والصبر والزهادة والعبادة وسموّ الذكر، منزلتهم في الدنيا والآخرة عظيمة، ومواقع منافع الإسلام وأهله بهم حسنة جسيمة، يُفْتَخَرُ بذكرهم عند القراء، وتستزل بهم بركات السماء منهم أبن أبي قباس، وكان من فرسان المحراب. حدثني أبو حفص عمر بن أحمد البروجردي المقرئ، شيخ عابد فاضل، قال: حدثني أستاذي السوسندرجي أن أبن أبي قباس كان إذا قرأ في محراب طرسوس سمعت قراءته في سوق الصفارين، وكان إذا خطب حير السامعين وألهى المحزونين. وحدثني أحمد بن هارون الكوفي، كهل من أبناء طرسوس، ووجوهها، قال حدثني أبي قال: كتب السلطان قديمًا إلى الأقاليم بسبب أبن طولون، فسب على منبر طرسوس على لسان أبن أبي قباس كما سب كل مكان، وحج أبن أبي قباس فسلك الركب الذين كانوا معه طريق مصر فدخلوها في شهر رمضان، وكان يصلي بابن طولون عشرة أئمة كل واحد منهم تسليمة واحدة، فصار أبن أبي قباس إلى دار أبن طولون فدخل في جملتهم، ووقع للحجاب والبوابين أن أبن أبي قباس أحد العشرة المرسومين للصلاة، فلما أقيمت تقدم، وكل واحد من العشرة يحسبه يصلي على إذن مؤامرة، ومنهم من يحسبه أحدهم، فأفتتح فقرأ فحير السامعين شجى وطيبًا وتمموا صلاتهم، فلما أرادوا النهوض للتراويح سألوه أن يصلي ترويحة ففعل ثم أخرى ثم أخرى حتى فرغ من جميعها ومن الوتر، وانصرفوا ولم يصل أحد من العشرة فرضًا ولا نافلة، فسأل أبن طولون حجابة عنه فقالوا: ما نعرفه ولا رأيناه قبل وقتنا هذا، وقال بعضهم: ما ظنناه إلا واحدًا من العشرة المرسومين بالصلاة، فتقدم أبن طولون إلى الحجاب إن عاد أن لا يحجب، فعاد لليلته المقبلة وتقدم وصلى، فلما أراد الانصراف استوقفه الحجاب وسألوه من هو ومن أين هو، فما أجابهم، فرد إلى أبن طولون، فخاطبه وسأله عن أسمه ونسبه فقال: أنا أبن أبي قباس، فسر به سرورًا عجيبًا، وأمره بالصلاة به ما بقي الشهر وحده، وأمر بسبه بحيث يسمع كما سبه على منبر طرسوس، فستعفاه فأبى عليه، واستعفاه فما وجد له من محيصًا، سأله الأمان فأمنه وقام فخطب، فلما وصل إلى حيث يسب رخم واختصر، فحتم عليه أن لا يغادر من السب حرفًا واحدًا إلا لفظ به ففعل، وأتى عليه عن آخره، فأمر له بألف دينار وزوده إلى مكة وحمله، فحج وعاد إلى طرسوس شاكرًا لا بن طولون حامدًا.
1 / 45