Security in People's Lives and Its Importance in Islam
الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام
Penerbit
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Genre-genre
[مقدمة]
الأمن في حياة الناس
وأهميته في الإسلام
Halaman tidak diketahui
مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن الأمن يعتبر من أهم مطالب الحياة، بل لا تتحقق أهم مطالبها إلا بتوفره، حيث يعتبر ضرورة لكل جهد بشري، فردي أو جماعي، لتحقيق مصالح الأفراد والشعوب.
والتاريخ الإنساني، يدل على أن تحقيق الأمن للأفراد والجماعات الإنسانية، كان غاية بعيدة المنال في فترات طويلة من التاريخ، وأن الأمن لم ينبسط على الناس في المعمورة إلا خلال فترات قليلة.
فالحرب والقتال بين البشر، ظاهرة اجتماعية لم تختف حتى الآن، وكان تغير الدول والإمبراطوريات
1 / 5
قديما، ونشأتها، وضعفها، وانتهاؤها، مرتبطا في الغالب بالحروب ونتائجها.
وتعتمد الحضارات الإنسانية في قوتها وضعفها وانتهائها، على ما تملكه من مقومات ذاتية، تميز حضارة عن أخرى.
فالحضارات لا تتصارع بالسلاح، ولكنها تعيش وتمد نفوذها وتبسط مفاهيمها وقيمها وأنماط سلوكها، وتحقق سلطانها، نتيجة سلامة ما تحمله من مفاهيم وقيم.
ويعتبر الإسلام مثلا حيا وباقيا على هذه القاعدة.
فلم يكن الإسلام في بدايته، وحتى بعد تأسيس دولته الأولى، أقوى عدة وعتادا وسلاحًا من قوى الإمبراطوريتين الرومانية أو الفارسية، اللتين عاصرتا بدء الإسلام.
وخلال فترة قليلة من الزمن، وفي القرن الأول الهجري، بدأ المنهج الإسلامي يخلف - على
1 / 6
المستوى العالمي - النظام الروماني القديم، واستطاعت قيم الإسلام ومفاهيمه، أن تسيطر على شعوب وأجزاء كبيرة من المعمورة، وأن تؤثر على بلاد وشعوب لم يصلها الإسلام، وهو أمر لا ينكره المنصفون من العلماء والمؤرخين.
وفي العصر الحديث، ونتيجة للنهضة الأوروبية التي صاحبها تقدم علمي وفكري كبير، أصبحت الحضارة الأوروبية، أو حضارة الغرب بوجه عام، هي الظاهرة والسائدة في القيم والمفاهيم على أجزاء كثيرة من المعمورة، لا سيما بعد أن واكبت النهضة الأوروبية، حركة كبرى للغزو والتوسع، شمل قارتي إفريقيا وآسيا، وشمل العديد من البلاد الإسلامية.
فالغزو العسكري سبق المد الحضاري ومهد له، وتدل الشواهد على أن هذا التمهيد، كان مقصودا ومتعمدا ومدروسا.
إذ إن السيطرة على الشعوب، لا يمكن استدامتها
1 / 7
عن طريق القهر لمدد طويلة، ولكن التأثير الحضاري، يمكن أن يمتد لمئات السنين، ويضمن بقاء النفوذ والسيطرة حضاريًا وثقافيًا، وربما كان ذلك هو الأخطر والأشد ضررًا على أمن البلاد الإسلامية في العصر الحديث.
إن الأمن معنى شامل في حياة الإنسان، ولا يتوفر الأمن للإنسان بمجرد ضمان أمنه على حياته فحسب، فهو كذلك يحتاج إلى الأمن على عقيدته التي يؤمن بها، وعلى هويته الفكرية والثقافية، وعلى موارد حياته المادية.
والشعوب والدول، تحتاج - فضلًا عن الحفاظ على أمنها الخارجي - إلى ضمان أمنها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ودون أن يتحقق لها ذلك، لا تتمكن من النهوض والتطلع إلى المستقبل، بل يظل الخوف مُهيمنًا على خطواتها، ومقيدًا لتطلعاتها.
ولذلك؛ فإن تكامل عناصر الأمن في مجتمع
1 / 8
معين، هو البداية الحقيقية للمستقبل الأفضل، وتوفر عناصر الأمن الديني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وبقاؤه في المجتمع، ضمان له لاستعادة أمنه الخارجي، حتى لو فقده بصفة مؤقتة أو عارضة.
