خارقة، والتي منها أنه سيجوب البلاد كلها إلا المدينة ومكة؛ لرواية مسلم التي ذكرتها آنفا.

لم يقتصر الأمر على حفظ المدينة من وباء الطاعون، بل تعدى الأمر إلى تنقية أجوائها ببركة دعاء النبي ﷺ والذي ورد في حديث عائشة ﵂، الذي رواه البخاري وفيه: فلمّا رأى رسول الله ﷺ ما لقوا قال: «اللهمّ حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكّة أو أشدّ، اللهمّ صحّحها وبارك لنا في صاعها ومدّها، وانقل حمّاها إلى الجحفة» «١» .

عن أبي هريرة ﵁، عن النّبيّ ﷺ قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة، ومنبري على حوضي» . [رواه البخاري] «٢» .

هذه هي أعظم خصوصيات المسجد النبوي الشريف- والذي تضم المدينة أرجاءه- وهو أن فيه روضة من رياض الجنة، فمن أراد أن يجلس في الجنة ويعاينها ويشم رائحتها الزكية، قبل أن يراها عيانا يوم القيامة- إن شاء الله تعالى- فلا يسعه إلا أن يشد الرحال إلى هذه البلدة المباركة، ويلتزم المكان الذي بين منبره وبيته ﷺ.

الحث على ملازمة الروضة الشريفة وكثرة الصلاة والذكر فيها ووجوب حبها وتعظيمها لشرفها على بقية البقاع، وهذا لا يتأتى- لمن هو خارج المدينة- إلا بشد الرحال إليها.

منة الله العظيمة على نبيه ﷺ؛ إذ جعل ما بين المكانين الذي كان ﷺ كثيرا ما يتردد بينهما روضة من رياض الجنة، وهذا يدلل أيضا على شرف وبركة البقعتين الطاهرتين البيوت والمنبر، وأعتقد أن ذلك كان ببركة كثرة ملازمة النبي ﷺ لها وبتلاوته فيهما آيات الله والحكمة، كما أن فيها امتنان الله العظيم على أمة الإسلام، إذ جعل لها بقعة مباركة في مسجد مبارك في بلد مبارك يتصبرون بها عن رؤية ودخول الجنة، بل ويتشوقون بكثرة ملازمتها إلى الجنة ونعيمها ولذاتها التي لا تحول ولا تزول.

ما المقصود بقوله ﷺ: «روضة من رياض الجنة» . ذكر ابن حجر-

(١) البخاري، كتاب: المرضى، باب: من دعا بدفع الوباء والحمى، برقم (٥٦٧٧) .

(٢) البخاري، كتاب: الجمعة، باب: فضل ما بين القبر والمنبر، برقم (١١٩٦) .