Pokok Yang Tumbuh di Brooklyn
شجرة تنمو في بروكلين
Genre-genre
واستهواهما عمل أقراص من الطين حتى نسيا ما كان من أمر الساعة الحادية عشرة أو كادا، وأصبحت أيديهما قذرة كل القذارة من جراء اللعب في الطين.
وفتحت السيدة جاديس النافذة في الفترة ما بين الساعة العاشرة والحادية عشرة، وصاحت تقول إن أمهما طلبت منها أن تذكرهما حين تقترب الساعة من الحادية عشرة، وأنهى نيلي قرصه الأخير من الطين وبلله بدموعه، وأخذت فرانسي يده، وسار الطفلان يجران أقدامهما في خطوات بطيئة، ملتفين حول منعطف الشارع، واتخذا مكانيهما على أريكة، وكانت تجلس إلى جوارهما أم يهودية تمسك بين ذراعيها صبيا كبيرا في السادسة من عمره، وأخذت تبكي وتقبله في جبينه بحب شديد من حين إلى حين، وكانت الأمهات الأخريات يجلسن هناك وعلى وجوههن تجعيدات خطها العبوس والشقاء، ومن خلف الباب الزجاجي المغشى بالقطران حيث تجرى العملية المرعبة، كان يسمع نباح متصل يتميز بصيحات حادة، ثم يخرج طفل شاحب اللون يلف ذراعه اليسرى بشريط من الشاش الأبيض النقي، وتندفع أمه إليه تختطفه، ثم تسرع به خارج حجرة التعذيب، وهي تطلق سبابا في لغة أجنبية، وتهز قبضتها إلى الباب المغشي بالقطران.
وظلت فرانسي ترتعد، ولم تكن قد رأت قط طبيبا أو ممرضة في كل حياتها القصيرة، وجف لعابها هولا وفزعا حين رأت الملابس البيضاء، وشاهدت الآلات القاسية اللامعة التي وضعت على فوطة فوق صينية، وشمت رائحة المحاليل المطهرة، وخاصة حين رأت جهاز التعقيم يتصاعد منه البخار، وقد رسم عليه صليب أحمر في لون الدم.
ورفعت الممرضة كمها ومسحت جيدا ذراعها اليسرى، ورأت فرانسي الطبيب يأتي ناحيتها في ملابسه البيضاء ومعه الإبرة الحادة القاسية، وأخذ حجمه يزيد ويزيد، حتى خيل إليها أنه استحال إبرة ضخمة، وأغمضت عينيها تنتظر الموت، ولكن شيئا لم يحدث، ولم تشعر بشيء، ففتحت عينيها في بطء وهي لا تكاد تجرؤ على الأمل بأن الأمر قد انتهى كله، ووجدت على مضض أن الطبيب لا يزال هناك هو والإبرة الحادة وكل شيء، وكان الطبيب يحملق في ذراعها في امتعاض، ونظرت فرانسي أيضا فرأت بقعة صغيرة بيضاء على ذراع قذرة بنية داكنة اللون، وسمعت الطبيب يقول للممرضة: قذارة، قذارة، قذارة، منذ الصباح إلى المساء، أنا أعلم أنهم فقراء، ولكنهم يستطيعون أن يغتسلوا، إن الماء ليس له ثمن، والصابون رخيص، هلا نظرت إلى تلك الذراع أيتها الممرضة؟
ونظرت الممرضة ثم قرقت كالدجاجة في رعب، ووقفت فرانسي هناك تحس لهيب الخزي يحرق وجهها، والطبيب رجل من خريجي جامعة هارفارد، يمارس الطب الباطني في مستشفى الحي، وهو ملزم بأن يشتغل ساعات قليلة كل أسبوع في إحدى العيادات المجانية الثلاث، وكان سيمارس مهنته ممارسة أرقى من ذلك في بوسطون حين تنتهي فترة حصوله على شهادة الأمراض الباطنية، وكتب إلى خطيبته، وهي شخصية معروفة للمجتمع في بوسطون، يصف ممارسته للطب الباطني في بروكلين بنفس عبارات الحي قائلا: إنها أشبه ما تكون بدخول المطهر.
وكانت الممرضة من ويليمسبرج، تستطيع أن تعرف ذلك من لهجتها، وكانت بنتا لبعض المهاجرين البولنديين الفقراء، لكنها طموح، فاشتغلت بالنهار في محل للحلوى وذهبت إلى المدرسة بالليل، وأدت تمرينها في التمريض على نحو ما، وكانت تأمل في الزواج ذات يوم من طبيب، ولا تريد أن يعلم أحد أنها جاءت من الأحياء الحقيرة.
ووقفت فرانسي مطرقة الرأس بعد غضبة الطبيب، كانت فتاة قذرة، ذلك ما كان يعنيه الطبيب الذي أصبح يتكلم في هدوء، سائلا الممرضة كيف يستطيع هؤلاء الناس أن يواصلوا العيش، وإن العالم سوف يكون أفضل لو أنهم عقموا جميعا بحيث لا يستطيعون أن ينجبوا بعد، أيعني بذلك أنه كان يريد لها أن تموت؟ أتراه يفعل شيئا يؤدي إلى موتها؛ لأن يديها وذراعيها كانت قذرة من جراء أقراص الطين؟
ونظرت إلى الممرضة، وكانت كل النساء في نظر فرانسي أمهات كأمها، وخالتها سيسي وخالتها إيفي، وظنت أن الممرضة قد تقول شيئا من هذا القبيل: ربما تكون أم هذه الفتاة من العاملات، ولم تجد وقتا لغسلها جيدا في هذا الصباح.
أو ... أنت تعرف أيها الطبيب أن الأطفال يحبون اللعب في القذارة، ولكن ما قالته الممرضة حقا هو: أنت على حق، أليس هذا شيئا مريعا؟ إني أشفق عليك أيها الطبيب، ليس هناك عذر لهؤلاء الناس الذين يعيشون في القذارة.
إن الإنسان حين ينتزع نفسه من البيئة الفقيرة بالكفاح والجهد، يصبح واحدا من اثنين : إما أن ينسى بيئته بعد أن ارتفع فوقها، وإما أن يرتفع فوقها ولا ينساها أبدا، ويظل قلبه عامرا بالحب والتجاوب مع هؤلاء الذين تخلفوا وراءه في الطريق الشاق الوعر، واختارت الممرضة طريق النسيان، وبالرغم من ذلك تعلم وهي تقف هناك أنها بعد سنوات سوف يتملكها الأسى المتمثل في وجه تلك الطفلة التي تتضور جوعا، وأنها سوف تتمنى في مرارة لو أنها قالت لها كلمة تهدئ من روعها، وفعلت شيئا لخلاص روحها الخالدة، كانت تعلم أنها صغيرة ولكن تنقصها الشجاعة لتصبح غير ما كانت عليه.
Halaman tidak diketahui