ويمثل التزام الإسلام، عقيدة وشريعة وقيمًا وأصولًا اجتماعية، أهم عناصر الأمن في المجتمعات الإسلامية. يقول الكاتب الأمريكي برنارد لويس:
"إن الدول الإسلامية، قد تسقط أو تزول كدولة بالغزو العسكري، ولكن المجتمع يظل في حياته، محكومًا بقوانينه الإسلامية في معاملاته وعلاقاته ربما عشرات السنين، حتى تقوم الدولة من جديد، وهي تجربة مرت بها الدول الإسلامية التي خضعت للاستعمار عشرات السنين ".
ولا بد لنا ونحن نتناول أهمية الأمن في الإسلام، أن نتحدث عن الأمن بمفهومه الشامل الذي يحتاج إليه الفرد والمجتمع، وعن أمن غير المسلمين في المجتمع
1 / 9
المسلم، وأن نشير إلى أظهر الأسباب التي تخل بالأمن في المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
ولا بد لنا أن نشير إلى ما تعيشه المملكة العربية السعودية، من أمن وطمأنينة واستقرار وحياة كريمة، وتعاون وتضامن بين أبنائها، وتكاتف والتفاف حول ولاة أمرهم.
وذلك كله، بفضل الله، ثم بسبب تطبيقها لشريعة الله، وتحاكمها إليها، والتزامها بتوجيهات الإسلام، بدءًا من عقيدة التوحيد، وصرف جميع أنواع العبادة إلى الله وحده، وانتهاءً بكل خلق فاضل دعانا إليه ربنا في كتابه الكريم، وسنة رسوله ﷺ.
إن أثر تطبيق الشريعة الإسلامية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، على أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، يدركه كل ذي بصيرة، وينعم في ظله الجميع.
وإننا في المملكة العربية السعودية، إذ ننعم بذلك
1 / 10
كله، ونشكر الله عليه، ونسأله المزيد من فضله، لنؤكد للعالم أجمع، أن ذلك، هو الطريق إلى الاطمئنان والاستقرار.
ومن هنا، نحرص على الحديث عن الأمن في الإسلام، وما تعيشه المملكة وشعبها، وبيانه في كل مناسبة.
تحدثًا بنعمة الله علينا، ودعوة لأنفسنا قبل كل شيء، وتذكيرًا لها بهذه النعمة، وحثا لها للتمسك بأحكام الدين، والإخلاص لله في عبادته، وطاعته سبحانه بفعل أوامره واجتناب نواهيه ومعاصيه.
ودعوة لكل مسلم، بل لكل إنسان عاقل متبصر، رجاء أن يهديه الله، للالتزام بهدي الإسلام، فينعم بما تنعم به هذه البلاد وأهلها، فتسكن نفسه، ويطمئن فؤاده، ويهنأ في دنياه وأخراه.
وإذا ذُكر الأمن في بلاد الحرمين، المملكة العربية السعودية، وتطبيق شريعة الله، والأمر بالمعروف والنهي
1 / 11
عن المنكر، والدعوة إلى الله.
ذُكر قادة المملكة العربية السعودية، وما هداهم الله له ووفقهم إليه، من عمل بالكتاب والسنة، واحتكام إليهما، وجهاد في سبيل الدين ونصرته.
بدءًا من الإمام المجاهد، الإمام محمد بن سعود، ﵀، الذي نصر الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ﵀، وأيده فيما دعا إليه، من تجديد الإيمان، وتصفية العقيدة في نفوس المسلمين، وإزالة المنكرات، وتطبيق الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الصراط المستقيم.
وما قام به الأئمة من آل سعود من بعده، إلى عهد الإمام المصلح الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ﵀، الذي جاهد في سبيل الله، ولم شعث ما تفرق في هذه الجزيرة، وأقام دولة مسلمة، مكتملة البنيان، فأعز الله به الدين، وأيد به المسلمين، وحفظ الله بسببه وجهوده بلاد الحرمين، من كثير من الفتن والويلات
1 / 12
والرزايا، التي حلت بأماكن عديدة من أوطان المسلمين.
ولقد سار أبناؤه الأوفياء على نفس النهج، إلى العهد الزاهر الحاضر، عهد خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين، الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، اللذين جندا أنفسهما، ورجالهما، وبذلا جهودًا كبيرة في سبيل استمرار مسيرة هذه الدولة المباركة على نهج الآباء والأجداد، في إقامة الدين، وتطبيق الشرع، والدعوة إلى الله، وتوقير العلماء، وإكرامهم، وعون المسلمين أينما كانوا.
