فقالت زينب بفخار: إنها متفوقة في العلوم.
وقالت بثينة: وبابا متحمس لدراسة العلم.
فرمق عثمان عمر بنظرة حائرة، ثم قال لبثينة: سوف تدركين يوما أنه الأمل المنشود. - ولكني لن أتخلى عن الشعر. - وما البأس في تلك الحال؟ - وكم عاما قضيت في السجن؟ - حوالي العشرين.
فرمته بنظرة ذاهلة، فضحك قائلا: ومع ذلك فقد عرفت رجلا في السجن لا يرغب في مغادرته، وكلما قاربت مدته الانتهاء ارتكب جريمة خفيفة ليجددوا له المدة. - تصرف غير معقول!
فقال بلهجة جادة: ما أكثر التصرفات غير المعقولة!
وقال عمر معاتبا: ألا تريدين له أن يأكل؟
وقدمت لهم القهوة في حجرة الاستقبال، ولم ينقطع الحديث بين عثمان وبثينة. وحوالي العاشرة اقترح مصطفى أن يجلس ثلاثتهم بالشرفة، وانتقل النساء إلى حجرة الجلوس. وأراد عثمان أن يعرف ماذا صنع مصطفى بحياته، فقص عليه هذا قصته بصراحة واستهانة، وجرأة غير متوقعة. ولم يقنع بذلك، ولكن قال: ها قد وقفت على أحوالنا، فماذا يدور في رأسك الكبير؟
وكان عثمان قد عاد - بعد اختفاء بثينة - إلى الفتور والتجهم، فقال: علي أن أبدأ حياتي أولا كمحام. - إنما أسأل عما يدور برأسك! - وعلي أن أدرس ما حولي. - من حقك هذا، غير أن موقفنا القديم لم يعد ضرورة حتمية.
فقال بغلظة متحدية: ولكنه ضرورة حتمية! - أعني أن الدولة الآن اشتراكية مخلصة، وفي هذا الكفاية.
وظل عمر صامتا ينظر نحو النيل الذي يجري عاكسا أضواء المصابيح تحت هلال مرشوق في الأفق. وقال عثمان بمرارة: إذا كنت قد تغيرت فلا يعني هذا أن الحقيقة يجب أن تتغير. - لم تتغير، ولكننا تطورنا. - إلى الوراء. - الوطن تطور إلى الأمام بلا شك. - ربما، ولكنكما تطورتما إلى الوراء.
Halaman tidak diketahui