Pokok Yang Tumbuh di Brooklyn
شجرة تنمو في بروكلين
Genre-genre
ولم تكن المدرسة كلها تتسم بالعبوس الذي لا فرج منه، فقد تمر بها لحظات مجيدة مشرقة تستمر نصف ساعة كل أسبوع، حين يقبل السيد مورتون إلى فصل فرانسي ليدرس الموسيقى، وكان مدرسا متخصصا يمر بكل المدارس في تلك المنطقة، وإذا ظهر حلت معه فترة من الراحة والترويح، وكان يرتدي معطفا له ذيل طويل، وربطة عنق شاخصة إلى أعلى، وهو وافر النشاط والحركة، مرح طروب، يفيض حيوية وحياة حتى لكأنه ملاك هابط من وراء السحب، كما أنه ودود في ظرف يمتزج بالحيوية، يفهم الأطفال ويحبهم فأحبوه إلى حد العبادة، وكانت المدرسات يتدلهن في حبه؛ لأنه يشيع في الحجرة روح المرح والانطلاق يوم زيارته، حيث ترتدي المدرسة خير ما عندها، ولا تمعن في الحقارة كشأنها، وفي بعض الأحيان تجعد شعرها وتتعطر، هذا هو ما كان يصنعه السيد مورتون بهؤلاء السيدات.
وكان يصل إلى المدرسة كالزوبعة، ويفتح الباب على مصراعيه ويندفع داخلا كالطائر ومن ورائه ذيل معطفه، ويقفز على المنصة وينظر حوله باسما، ويقول بصوت طروب: حسنا! حسنا!
ويجلس الأطفال يضحكون من السعادة، وتبتسم المدرسة ولا تكف عن الابتسام.
وكان يرسم على السبورة العلامات الموسيقية، ويرسم لها سيقانا صغيرة ليجعلها تبدو كأنها تجري خارج السلم الموسيقي، ويرسم علامة مستوية تشبه البيضة، وكانت العلامة الحادة تبرز بروز الأنف الرفيع كالمنقار، ويظل ينطلق بالغناء طول الوقت، مسترسلا كأنه العصفور، وتفيض سعادته في بعض الأحيان، حتى لا يستطيع أن يردها، فيقطع قفزة من قفزات الرقص لينفس عن بعضها.
ودأب على أن يعلمهم الموسيقى الجيدة دون أن يجعلهم يعلمون أنها جيدة، ويطلق كلمات خاصة من عنده على روائع الموسيقى، ويعطيها أسماء بسيطة مثل «هدهدة الطفل» و«مناجاة الليل» و«أغنية الشارع» و«أنشودة يوم مشمس»، وكانت أصواتهم الغريرة تتعالى بالصراخ مغنية مقطوعة «هاندل»، البطيئة الحركة التي لا يعرفونها إلا باسم الترتيلة.
وكان الصبية الصغار يصفرون جزءا من لحن دفوراك «سيمفونية العالم الجديد»، وهم يلعبون البلي، وحين يسألون عن اسم الأغنية يجيبون: «أوه إنها العودة إلى البيت.» ويلعبون لعبة «البوتسي» مترنمين بلحن «نشيد الجنود» من أوبرا فاوست ويسمونه «المجد».
ولم تكن الآنسة بيرنستون مدرسة الرسم التي تأتي أيضا مرة في الأسبوع محبوبة كل الحب مثل السيد مورتون، ولكنهم يعجبون بها كما يعجبون به، آه! لقد كانت من عالم آخر، عالم الملابس الجميلة ذات اللون الأخضر الهادئ والعقيق الرصين، وكان وجهها حلوا رقيقا، وهي مثل السيد مورتون تحب جمهور الأطفال المنبوذين القذرين أكثر من حبها للأطفال المحظوظين، ولم تكن المدرسات يحببنها، نعم كن يعبسن في وجهها حيث تتكلم معهن، ثم يحدقن فيها حين تولي ظهرها، ويغرن من سحرها ولطفها وما فيها من جاذبية تثير إعجاب الرجال، وكانت جياشة العاطفة تفيض أنوثة، وكن يعلمن أنها لا تقضي الليالي وحدها كما أجبرن هن على ذلك.
وكان صوتها عذبا صافيا كالنغم، ويداها جميلتين، ترسمان بسرعة بقطعة الطباشير أو بقلم من الفحم، وكان لإمساكها بالقلم سحر وهي تدير رسغها، فينثني معصمها انثناءة واحدة فترتسم تفاحة، ثم ينثني انثناءتين فيتجلى طفل جميل ممسكا بتفاحة، وكانت لا تعطي درسا في اليوم المطير، وتأخذ قطعة من الورق وقلما من الفحم، وترسم أكثر الأطفال فقرا ومسغبة في الفصل، وحين تنتهي الصورة فإنك لم تكن ترى الفقر أو المسغبة، وإنما ترى عظمة البراءة والنضج المبكر لطفل يشتد عوده سريعا، حقا إن الآنسة بيرنستون إنسانة عظيمة.
وكان هذان المعلمان الزائران ومضة تشرق ذهبا وفضة في أيام المدرسة الكئيبة الممعنة في الكآبة والقتام؛ تلك الأيام التي تمتلئ بالساعات الموحشة، حيث يجلس التلاميذ أمام المدرسة متصلبين مشدودين، وأيديهم مكتوفة خلف ظهورهم، وتروح هي تقرأ رواية خبأتها في حجرها، لو أن المدرسات جميعا من طراز الآنسة بيرنستون والسيد مورتون، لكانت فرانسي خليقة بأن تعرف حق المعرفة كيف يكون النعيم السماوي، ولكن رب ضارة نافعة؛ إذ لا بد من الظلام والقتام حتى يمكن للشمس أن تجد جوا تشرق فيه بجلالها السني.
22
Halaman tidak diketahui