فكان استمرار الأمن والاطمئنان، وعاش الناس حياة سعيدة مستقرة، إخوانًا في الله متحابين، في ظل حكم عادل منصف.
فلله الحمد والمنة والفضل.
كان لا بد من الحديث عن الأمن في المملكة في هذا
1 / 13
البحث، الذي يتحدث عن الأمن في حياة الأمم والشعوب، وأهميته لدى المسلمين، انطلاقًا مما ورد في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وما سار عليه المسلمون في الصدر الأول، ومن تبعهم بإحسان، حتى لا يقول إنسان: إن هذا حديث نظري لا رصيد له من الواقع.
ولقد جاء الحديث في هذا الموضوع المهم، في خمسة مباحث وخاتمة:
المبحث الأول: الأمن في الكتاب والسنة.
المبحث الثاني: مفهوم الأمن في المجتمع المسلم.
المبحث الثالث: تطبيق الشريعة والأمن الشامل.
المبحث الرابع: أمن غير المسلم في الدولة الإسلامية.
المبحث الخامس: الأمن في المملكة العربية السعودية.
الخاتمة: في أهم ما يحقق الأمن للمجتمع المسلم.
سائلا الله أن ينفع به كل من قرأه، وأن يوفقنا إلى الاهتداء بهديه سبحانه، والاقتداء برسوله ﷺ، والعمل
1 / 14
بما يرضيه، وأن يجعل العمل خالصًا لوجهه.
فإنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
عبد الله بن عبد المحسن التركي
وزير الشئون الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد
1 / 15
[المبحث الأول الأمن في الكتاب والسنة]
[الأمن في الكتاب]
المبحث الأول
الأمن في الكتاب والسنة وردت كلمة الأمن وما يشتق منها في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وذلك بالمعنى الذي نحن بصدده، وهو الأمن الذي يعني السلامة والاطمئنان النفسي، وانتفاء الخوف على حياة الإنسان، أو على ما تقوم به حياته من مصالح وأهداف وأسباب ووسائل، أي ما يشمل أمن الإنسان الفرد، وأمن المجتمع.
يقول الله تعالى:
﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [فصلت: ٤٠] (فصلت الآية ٤٠) .
﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧] (آل عمران الآية ٩٧) .
﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: ٩٩] (يوسف الآية ٩٩) .
1 / 17
﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ [سبأ: ١٨] (سبأ الآية ١٨) .
﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٨٢] (الحجر الآية ٨٢)
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ [البقرة: ١٢٥] (البقرة الآية ١٢٥) .
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ [إبراهيم: ٣٥] (إبراهيم الآية ٣٥) .
﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ [النور: ٥٥] (النور الآية ٥٥) .
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢] (النحل الآية ١١٢) .
ومن آيات القرآن الكريم يظهر معنى الأمن الذي ينافي الخوف، ففي قوله تعالى:
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ [البقرة: ١٢٥] (البقرة الآية ١٢٥) .
أي أمنًا للناس وأمنًا من العدو وأمانًا لمن يدخله.
1 / 18
وفي قوله تعالى:
﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧] (آل عمران الآية ٩٧) .
يعني حرم مكة، إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء.
وفي قول الله تعالى:
﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: ٩٩] (يوسف الآية ٩٩) .
أي آمنين مما كنتم فيه من الجهد والقحط.
وفي قوله سبحانه:
﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٨٢] (الحجر الآية ٨٢) .
يقصد بالأمن عدم الحاجة.
يقول ابن كثير: " أي نحتوا بيوتًا من الجبال من غير خوف ولا احتياج إليها، بل أشرًا وبطرًا وعبثًا ".
ولا يتحقق للإنسان في الحياة الدنيا الأمن المطلق.
ذلك أن الإنسان مهما أوتي من نعمة، ومن سلامة نفس وبدن ووفرة رزق، لا يحس بالأمن الكامل، أو الأمن بمعناه المطلق الذي ينافي كل خوف مهما كانت
1 / 19
أسبابه.
فالأمن المطلق، لا يوجد إلا في دار النعيم التي وعد الله بها عباده الصالحين.
قال الله تعالى:
﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٤٦] (الحجر الآية ٤٦) .
