فأطار الخوف الخمر من رءوس القوم، وأخذ منهم الذعر والهلع كل مأخذ، واصطدم بعضهم ببعض، وداسوا فوق العيدان والكئوس، واجتذبوا ذيولهم من القيان اللاتي حاولن الاحتماء بهم ... ثم تبين بعد قليل أنها فرية دنيئة، وأن الغلام اللئيم أراد أن يكدر صفوهم، ويفرق جمعهم.
فأسرع الشيخ قائلا: إن إنذار الغلام لم يكن كاذبا، وستأتي إليهم الإسبان حتما، إن لم يكن اليوم فغدا.
ويحي على الأندلس ويحي!! أين أيام عبد الرحمن الناصر؟، حينما كانت راية الإسلام تخفق على أرجاء الجزيرة في عزة وشموخ، وحينما كانت الوفود من ملوك الإسبان تأتي إلى الزهراء فتحسر عن رءوسها إجلالا وهيبة؟!
فهز أحد الفتيان رأسه في تحسر، وقال: هذا كلام صحيح، ولكني أنصح للشيخ أن يكتم السخط على أمراء هذا الزمان في نفسه، فإن أميرنا عبادا رجل بطاش ظالم، يسبق السيف كلمته، ويصطاد العصفور من بين براثن النسور، وهو كثير الجواسيس، ينقلون إليه أخبار الناس وأحاديثهم حتى ليقال: إنه يعرف ما يحصل في كل دار، ويكاد يعرف ما يجول في كل نفس.
فأجاب الشيخ: هون عليك يا فتى ... إن الله كتب لكل نفس أجلها، وإنما ضيع الناس الرياء، والنفاق، والسكوت على الداء وهو يدب ويستشري.
وبينما هم في الحديث، إذ دخل شاب من طلاب العلم بالمدينة وهو يقول: إن عظماء المدينة وعلماءها وشعراءها يذهبون إلى القصر لتهنئة الأمير بمولود جديد.
فنظر الشيخ في السماء ... وأخذ يردد:
بشر الدهر بمولود جديد
ليت شعري أشقي أم سعيد؟
تهنئة
Halaman tidak diketahui