الأئمة الستة عن شيوخ كثيرين متفرد بعضهم بالرواية عن بعض الشيوخ واشترك بعضهم مع غيره في الرواية عن آخرين، واشتركوا جميعا في الرواية عن تسعة شيوخ فقط وهم:

1 / 10

وقد أدرك أبو عيسى الترمذي شيوخا أقدم من هؤلاء وسمع منهم وروى عنهم. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: سمع قتيبة بن سعيد «١» وأبا مصعب «٢» وإبراهيم بن عبد الله الهروي «٣»، وإسماعيل بن موسى السدي «٤»، وسويد بن نصر «٥»، وعلي بن صخر «٦» . والترمذي تلميذ البخاري وخريجه، وعنه أخذ علم الحديث وتفقه فيه ومرن بين يديه، وسأله واستفاد منه، وناظره فوافقه وخالفه، كعادة هؤلاء العلماء، في اتباع الحق حيث كان. وقد طاف ابو عيسى البلاد، وسمع خلقا من الخراسانيين والعراقيين والحجازيين. _________ (١) قتيبة بن سعيد الثقفي أبو رجاء ولد سنة ١٥٠ هـ ومات سنة ٢٤٠ هـ. (٢) أبو مصعب: أحمد بن أبي بكر الزهري المدني ولد سنة ١٥٠ هـ ومات سنة ٢٤٢ هـ. (٣) ابراهيم بن عبد الله بن حاتم الزهري ولد سنة ١٧٨ هـ ومات سنة ٢٤٤ هـ. (٤) إسماعيل بن موسى الفزاري السدي مات سنة ٢٤٥ هـ. (٥) سويد بن نصر بن سويد المروزي السدى مات سنة ٢٤٠ هـ وعمره ٩١ سنة. (٦) علي بن حجر المروزي مات سنة ٢٤٤ هـ وقد قارب المائة.

1 / 11