Pokok Yang Tumbuh di Brooklyn

Nawal Saadawi d. 1442 AH
139

Pokok Yang Tumbuh di Brooklyn

شجرة تنمو في بروكلين

Genre-genre

وغدت الشمس زاهية شديدة الحرارة، وجفت حلة جوني الرسمية لتصبح شيئا متصلبا متغضنا ضاربا إلى الخضرة، وبدأ الأطفال يصابون بضربة شمس مفاجئة، وأعلن الأب بعد فترة طويلة، خيل للأطفال أنها ساعات، أنه قد حان وقت الأكل، فشعروا بارتياح شديد وسعادة كبيرة، ولف جوني سنارة الصيد ووضعها بعيدا، وجذب المرساة وجدف متجها نحو رصيف المرفأ، وبدا القارب كأنه يلف في دائرة؛ مما جعل رصيف المرفأ يغدو أكثر بعدا، ووصلوا أخيرا إلى الشاطئ، وقد بعدوا عن المرفأ بضع مئات من الياردات، وربط جوني القارب وطلب من الأطفال أن ينتظروا فيه ومضى إلى الشاطئ، وقال: إنه سيقدم لهم غداء طيبا.

وعاد بعد لحظة يمشي مترنحا يحمل «سجقا» ساخنا وفطيرة التوت وكعكة الشليك، وجلسوا يأكلون في القارب المترنح الذي ربط إلى رصيف المرفأ المتآكل، ينظرون إلى المياه الخضراء الطينية التي تنبعث منها رائحة السمك الفاسد، وكان جوني قد شرب قليلا من كئوس الخمر على الشاطئ، جعلته يأسف على أنه صرخ في وجه الأطفال، وقال لهم: إنه يمكنهم أن يضحكوا ما شاءوا على وقوعه في الماء، ولكنهم لم يستطيعوا أن يحملوا أنفسهم على الضحك بوجه ما، فقد مضى أوان ذلك، وظنت فرانسي أن أباها يبتهج كل الابتهاج، وقال: هذه هي الحياة بعيدا عن الزحام الهائج الصاخب. آه! ليس هناك أجمل من ركوب البحر في مركب.

وختم كلامه بغموض قائلا: إننا نخرج بأنفسنا من كل ذلك.

وجدف جوني إلى البحر مرة أخرى بعد أن فرغوا من غدائهم العجيب، وتساقط العرق غزيرا من تحت قبعته الدربي، وذاب الدهان الذي على أطراف شاربه، فأحال شاربه النظيف المسوى إلى شعر أشعث فوق شفته العليا، ولكنه شعر بالسعادة وأخذ يغني في إشراق وهو يجدف: إننا نبحر ... ونبحر ... على مشارف البحر الطامي.

وأخذ يجدف ويجدف ملتزما دائرة، ولم ينطلق أبدا إلى البحر، وأخيرا تقرحت يداه حتى مل التجديف، وأعلن بطريقة تمثيلية أنه سوف يجدف نحو الشاطئ، وأخذ يجدف ويجدف، ثم استطاع أخيرا أن يضيق الدوائر شيئا فشيئا، حتى اقتربت هذه الدوائر من الرصيف، ولم يلحظ قط أن أجسام الأطفال الثلاثة قد غدت في لون البازلاء الخضراء، في المواضع التي لم تستحل إلى حمرة الجزر بفعل أشعة الشمس، ولو لاحظ هذا لأدرك أن السجق وفطيرة التوت وكعكة الشليك والديدان التي تتلوى في الشص، لم تفد الأطفال فائدة كبيرة.

فلما بلغ المرفأ قفز إلى الرصيف وفعل الأطفال مثله، وبلغوا جميعا الرصيف ما عدا تيلي الصغيرة فقد سقطت في الماء، وألقى جوني نفسه منبطحا على الرصيف وأمسك بها وانتشلها من الماء، ووقفت تيلي الصغيرة هناك، وقد ابتل رداؤها ذو المخرمات ولكنها لم تقل شيئا، وخلع جوني سترة حلته الرسمية، وركع على ركبتيه ولف الطفلة بها، بالرغم من أنه كان يوما قائظ الحرارة، وتدلت أكمام السترة تجرجر على الرمل، ثم حملها جوني بين ذراعيه وسار في خطوات بطيئة صاعدا هابطا المرفأ، وهو يربت ظهرها مواسيا ويغني لها أغنية من أغاني الأطفال، ولم تفهم تيلي الصغيرة شيئا مما حدث طوال اليوم، لم تفهم لماذا وضعت في قارب، ولماذا سقطت في الماء، أو لماذا يحدث الرجل مثل هذه الضجة حولها، ولم تقل شيئا.

ووضعها جوني على الأرض حين شعر أنها هدأت، وذهب إلى الكوخ حيث يجد خمرا يحتسيها، واشترى من الرجل ثلاث سمكات من سمك موسى نظير ربع دولار، وخرج بالسمك المبلل وقد لفه في صحيفة، وقال لطفليه: إنه وعد أمهما بأن يعود إلى البيت بالسمك الطازج الذي يصطاده، وقال الأب: إن أهم شيء أن أعود إلى البيت بسمك من كانارسي، يستوي في ذلك أن أكون أنا الذي اصطدته أم غيري، والعبرة هي أننا خرجنا لصيد السمك وعدنا إلى البيت بسمك.

وأدرك طفلاه أنه يريد من أمهما أن تعتقد أنه هو الذي صاد السمك، ولم يكن الأب يطلب منهما أن يكذبا، وإنما أرادا ألا يكونا حريصين على قول الحقيقة بحذافيرها، وفهم الطفلان ما يريده أبوهما.

وركبوا إحدى عربات التروللي التي تشتمل على مقعدين يواجه كل منهما الآخر، واصطفوا صفا عجيبا، يجلس في أوله جوني بسرواله الأخضر المغضن، الذي تصلب بفعل ماء البحر الملح، وظهر قميصه الداخلي مليئا بالثقوب الكبيرة، وعلى رأسه قبعته الدربي، وعلى شفته العليا شارب أشعث، وتليه الصغيرة تيلي وقد غطست في معطفه، والمياه الملحة تقطر من تحته، لتصنع على الأرض بركة صغيرة من الماء الملح، ثم تليهما فرانسي ونيلي بوجهيهما المحمرين بلون الآجر، وقد جلسا ثابتين كل الثبات محاولين ألا يسقطا إعياء.

وركب الناس العربة وجلسوا قبالتهم وهم يحملقون فيهم متعجبين، وقد جلس جوني معتدل القامة والسمك في حجره، محاولا ألا يفكر في الثقوب التي تملأ قميصه الداخلي الظاهر للعيون، ونظر من فوق رءوس الركاب متظاهرا بأنه يقرأ إعلانا عن أقراص مسهلة.

Halaman tidak diketahui