وجلس محاصرا بالحرج حتى خفف عنه دخول عليات وبثينة. وأحسنت عليات ملء الجو بالنوادر والملح؛ فمر الوقت دون إرهاق. وجاءوا بالمولود في فراشه، وكشفوا عن وجهه. رأى كتلة لحمية متموجة حمراء، ممطوطة القسمات، ليس من اليسير أن يتصور أن سيكون لها شكل فضلا عن شكل مقبول. ولكنه تذكر تجارب مماثلة سابقة تنحني إحداها فوق فراش الوليد لترمقه بدهشة وحنان من عينيها الخضراوين. ولم يجد نحوه شعورا مميزا، غير أنه أدرك أنه سيحبه كما ينبغي وقنع منه بنظرة حياد متسائلة. لو لم تكن عاجزا عن التعبير كأبيك لسألتك عن مشاعرك، وعن ذكرياتك عن العالم الذي جئت منه لتوك.
وسألت عليات: هل اخترتم له اسما؟
فأجابت بثينة: سمير.
إذن فليحمه اسمه من الضجر. وقالت عليات بلهجة ذات مغزى: لتكن نشأته في أحضان والديه.
ورغم انسيابه في أسرار الخلق لم يساوره أدنى أمل في التغير، ولا خرج من غربته الأبدية. ولم يملأ الوليد الثغرة التي تفصل بينه وبين زينب، وراح يتساءل: حتى متى يبقى في مجلسه محطا للنظرات والتساؤل؟
وأزف وقت الغداء، فاستأذن في الانصراف وذهب. ولحقت به بثينة خارج الحجرة، وقد استردت شجاعتها الطبيعية الصريحة معه، قالت: بابا ... لن تبقى وحيدا.
وكان يعلم أنه لم يعد بحاجة إلى شقته الخالية، وأنه يحلم بوحدة جديدة، فتساءل مستسلما: ماذا تريدين؟ - أن تعود.
فلثم خدها وهو يقول: على شرط ألا تضيقوا بي.
وتأبطت ذراعه، وأوصلته حتى الباب الخارجي بوجه مشرق.
15
Halaman tidak diketahui