فأحنى رأسه بالإيجاب ، فقالت وهي تختفي في الداخل: أظن آن لنا أن نناقش مشاكلنا العاجلة!
فمضى نحو الباب وهو يتمتم: استعنا على الشقا بالله.
روح طبيب القلوب
تفحصها الرجل باهتمام، فتلقت نظراته بعينين حذرتين مستطلعتين. كان يجلس مسند الظهر إلى باب الضريح الصغير، على حين تربعت هي بين يديه. لم يكن في ساحة الضريح الصحراوية سواهما أحد في صحبة شعاع الصباح الباكر. وكان الضريح صغيرا مثل زنزانة، ولا تناسب بين جسم الرجل النحيل وبين عمامته الخضراء الكبيرة ولحيته الكثيفة السوداء، وثمة تناقض أشد بين جلباب الفتاة الرث القذر وقدميها الحافيتين، وبين جمال وجهها الآسر. أشار الرجل إلى الضريح وقال: تبارك ذكره، كان بطب الجراح إعجازه وسره.
فتمتمت الفتاة بسذاجة: تبارك ذكره. - لعل الذي جاء بك إليه جرح عز على البشر شفاؤه؟
فتمتمت فيما يشبه البلاهة: نعم.
فسألها بارتياب: ما سنك يا فتاة؟ - لا أدري. - ولكن أمك تدري؟ - لم أر لي أما. - توفاها الله؟ - لا أدري. - وأين أبوك؟ - لم أر لي أبا. - وأين تعيشين؟ - في الدنيا! - ماذا تعملين؟ - أسرح بالفاكهة الفاسدة يجود بها الفاكهي أو يبيعها بثمن بخس. - ولكنها تجارة فاسدة! - لها زبائن يتنافسون في الحصول عليها. - وأين تقيمين؟ - في الخلاء صيفا، وتحت البواكي شتاء. - أتتحملين تقلب الجو؟ - وهل تقلب الجو يؤذي؟!
وخفض الرجل صوته درجة وهو يسألها: وهل صنت شرفك يا فتاة؟ - شرفي؟! - ألا تعرفين معنى الشرف؟ - الشرف؟!
فتردد لحظة ثم تساءل: ألم يغرر بك شاب؟ - يغرر بي؟! - يخدعك لينال منك مأربه؟ - نحن نعمل معا، ونلعب معا، وننام معا! - يا للعنة! - اللعنة؟! - لعلك قصدت صاحب الضريح مطاردة بعذاب الضمير! - الضمير؟ - لا تعرفين الضمير أيضا! - أيضا! - أأنت راضية عن حياتك؟
فقالت بحماس: الحياة جميلة بالرغم من كثرة المشاجرات. - الشجار إذن هو ما يقلقك؟ - كلا، إنه يهب الحياة مذاقا طيبا!
Halaman tidak diketahui