ففي الجنة، لا يكون خوف ولا فزع ولا انقطاع ولا فناء.
أما في الدنيا؛ فالأمن المطلق غير واقع، إذ يشوبه الخوف من انقطاع الأمن، والخوف من زوال الحياة نفسها.
ولا يحس بالأمن المطلق من عذاب الله، إلا الغافلون الخاسرون، يقول الله تعالى:
﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٩] (الأعراف الآية ٩٩) .
أما المؤمنون حقًا، فحالهم بين الرجاء في رحمة الله ﷿، والخوف منه سبحانه، الذي يعتبر ضروريًا
1 / 20
للمسلم حتى يأمن من ظلمه لنفسه، ومن ظلمه لغيره، ومن ظلم غيره له، فالخوف من الله مفتاح الأمن للمسلم في دنياه والفلاح في أخراه.
ويقع الخوف من الأنبياء والرسل، خوفًا من أعدائهم، ومما يجهلون حقيقته أول الأمر.
يقول الله تعالى لموسى ﵇ حين أوجس خيفة من السحر:
﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ [طه: ٦٨] (طه الآية ٦٨) .
وقد بشرت الملائكة النبي لوطًا ﵇ بالأمن، حين اقترب عذاب الله لقومه المكذبين له:
﴿وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [العنكبوت: ٣٣] (العنكبوت الآية ٣٣) .
وقد أحس إبراهيم ﵇ بالخوف حين أقبلت ملائكة الله:
﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات: ٢٨] (الذاريات الآية ٢٨) .
1 / 21
وقد جعل الله الخوف نوعًا من العذاب للمكذبين والكافرين، يقول تعالى:
﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: ٥٩] (الإسراء الآية ٥٩) .
وجعل الابتلاء بالخوف، من قبيل الفتن التي يتعرض لها الإنسان:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: ١٥٥] (البقرة الآية ١٥٥) .
والخوف قد يكون جزاء على كفر النعمة، فينقلب الأمن خوفًا، إذا لم يكن شكر من الإنسان لله عليها:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢] (النحل الآية ١١٢)
وذلك مثل أهل مكة في أول أمرهم، ومحاربتهم للرسول ﷺ، مع ما كانوا فيه من نعمة.
يقول الله تعالى:
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ - الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: ٣ - ٤] (قريش الآية ٣، ٤)
1 / 22
ولأن الخوف أمر وارد وطارئ على الإنسان، فإنه يؤثر عليه ماديًا ونفسيًا، ويذهب بنعمة الأمن التي تُمكن الإنسان من السعي والتصرف في هدوء واطمئنان.
ولذلك كان للشعور بالخوف في بعض المواضع، حكم في الشرع يناسب حال الإنسان عند الخوف.
فالخوف من الأعذار المبيحة للتخلف عن صلاة الجماعة، وقد يؤثر في كيفية الصلاة وصفتها، كما هي الحال في صلاة الخوف الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم.
[الأمن في السنة النبوية]
[أهمية أمن الإنسان في الجماعة التي يعيش فيها]
وفي السنة النبوية، ما يؤكد أهمية أمن الإنسان في الجماعة التي يعيش فيها، يقول ﷺ:
«من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي، وابن ماجه، والطبراني في الكبير.
فالأمن على نفس الإنسان، وعلى سلامة بدنه من
1 / 23
العلل، والأمن على الرزق، هو الأمن الشامل الذي أوجز الإحاطة به وتعريفه هذا الحديث الشريف، وجعل تحقق هذا الأمن لدى الإنسان بمثابة ملك الدنيا بأسرها، فكل ما يملكه الإنسان في دنياه، لا يستطيع الانتفاع به، إلا إذا كان آمنًا على نفسه ورزقه.
وقد دعا الرسول ﷺ إلى كل عمل يبعث الأمن والاطمئنان في نفوس المسلمين، ونهى عن كل فعل يبث الخوف والرعب في جماعة المسلمين، حتى ولو كان أقل الخوف وأهونه، باعتبار الأمن نعمة من أجلِّ النعم على الإنسان.
ولقد نهى الرسول صلوات الله عليه وسلامه، عن أن يروع المسلم أخاه المسلم، فقال:
«لا يحل لمسلم أن يروع مسلما» رواه الإمام أحمد، وأبو داود.
كما نهى عن أن يشهر السلاح عليه، حتى ولو كان ذلك مزاحًا، فقال:
«لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري
1 / 24