Keraguan Kreatif: Berdialog dengan Salaf
الشك الخلاق: في حوار مع السلف
Genre-genre
ومثل هذا الواقع تعبير عن موروث ثقافي يشكل إطارا فلسفيا من حيث الفهم الانطولوجي للوجود، وقدرة وحدود المعرفة عن الإنسان؛ أي الإطار الأبستمولوجي. ولكن هذا الإطار الموروث ليس قدرا ولا شيئا جبليا وإنما قابل للتغيير المشروط إراديا. ونحن، وعلى عكس الإطار الموروث، نرى ضرورة الجمع بين الإنسان الصانع والإنسان العاقل، الفعل والفكر، في نظرة تاريخية متطورة وعلى أساس منهج علمي مشروط بالتحديث الحضاري الذي هو تحديث فكر وواقع حياتي إنتاجي واجتماعي يتسق مع مقتضيات حضارة العصر وتحدياتها. وهذا إنجاز حققته مجتمعات أخرى.
وسوف يتبين لنا واضحا أن العجز عن حل المشكلات المتراكمة راجع لأسباب اجتماعية وثقافية وعملية تدخل في نطاق مسئولية الإنسان/المجتمع. وسوف يتأكد لنا أن الإنسان قادر بإرادته وبفعله وبفكره ومنهجه العلمي في الفعل وفي الفكر، أن يصحح أخطاء الماضي ويزيل أسباب التخلف إذا عرف نفسه كوجود تاريخي، وعرف عصره ومقتضياته وتحدياته، وتكيف اجتماعيا للاستجابة نحوها .. أي حين نعرف أن الإنسان جماع تاريخي متطور للفعل والفكر؛ إذ الفعل تغيير وحفز للإبداع .. والكلمة مقطوعة الصلة بالفعل الإنتاجي للوجود جمود وركود مهما كانت بلاغتها.
غربة العلم والمستقبل في حياتنا
لأي هدف نجد في حياتنا؟ هل نتحلى بجرأة العودة بشكل منهجي علمي إلى الذات والمراجعة النقدية للدور والفعل والفكر - إن وجدت - في التاريخ وفي الواقع الحالي؛ استشرافا لمستقبل ما؟ ما المؤشرات في حياتنا ذات المصداقية التي تؤكد، أو تشير من بعيد، إلى أننا نستوعب روح العصر، وهي العلم، وأننا على الطريق نحو مستقبل مرسوم بإرادتنا؟ ما الفكر وما الفعل الاجتماعيان اللذان يكفلان لنا المنافسة والتحدي في الماراثون الحضاري، خصوصا بعد أن تكثف الزمان والمكان عالميا بحكم ثورة الاتصالات، وأصبح العالم كله يسابق ويصارع بروح العلم والتكنولوجيا والعقل العلمي في ساحة محدودة ومكشوفة توصف بالقرية، بعد أن كانت - حتى بضعة عقود - عالما فسيحا غير متناهي الأبعاد، يضم شعوبا لا يعرف بعضها عن بعض كثيرا أو قليلا.
إنني، عند النظر إلى المجتمعات، أمايز بين حالين: الوجود والبقاء .. الوجود مشروع إرادي قائم على الفكر والفعل الاجتماعيين معا، تأسيسا على أعلى مستوى لإنجازات حضارة العصر. والبقاء هو حياة الاطراد العشوائي .. اطراد عاطل من فعل الإبداع والتجديد .. امتداد متجانس في المكان بغير زمان، حيث لا تغيير.
ولهذا قلت فيما سبق: المجتمعات - أو لنقل الثقافات الاجتماعية - صنفان، والتصنيف ليس قدرا أبديا، وإنما السيادة والغلبة لهذا أو ذاك رهن شروط وجودية للنهوض أو الانحسار. أقول صنفان هما: ثقافة الوضع، وثقافة الموقف. ثقافة الوضع قانعة بحالها، راضية برصيدها التاريخي الموروث .. والمعرفة عندها، أو قل العلم الأسمى، لا يتجاوز حدود تأمل هذا الرصيد وأقوال الأولين، والأمل عود على بدء .. ومن ثم عزوف عن الإبداع والتجديد .. الزمان امتداد متجانس، فارغ من الأحداث، إلا الحدث الأول والأهم فهو بداية التاريخ وغايته.
وثقافة الموقف إرادة واختيار، والإرادة فعل، والاختيار وعي عقلاني وعزم على التغيير والتجديد، وفهم لمجريات الأحداث والظواهر، وتراكم متجدد متطور لرصيد المعلومات والمعارف، ومن ثم تطور وارتقاء مطرد للهوية الثقافية التي هي عين الفعل الاجتماعي النشط في الزمان، وليس السكون والبحث عن هوية مجهولة في غيابات التاريخ.
ثقافة الوضع تقف على قارعة طريق الحياة، تتأملها تجليات لإرادة من خارجها، وثقافة الموقف تخوض غمار لجج نهر الحياة الصاخب الدافق، تتجدد وتتغير، وتبني وتتحدى وتستجيب، تأسيسا على الفهم والوعي والعقل الحر الناقد الفعال، إنها إبداع الحياة وصناعة التاريخ.
والآن، وقد أصبح العلم والتكنولوجيا - بعد أن بلغا مرحليا ذروة تاريخية فاصلة - أداة صناعة الوجود وبناء المستقبل، وموضوع الصراع والمنافسة والتعاون في آن بين شعوب العالم؛ وأصبحا كذلك محور المراجعة الذاتية لمن شاء الحفاظ على موضع الصدارة أو اكتساب القدرة على اللحاق في الماراثون الحضاري، وتأسيس حياة إنسانية كريمة للشعوب تمثل دعامة ومضمون الانتماء .. ومن هنا أصبح لزاما أن نرى أنفسنا بعقل نقدي في مرآة الآخر المتقدم والمهيمن بفضل امتلاكه ناصية روح العصر .. العلم والتكنولوجيا.
ولكن لماذا العلم؟ لماذا الفهم المعرفي العلمي؟ ولماذا الإنجاز البحثي العلمي ضرورة حياة؟ ولماذا الثقافة العلمية كثقافة عامة؟ لماذا محو الأمية العلمية؟ وهذا هو ما نراه السؤال الأكثر إلحاحا ودلالة في مجتمعات عجزت عن أن تمحو بالكامل الأمية الأبجدية لشعوبها، فضلا عن ضرورة محو الأمية العلمية والأمية الحاسوبية أو الرقمية.
Halaman tidak diketahui